البطريرك الرّاعي يبارك كنيسة مار تقلا- دقون السبت ١١ تشرين الثاني ٢٠١٧
موقف الرّاعي هذا أطلقه خلال العظة التي ألقاها في رعيّة دقون-عاليه، بمناسبة تدشين كنيسة القديسة تقلا حيث ترأّس الذبيحة الالهية؛ عاونه فيها رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، ورئيس عام الرهبانية الأنطونية الأباتي مارون أبو جودة، والمونسنيور أنطوان سيف، وكاهن الرعية الأب دافيد شعيا، ولفيف من الكهنة والرهبان، بحضور ممثل فخامة رئيس الجمهورية وزير الطاقة سيزار أبي خليل، وممثلين عن كل من النائب وليد جنبلاط، النائب طلال ارسلان، قائد الجيش وتيمور جنبلاط الى جانب عدد من الوزراء والنواب، وحشد من أبناء المنطقة. وكان سماحة شيخ العقل قد أوفد الشيخ القاضي فؤاد حمدان على رأس وفد من مشايخ طائفة الموحدين الدروز لاستقبال غبطته. وألقى حمدان كلمة ترحيب بغبطته، اعتبر فيها أنّ زيارات غبطته الى الجبل تعزّز المصالحة التاريخية بين أبنائه وتنعش روح الوحدة والتعايش التي تجمع بينهم؛ منوّهاً بالتضامن الوطني لمواجهة المرحلة الدقيقة من حياة الوطن. وفي مستهلّ القدّاس، ألقى راعي الأبرشية المطران بولس مطر كلمةًرحّب فيها بصاحب الغبطة؛ شاكراً له الزيارة الراعوية الى الأبرشية، والى رعية دقون ومنطقة العيش المشترك، وهي تشكّل اجتماع الرعية بالرعية الصالح. وأضاف سيادته نسأل الله أن يمدّ راعينا وبطريركنا بالصحة والعافية كي يكمل طريق الخلاص للبنان، ويجنّبه كل انقسام ويمنحه السلام.
بعد الانجيل المقدّس، ألقى البطريرك الرّاعي عظةً، بعنوان: “أنت هو المسيح ابن الله الحي”، وجاء فيها: ننضم بفرح الى فرحتكم اليوم يا أبناء دقون والمنطقة، ونحن نكرّس معكم هذه الكنيسة ومذبحها على اسم القديسة الشهيدة تقلا. وفرحة لأنّه من خلال ايمانكم وصمودكم وعرق جبينكم وتضحياتكم، بنيتم هذه الكنيسة الجميلة على صخرة الايمان، فيما في كل مرة تلتقون ونحن اليوم معكم نرفع ايماننا ايمان بطرس قائلين:" انت هو الميسيح ابن الله الحي” انت هو الذي أرسله الله ليحمل للعالم محبته ورحمته وسلامه لكي تستطيع الشعوب على اختلاف ثقافاتها وأديانهم ومشاربهم يعيشوا جمال البنوة لله وجمال الاخوة فيما بينهم. وقد جئت أيّها المسيح لتعلن أنّ لا مجال لأن يتعايش الناس بسلام من دون المحبة والرحمة.
انّي أشكر أخي راعي الأبرشية المطران بولس مطر على دعوته، وأشكركم يا أهالي دقون على دخولكم من الباب الواسع في حركة المصالحة في الجبل وتركتم الماضي وراءكم، وبهذه الروح أعدتم الحياة الى بلدتكم، كما أُعيدت الحياة لهذا الجبل العزيز. أُهنّئكم لأنّكم منذ تسع سنوات بدأدتم، برعاية راعي الأبرشية وبهمتكم وهمة المونسنيور أنطوان سيف وسخائكم، باشرتم ببناء هذه الكنيسة ومجمعها الجميل، وبايمانكم استطعتم أن تبلغوا هذا اليوم الجميل. كنيسة جميلة تعكس جمال قلوبكم، وقد أتيتم من كل مكان، حتى من خارج لبنان واجتمعتم في هذه المناسبة المباركة، ولا شك في أنّكم حيثما أنتم تشكلون جسد المسيح السري. انّنا نقدّم هذه الذبيحة الالهية على نيّتكم جميعاً، وعلى نيّة كل من تعب في هذه الكنيسة وعلى نية عائلاتكم، ومرضاكم وأمواتكم وشهدائكم. كما انّي أحيّي رئيس عام الرهبانية الأنطونية التي تقوم بخدمة هذه الرعية بشخص الأب دافيد شعيا.
