البكاء: ضعف أم قوّة؟
وفي مجتمعاتنا الشّرقيّة، يُنسب البكاء إلى الأطفال والنّساء، أمّا الرّجل فيزجّونه في "سجن" المعتقدات الشّرقيّة الّتي حدّدت صورته في إطار "خشن" و"صلب" حكم عليه به إلى الأبد.
ولكن من ناحية أخرى، يعتبر آخرون أنّ الرّجل إن بكى، فهذا ينمّ عن إحساس صادق وشفافيّة مطلقة، وفي ذاك الفعل راحة وتحرّر من كلّ ما يكبّل النّفس، فتصحّ هنا مقولة: "البكاء فرج".
أمّا في الصّلاة، فـ"سيكون مفيدًا أن نسأل الله نعمة الدّموع لأنّ هذا العالم لا يميّز درب السّلام" فترتدّ القلوب، بخاصّة أنّ "بعض الحقائق في الحياة لا يمكن رؤيتها إلّا من خلال العيون المغسولة بالدّموع." (البابا فرنسيس)
ففي ذلك راحة عميقة، وتوبة صادقة، فيه طلب للرّحمة والرّأفة والعزاء، فكم "نحن بحاجة إلى الرّحمة، إلى العزاء الّذي ينبع من الله. كلّنا بحاجة إلى ذلك؛ هذا هو فقرنا، إنّما عظمتنا: أن نسأل عزاء الله الذي يأتي بحنانه ليمسح كلّ دمعة من عيوننا." (البابا فرنسيس)
ليس المطلوب أن نكون بكّاءين ولكن ليس عيب أن نعلن عن المشاعر الإنسانيّة الّتي بداخلنا، فيسوع نفسه بكى في سبت لعازر، أحبّ من كلّ قلبه فبكى، شعر بضيق وحزن مريم ومرتا فبكى: "فما إن وصلت مريم إلى حيث كان يسوع ورأته، حتّى ارتمت على قدميه وقالت له: "يا ربّ، لو كنت ههنا لما مات أخي"، فلمّا رآها يسوع تبكي ويبكي معها اليهود الّذين رافقوها، جاش صدره واضطربت نفسه وقال "أين وضعتموه؟" قالوا له: "يا ربّ، تعال فانظر". فدمعت عينا يسوع." (يو 11/ 32- 35)
هو خالق السّماء والأرض، هو الإله القويّ بكى ليس ضعفًا وإنّما حبًّا، بكى ليعلّمنا أنّ نخفّف من آلام الآخرين ونشاركهم عذاباتهم في الظّروف الصّعبة، "ففي وقت الفزع والارتباك والدّموع، يميل قلب المسيح إلى الصّلاة إلى الآب. الصّلاة هي الدّواء الحقيقيّ لأوجاعنا"، وكم من قدّيس ارتقى سلّم القداسة بعد غسل قلوبهم وذرف دموع التّوبة؟!
لنطلق العنان إذاَ لنفوسنا المضطربة والمتألّمة، ولنسمح لله أن يفعل فينا فهو "سيمسح كلّ دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأنّ الأمور الأولى قد مضت." (رؤ 21: 4)