دينيّة
06 آب 2023, 07:00

الخوري الحلّاق عن عيد التجلّي: إنّه الحدث العظيم والاختبار الإلهيّ للتّلاميذ

تيلي لوميار/ نورسات
"عيد التّجلّي، عيد الرّبّ، إنّه الحدث العظيم والاختبار الإلهيّ للتّلاميذ... إنّه لحظات سماويّة مسبقة عاشها بطرس، رأس الكنيسة، مع يعقوب أسقف كنيسة أورشليم ويوحنّا الحبيب التّلميذ الأقرب لقلب يسوع. تضع الكنيسة اليوم نصّ التّجلّي أمام عيوننا بالجسد لننتقل من خلاله إلى الغوص بهذا السّرّ الإلهيّ، لعلّنا إذا طلبنا يسوع من كلّ قلوبنا وفكرنا وكياننا يسمح الله عزّ وجل أن نختبر هذا التّجلّي في قلبنا، مسكن الله وحيث يتجلّى ملكوته وسرّه للّذين يتّقونه." (را. مز27/ 7). بهذه المقدّمة استهلّ الخوري كريستيان الحلّاق تأمّله لموقعنا في عيد تجلّي الرّبّ.

وتابع: "هلّموا نغرف ونستقي من ماء الحياة ولنستمتع بتأمّل داخليّ في هذه الرّحلة الرّوحيّة. وسيلتنا كلمة الله، أمّا جواز سفرنا فقلب طاهر وديع، ظمآن ومتعطّش للقاء الحبيب.

"وبعد ستّة أيام..." ستّة أيّام من الحيرة والقلق والخوف... إرتباك عاشه تلاميذ يسوع. نعم، وكيف لا وهو بذاته أعلن لهم حقيقة آلامه وموته وقيامته. ستّة أيّام والتّلاميذ يتأمّلون بأنّهم أمام دعوة لتقبّل ذات مصير المعلّم حين أعلن لهم قائلًا: "من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مر 8/ 34). لذلك لا نستغرب لمّا العديد من التّلاميذ تركوا يسوع في الطّريق. فسبيله شاق، للجادّين وللذين يقبلون أن يكونوا كحبّة الحنطة التي تموت فتعطي ثمارًا كثيرة. في هذا الجوّ المليء من الرّهبة والرّعدة، لم يقبل الرّاعي الصّالح أن تبقى خرافه في حيرة، بل أراد أن يثبت عزيمتهم وأن يقوّي إيمانهم هم الذين قالوا له: "زد إيماننا" وهذا ما فعله المعلّم.

فأمام الشّكّ الذي عاشه الرّسل خلال الأيّام السّتة أراد يسوع أن يبرهن لهم بأنّ كلّ ما جرى حتّى الآن ليس هو بوهم، إنّما هو ملاقاة الله بالإنسان. هو مشروع الله أن يسكن في وسط شعبه. رغبة الله تتحقق "هنا والآن"، بإبنه الحبيب يسوع،" عمّانوئيل، إلهنا معنا"." 

وأضاف: "ستّة أيّام، فالرّقم ستة يسبق رمز الكمال أيّ الرّقم السّابع، فمن دون حقيقة يسوع، صلبه موته وقيامته، لا كمال. لذلك حقيقة إنسانيّتنا كاملة تتجلّى بإنسانيّة يسوع التي تدعونا للاشتراك بألوهيّته: " قلت إنّكم آلهة وبنو العلي كلّكم" (مز 82/ 6). 

أيّ المشاركة بحياة أبديّة حيث لا وجع، لا آلام ولا دموع لأنّه مكتوب: "وسيمسح كلّ دمعة من عيونهم، والموت لن يكون من بعد، ولا النّوح، ولا الصّراخ، ولا الوجع..." ( رؤ 21/4).

إخوتي وأخواتي بالرّبّ يسوع، لكلّ مؤمن يعيش مسيرته الرّوحيّة، وسط جيل معوج، ستة أيّام بشكل رمزيّ يمرّ بها. فترة يختبر فيها المؤمن خوف ورعدة، على مثال التّلاميذ. وقت يشعر به بأنّ كلّ ما عاشه حتّى الآن يمكن أن يكون غير حقيقيّ. حتّى اختبار صمت الله. فنرى إبراهيم خليل الله، يصعد الجبل ليقدّم إبنه إسحق، لمدّة ثلاثة أيّام  عاش إبراهيم من خلالها لا ستة أيّام بل شعر وكأنّها دهر بحاله. كيف أنّ الله الذي أعطاه رغبة قلبه ينتزعها منه بكل سهولة؟ غير أنّه في وسط آتون الامتحان أضحى أصفى من الذّهب وإيمانه لا يقدّر بثمن، لذلك يدعى أب المؤمنين.

نتأمّل أيضًا بصبر أيّوب الذي عاش "ستّة أيّامه" بخسارة كلّ شيء ماعدا الثّقة بالرّبّ متوكّلًا على رحمته، لذلك جعله الله مثالًا لكلّ متألّم وصورة مسبقة للبارّ المتألّم، يسوع المسيح. فالعهد القديم كاملًا يمهّد لهذه اللّحظة، لحظة لقاء الخالق بخليقته ولكي يشاركها كلّ شيء ما عدا الخطيئة.

وإذا تأمّلنا بحياة القدّيسين، نرى بأنّ كلّ منهم مرّ بما سمّيناه رمزيًّا "ستّة أيّام". القدّيسة رفقا وأوجاعها التي حملتها بفرح كلّ هذه السّنين. القدّيسة ريتا بألم فراق زوجها، أولادها ووجعها الجسديّ...".

وإختتم الخوري الحلّاق مصلّيًا: "ربّنا وإلهنا، نقدّم لك اليوم "أيّامنا السّتة"، التي نختبر فيها كالتّلاميذ والقدّيسين صمتك، غياب كلّ تعزية، عدم الوضوح، الوحدة... إلهنا الحبيب، أعطنا أن نعيش هذه الأيّام على رجاء تجلّيك. هلمّ تعال واسكن في قلوبنا. عزّنا ربّي بحضورك واجعلنا نتحمّل ما نواجهه من تجارب كالقدّيسين هاتفين مع القدّيسة تريز الطّفل يسوع والوجه الأقدس: "عندما تظلم السّماء الزّرقاء وأبدو متروكًا من السّماء، فرحي أن أظلّ في الظّل، أن أختبئ، أنقص، أختفي..."، بشفاعة أمّنا مريم العذراء التي كانت أوّل من عاش هذه المسيرة ممّا تحمله من فرح وآلام، فكانت مثالًا وقدوة للقدّيسين جميعًا. لك المجد والبكر إلى الأبد. هلّم تعال، تجلّى فيّ أيّها الرّبّ يسوع. آمين".