البطريرك يونان في رسالة الميلاد "نحن رعاة هذا الشرق المضطهد ونقف اليوم امام مفترق تاريخي في مسيرة شعبنا"
هذا الحدث ـ المعجزة يدعونا إلى الإلتزام بتجديد العهد مع الرب، فنهرع إلى لقائه كما أسرعَ رعاةُ بيتَ لحم إلى المغارة، ورجعوا حاملين الرجاء والفرح، عندما عاينوا الطفل الإلهي المولود، متوسّطاً والدته مريم ومربّيه يوسف البار، في مغارةٍ بسيطةٍ،وكما سار المجوس من المشرق البعيد باحثين عن الطفل، الملك الجديد المولود، ورجعوا ممتلئين حكمةً وفطنةً وسعادةً لا توصف".
وأضاف البطريرك يونان" ها هو يسوع الطفل ـ الإله يولد في كنف عائلةٍ متّخذاً جسداً بشرياًلكي يقدّس العائلة، ولكي يتهيّأ فيها لعيش كلّ أبعاد إنسانيته، ويحقّق رسالة الفداء. وهكذا جعل من العائلة "كنيسة بيتية" للصلاة، ولنقل الإيمان من جيلٍ إلى جيل، وللإصغاء إلى صوت الله واكتشاف إرادته. فأضحت العائلة إذ ذاك نواة مشروع الله الخلاصي".
وعن سنة الرحمة قال غبطته:"
لأهمية ذكر الرحمة في مسيرة إيماننا وشهادتنا للمسيح، أعلن قداسة البابا فرنسيس سنة يوبيل الرحمة الإلهية التي بدأت في 8 كانون الأول الجاري وتنتهي في 20 تشرين الثاني 2016. "وفي ملء الزمان" (غلاطية 4: 4)، "كشف يسوع رحمة الله بكلامه وأفعاله وبكلّ شخصه" (البابا فرنسيس: وجه الرحمة، براءة إعلان يوبيل الرحمة غير العادي، 1). وأشار قداسته إلى أنّ الغاية من هذا اليوبيل هي "أن نركّز نظرنا على الرحمة، لكي نصبح نحن أيضاً علامةً فاعلةً لعمل الآب الرحوم.فرحمة الله تظلّ دائماً أكبر من خطيئة الإنسان. ولا أحد يستطيع أن يفرض حدّاً لحبّ الله الذي يغفر".
وعن الوضع في الشرق بالتزامن مع ميلاد السيد المسيح أوضح غبطته "ان كان زمن الميلاد زمن السلام والرجاء والأمل بولادةٍ جديدةٍ للإنسان، فإنّ عالمنا الحاضر بأمسّ الحاجة لكلّ بصيص أمل ٍنوفّره لبلداننا وشعبنا المضطهَد والمهجَّر والمقتلَع قسراً من أرض الآباء والأجداد، ليس لذنبٍ سوى أنه مؤمنٌ بمعجزة الميلاد، لقاء الله مع الإنسان.
نحن، رعاة هذا الشعب المضطهَد، نقف اليوم أمام مفترقٍ تاريخي في مسيرة شعبنا الذي وُلد وعاش على هذه الأرض، ونراه اليوم يهجرها مُكرَهاً، تاركاً وراءه تاريخاً متجذّراً تجذُّر المسيحية في هذا الشرق، وفي أحسن الأحوال تعصف به الأزمات لتدفعه إلى الهجرة.
فإن نظرنا إلى لبنان، وإلى المسيحيين فيه، تحسّرنا على ما آلت إليه الأمور.صحيحٌ أنه لا يزال بمنأىً عن الحروب التي تعصف حوله، ما عدا مناطق محدودة فيه أصرّ أعداؤه الإرهابيون على تهديدها، إلا أنّ انقسامات السياسيينأدّت إلى الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنةٍ ونصف، وهو الموقع المسيحي الوحيد في هذا الشرق، والقادر أن يعيد إلى الجمهورية عنفوانها وكرامتها وموقعها بين الدول، وأن يجدّد الحياة السياسية السويّة في النظام اللبناني.إنّنا نكرّر مطالبتنا، مع جميع المخلصين لميثاق لبنان ودستوره، بانتخاب رئيسٍ للبلاد، وإقرار قانونٍ عادلٍ للإنتخابات النيابية، يُنصِف السريانويعطيهم حقّهم في التمثيل النيابي أسوةً بالطوائف الأخرى.
وإننا إذ نغتنم الفرصة لنهنّئ العسكريين الذين تمّ تحريرهم من يد المنظّمات الإرهابية، نصلّي من أجل تحرير رفاقهم المأسورين، سائلين الطفل الإلهي أن يحفظهم ويُنجِح مساعي القيّمين على هذا الملف لإعادتهم سالمين آمنين إلى مؤسّستهم ووطنهم وعائلاتهم.