ومعكم أوّجه التّحية الى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي علّمنا في هذا الظرف الصعب من حياتنا الوطنية، بنتيجة استقالة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري بشكل مفاجىء وغير طبيعي، كيف نواجه أزمات الحياة بروية وتأنّي وصبر وتشاور، علمنا أنّه لا يجوز في الملمّات الصغيرة والكبيرة أن نأخذ قراراً على عجل أو على ردة فعل. نحن نرجو من خلال هذه المشاورات التي يقوم بها فخامة الرئيس، أن تصاغ من جديد وتتشدّد روابط وحدتنا الوطنية ، وفي الواقع فانّ كل اللبنانيين على اختلافهم ينادون بصوت واحد من أجل عودة رئيس الحكومة وانطلاق الحياة الوطنية من جديد. فاللّبنانيون وان مرّوا بظروف صعبة يعرفون كيف يستعيدون من جديد مسيرتهم الوطنية في وحدتهم. نطلب اليكم معالي الوزير أن تنقلوا الى فخامة الرئيس كل محبتنا وتأييدنا وصلاتنا، ونرجو له بشفاعة القديسة تقلا النجاح في مواجهة هذه الازمة السياسية والوطنية. نعم نعيش اليوم والوجوم باد على وجوهنا جميعا. لقد آلمتنا هذه المفاجأة التي تمثلت بتقديم رئيس مجلس الوزراء استقالته بالشكل المفاجئ من السعودية، وكل الشعب لا يعرف ما هو المصير. طبعاً، هذا يشكّل حزناً في القلب وجميعنا يتطلّع الى عودته الى لبنان، لأنّه من غير الممكن أن يسلم لبنان اذا كان هناك أحد ما موجوع فيه.
فمن أجل الإستقرار، ومن أجل الكرامة والسيادة والسلم الأهلي، نحن نتأمّل أن يعود دولة الرئيس وأن نستعيد حياتنا الوطنية. نحن ندشن الكنيسة اليوم ونكرسها وسنرفع صلاتنا بشفاعة القديسة تقلا أولى الشهيدات كي نلتمس من الله نظرة الى حياتنا الواقعية ولكي تنجلي القضية، وربّنا دائماً له طريقته الخاصة لحل الأمور. هذا هو ايماننا الثابت بالعناية الإلهية. بالطبع قوتنا ليست من البشر، وانّما هي من الله. وهكذا نتمكن من الصمود والصبر والتكاتف وجمع قوانا. ومن هنا، أعود فأحيّي معكم فخامة رئيس الجمهورية على حكمته ومشاوراته وتهدئة الأمور، كذلك مفتي الجمهورية وكل الإرادات الطيبة؛ وهذه علامة بانّ اللّبنانيين يودّون فعلاً الإنطلاق الى الأمام، وكنّا جميعنا مرتاحين لمسيرة الدولة. نلتمس من صلاتنا الليلة نعمة الخروج من النفق المظلم وكل نفق له نهاية، وأملنا كبير جدّاً بأنّه بعناية الله تعالى ستنجلي هذه القضية على خير.وأُجدّد شكري لسماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن ولكل الحاضرين الأحباء.
“أنت صخرة الايمان عليها ابني كنيستي” عليها أبني البشرية الجديدة، الانسان الجديد، انسان المحبة والرحمة، انسان السلام وقوى الشر لن تقوى عليه. هذا الكلام موجه لنا جميعاً، لكل انسان من أي دين أو ثقافة كان. هذا كلام من عند الله لكي يقول أنّ قيمة الانسان المخلوق على صورة الله هي أن يكون مثل الله انسان حب ورحمة وسلام. لغة الأباطرة الأرضيين هي لغة الحرب، لغة الدمار والقتل والتهجير، نحن اختبرناه أو اليوم نعيشها بشكل مرعب في هذا المشرق العزيز، هذه لغة البشر، حن بحاجة الى لغة الله، هذا هو مضمون فعل الايمان الذي أعلنه باسمنا جميعاً بطرس اعترافاً بهذا المرسل الاتي يسوع المسيح، الذي جاء مرسلاً لكل انسان على الأرض. وجواب يسوع لكل واحد وواحدة منا: اذا عشت صامداً وثابتاً في الايمان والمحبة والسلام، تُبنى البشرية الجديدة.
انّ مصالحة الجبل مبنيّة على الايمان، وهكذا اللّبنانيون وفي كل مرة كانوا يصلّون الى شفير الهاوية واستطاعوا بايمانهم وثباتهم ووحدتهم العودة من جديد، هذه ثقافتنا وحضارتنا ورسالتنا. اذاً أمام الملمات والصعوبات لا خوف. لقد أعطينا من الله قوة عظيمة اسمهما ايمان ومحبة ورحمة وسلام. فلنجدّد أخوتي وأخواتي في هذا الاحتفال ايمان القديسة تقلا التي كانت وثنية وامنت بالمسيح، وأصبحت أولى الشهيدات وشهدت له بهذه القيم، فلنردّد في صميم قلوبناأانت المسيح ابن الله الحي المرسل اليّ والى اخوتي البشر. امين.
بعد القدّاس، ألقى رئيس بلدية دقون كلمة ترحيب وشكر قال فيها:“انّ حضوركم يا صاحب الغبطة بيننا اليوم وتكريسكم لكنيستنا، هو مدماك اضافي في استكمال مصالحة الجبل، مصالحة العيش الواحد، التي شرعت الابواب لعودة المسيحيين الى بلداتهم وقراهم، وكرّست العيش بشركة ومحبة مع سائر اخوتنا، ليكون الجبل كما نعرفه اليوم واحة تلاق وسلام ونحن شهود على ذلك. يا من أُعطي مجد لبنان وحتى مجد العالم، بالأمس كنتم في نيويورك مع الجاليو اللّبنانية ومنهم كثيرون من ابناء بلدتنا لتكريس جدرانية القديس العالمي شربل، واليوم وجودكم بيننا في هذه المناسبة المقدسة، انّما هو حضور للوجود الحرّ العابق بالايمان، ورسالة واضحة المعالم قوامها التّجذر في هذه الأرض التي تشبّعت بدماء الشهداء.