التطوع لخدمة السجناء منهج المرشدية التابعة لمجلس البطاركة الكاثوليك الأب نصر: لنرحم من على الأرض ليرحمنا الله في السماء
مئة متطوع من بينهم أخوات راهبات، وإخوة رهبان، ومن العلمانيين من الشابات والشبان ممن أخذوا على عاتقهم الدخول الى متاهات العتمة داخل جداران السجون، والى متاهات عتمة النفس البشرية لدى المسجونين، بإضفائهم ساعات من الوقت تنير عتمة روح هؤلاء، وتبعث في تعقيدات ذواتهم المتهدمة والمكتئبة بعضا من نور الله، علها تأخذ بهم الى سبيل مستقيم، أو توبة تطمئن ما بداخلهم، الى ما هنالك من مسالك إرشادية روحية قد تفيد في تقويم إنسانيتهم المربكة.
وفي حديث ل "الوكالة الوطنية للاعلام" أكد المسؤول عن المرشدية الإقليمية في محافظتي بيروت وجبل لبنان الأب إيلي نصر أن "مهمة المرشدية هي روحية أولا، الى جانب متابعة قضايا اجتماعية وقانونية وصحية ونفسية لهؤلاء السجناء، وذلك من خلال جمع التبرعات من الكنيسة ومن أصدقاء المرشدية، حيث تقام حفلات عشاء لجمع التبرعات في بعض المناسبات لهذه الغاية".
ومنذ العام 1996 بدأت المرشدية عملها المنظم وفقا لتعاليم السيد المسيح "كنت سجينا فزرتموني". فالكنيسة، كما قال الأب نصر، "تحمل هذه الرسالة، لذا عمدت الى مأسسة عملها في خدمة السجناء، فبدأت بإقامة الدروس الروحية في السجون والبالغ عددها في لبنان 22 سجنا موزعة على الأراضي اللبنانية، ولكن مع مرور الوقت إكتشف هؤلاء المتطوعون أن السجناء بحاجة أيضا الى طعام وغطاء ومساعدة، ولكن ضمن قدراتنا وامكانياتنا، والتي تقارب سنويا الخمسمئة مليون ليرة لبنانية ماديا وعينيا، باستثناء جهود المتطوعين، يضيف الأب نصر".
وعن شروط التطوع يقول هي أولا أن "تحصل بعد موافقة المرشد الإقليمي، وأن يتولى التعريف به أحد الأشخاص الموثوقين، وأن يتابع حضور دورات واجتماعات على مدار السنة كي يكتشف خلالها المتطوع بإعطاء جزءا من وقته قدرته على تحمل هذه المهمة، ونكون نحن في المرشدية قد عملنا على تقييم من لديه القدرة على المتابعة معنا، أو ذاك الذي يرغب بالدخول معنا لغايات شخصية، وهناك من دخل معنا وعمل جمعيات على ظهورنا"، يوضح الأب نصر، ويتابع: "لقد تعلمت ألا أتحمس لأي شخص يتقدم للتطوع، بل أعد للمئة في عملية تقييم هذا وذاك".
أضاف: "في حين تعمل المرشدية على التنسيق مع منظمة "كاريتاس" و"مؤسسة عفيف عسيران" في عملها هذا، فإنها تسعى الى التعاون مع المؤسسات الراغبة في هذا العمل التطوعي، نظرا لعبء المهمة، وتحديات المشكلات القائمة في السجون التي لا تتوافر فيها المعايير الدولية والانسانية للسجناء. لا تتوقف خدمة التطوع على توفيرها للسجناء اللبنانيين أو أبناء الطائفة المسيحية، لأن في عكس ذلك نفي لرسالة السيد المسيح وأبناء الكنيسة، إذ أن هناك عربا وسجناء أجانب في السجون لا يتابع شؤونهم أحد، ويعانون غياب المتابعات القانونية لأوضاعهم، ومن هنا تقدم محامون متطوعون لدراسة كل ملف على حدة، ولكن حسب قدراتنا كما ذكرت سابقا، إذ أن هدفنا هو خدمة الجميع، ونحن لا نطالب أن نقتص من الانسان السجين، أو إلغاء العقوبة، أو فك أسره، أو العفو عنه، لأن هذا الأمر من صلاحيات القضاء، ومجلسي النواب والوزراء، بل نحن نطالب بتحقيق العدالة وتبيان الحقيقة وإحقاق الحق ورفع الظلم عن المظلومين، واحترام كرامة الانسان السجين، بغض النظر عن جنسيته أو عرقه أو دينه أو مذهبه، أو لونه أو معتقده السياسي أو العقائدي، أو بيئته أو جرمه، والعمل معا على مساعدته ومعالجته".
وتابع: "مع ذلك، نحن لا نقدم المساعدة لمن يحوزها من مؤسسات أخرى، وهو ما يفعله بعض المساجين، وقد استطعنا من خلال خبرتنا أن نلحظ أن السجين الآدمي لا يطلب المساعدة، ونميز بين حالات السجناء الذكور والسجينات النساء، فأوضاع الأخيرات أقل معاناة لأن عددهن أقل (حوالي 300 سجينة مقابل 7500 سجين)، إضافة الى وجود نوع من العطف على النساء السجينات، ومثلها على الأحداث السجناء، ونسبة السجناء المظاليم لا تتعدى 5%، وبعضهم دخل خلسة، ولكن ألا توجد حالات مماثلة لأشخاص لبنانيين دخلوا خلسة الى غير بلدان؟".
وعن التغيرات التي أحدثتها المرشدية منذ العام 1996، أجاب: "الذي تغير هو تزايد إهتمام المجتمع بأمر السجناء، وكنا نحن أول من أدخل وسائل الاعلام في العام 2000 على عهد الوزير يومذاك ميشال المر الى سجن رومية، وأول من أدخل الأدوات الكهربائية من ثلاجات وأجهزة تلفزيون والهاتف المدفوع وغيرها من الخدمات. حصل ذلك نتيجة الثقة بيننا وبين الدولة ولذلك حققنا نجاحا في عملنا".
وتأكيدا لنجاح مهمة المرشدية في بعض جوانبها، اشار الى "التعامل الانساني الذي قمنا به في معالجة اوضاع سجناء جماعة الضنية الذين تعرضوا لأذى التعامل غير الانساني، إذ أنهم كانوا يكرهون كل من هو من غير دينهم الاسلامي، ولكن من خلال متابعتنا لهم ولقاءاتنا بهم، استطعنا ترويض رفضهم للرهبان وصاروا يمدون اليد للسلام علينا وكانوا يأبون ذلك، وصاروا يقبلونني، وقد أشاد أحدهم بانسانية الأخت الراهبة جنفياف طراف والأب إيلي نصر لإحدى وسائل الاعلام".
وكشف الأب نصر أنه "سيعيد طباعة وتوزيع النشرة الروحية أسبوعيا على السجناء، وسيعمل مع العهد الجديد على تحسين أوضاع السجناء بما فيها كرامة أهلهم أثناء زياراتهم لهم".
وختم:" فلنرحم من على الأرض، ليرحمنا الله في السماء".