وعن سوريا قال:" فقد دخلت الأزمة عامها الخامس،وكانت سبباً في تدميرٍ لا مثيل له للأرض والبنيات التحتية والمعالم الحضارية، وحملت معها قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، وزرعت البغض في النفوس، ونشرت التعصّب الطائفي بين المكوّنات التي كانت عنوان غنى هذا البلد المحبوب في التعدّدية والتسامح والإشعاع. إنّنا نناشد المجتمع الدولي التوقّف عن تأجيج الإقتتال الداخلي في سوريا، فلا يكون هذا الشعب وحريته وحياته أهدافاً لصراعات الدول ومصالحها الإقتصادية والسياسية. فليتّحد العالم، وليطرد الإرهابيين من سوريا. فهل أنّ صور تدمير المدن والمعالم الأثرية لا تستحقّ التفاتةً من قادة هذا العالم؟ ونذكر هنا خاصةً تدمير دير مار اليان الناسك وضريحه في القريتين، وكذلك الإعتداءات الهدّامة على الكنائس والأديرة والمعالم المسيحية في معلولا وصدد وقرى الخابور.ألا تُدمي مشاهد القتل والدمار قلوب العالم؟ ألا يستحقّالذين يغرقون لحظة رحمةٍ من الذين يموّلون هذه الحرب العبثية ويديرونها؟، هذا كلّه وكثيرون منمسيحيي سوريا قرّروا البقاء وعدم الهجرة.إنّنا نتضرّع إلى طفل المغارة ليكون ميلاده نوراً يشعّ في العقول والقلوب، فتتوقّف هذه الحرب العبثية، ويتّحد الشعب السوري لبناء دولته، دولةً حديثةًديمقراطية.
وفيما نشكر الله فرحين لعودة الأب جاك مراد إلى الحرية، لا يسعنا إلا أن نعلي الصوت مع جميع أصحاب النيّات الحسنة، فنجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، وفي مقدّمتهم المطرانان مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والآباء الكهنة ميشيل كيّال واسحق محفوظ وباولو داللوليو، والمدنيون، وبخاصة أبناء شعبنا في القريتين وحلب وقرى الخابور.
أمّا العراق، فقد مرّت سنةٌ ونيّف على طرد أبناء شعبنا من مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، وتدمير الكنائس والمعالم الدينية والآثار التي تشهد على عمق تجذُّر شعبنا في أرض العراق الغالي، ولعلّ أحد أبرزها دير مار بهنام الشهيد الذي يضمّ ضريحه. كلّ هذا يحدث والمجتمع الدولي لا يحرّك ساكناً، بل يبقى صامتاً غير مبالٍ تجاه هذه الجرائم ضدّ الإنسانية.
أمّا في الداخل العراقي،وفيما نسمع الكثير من الوعود والتمنّيات بغية تطمين المسيحيين وسائر المكوّنات في العراق، فإنّنا نرى مجلس النواب يسعى لتشريع قوانينَ تخالف أبسط حقوق المواطنة وتضرب بالصميم الوجود المسيحي فيه، كأنهم يقولون لهذا المكوّن الأصيل والمؤسِّس: "إننا وداعش نطلب منكم الرحيل".
في خضمّ هذا كلّه، تقف الكنيسة مع شعبها، فهي لن تتركه ولن تتنازل عن حقوقه. ونحن معها نصلّي للرب يسوع، الطفل الإلهي، حامل الرجاء إلى البشرية، طالبين منه أن يعزّز إيمان القيّمين على هذا الشعب بأرضهم ووطنهم، ليكونوا قدوةً له،وأمناء لتراث بلاد الرافدين وتاريخها".
وختم غبطته" في هذا العيد، نتوجّه بالقلب والفكر إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام النزوح والهجرة والإقتلاع، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، إذ أضحوا، مثل الطفل الإلهي، لا موضع لهم ولا منزل يأويهم، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة.
وما أشبه اليوم بالأمس، إنّه يعزّ علينا أن نعيش هذا الواقع الأليم فيما نختتم مئوية مذابح الإبادة السريانية "سيفو ـ السوقيات"، وقد استذكرناها باحتفالاتٍ ومؤتمراتٍ ونشاطاتٍ تشارَكْنا في عددٍ منها مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة. وكان الإحتفال بتطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، بعد مئة عامٍ من استشهاده، قمّة احتفالاتنا وعلامةً ساطعةً على قداسة الشهداء الذي قدّموا حياتهم قرابين حبّ وإخلاص ليسوع الرب الفادي.
كما نتوجّه بشكلٍ خاص إلى العائلات التي تعاني الحزن لفقدان أحد أفرادها، وجميع الذين لا يستطيعون أن يعيشوا فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النعم والبركات والتعزيات السماوية".