لبنان
15 أيار 2023, 05:00

الرّاعي إلى السّياسيّين: لبنان ليس ملككم بل ملك الشّعب اللّبنانيّ الخيّر الّذي افتداه بدماء أبنائه الشّهداء

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفالاً بعيد سيّدة الزّروع، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ أمس الأحد في بكركي، ألقى خلاله عظة بعنوان "هوذا الزارع خرج ليزرع" ( مر 4: 3 )، جاء فيها:

"1. بهذا المثل يدلّ الرّبّ يسوع إلى أنّه هو الزّارع الّذي أتى عالمنا ليزرع كلمة الله في القلوب فتثمر روحانيّة وأخلاقيّة وثقافة وحضارة. وسلّم الكنيسة رسالة زرع كلام الله كرازةً وتعليمًا قبيل صعوده إلى السّماء: "كما أرسلني أبي أرسلكم أنا أيضًا. أمضوا الآن وتلمذوا كلّ الأمم ... وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم جميع الأيّام إلى إنتهاء العالم" (متّى 28: 18-20).

إنّ سماع كلام الله مسؤوليّة توجب علينا أن نقبله في قلوبنا المنفتحة عليه والمهيّأة لقبوله كالأرض الجيّدة المهيّأة لقبول الزّرع فتعطي الحبوب ثلاثين وستّين ومئة. ويحذّرنا الرّبّ يسوع من ثلاثة: سماع كلام الله من دون اهتمام كالحبّ الّذي يقع على جانب الطّريق، أو سماعه وسط الهموم والانشغالات كالحبّ الّذي يقع بين الشّوك، أو سماعه بسطحيّة كالحبّ الّذي يقع على أرض حجرة (راجع مر 4: 4-8).

2. يسعدنا أن نحيي معكم اليوم عيد سيّدة الزّروع وقد حضر للمناسبة سعادة مدير عام وزارة الزّراعة الأستاذ لويس لحوّد، وبعض أركان الوزارة والشّخصيّات المعنيّة بالقطاع الزّراعيّ في لبنان. فالله الخالق سلّم الأرض للإنسان لكي يحرثها ويعيش من ثمارها لأنّ كلّ مأكل البشر وشرابهم هو من الأرض وزراعتها، والأرض تشكّل عنصرًا جوهريًّا من الهويّة الوطنيّة. وللزّراعة أهمّيّة استراتيجيّة لتحقيق الأمن الغذائيّ عبر تأمين حاجة لبنان من الغذاء والموادّ الأوّليّة للمصانع الغذائيّة والحدّ من استيراد الحاجات الغذائيّة الّذي تجاوز الـ٧٥ بالمئة وزيادة الصّادرات الزّراعيّة لإدخال العملة الصّعبة إلى لبنان .

إنّ البطريركيّة والأبرشيّات والرّهبانيّات في تنسيق دائم مع مدير عامّ الزّراعة والكلّيّات الزّراعيّة والجمعيّات والنّقابات والتّعاونيّات من أجل إبقاء المزارع في أرضه، والحدّ من النّزوح والهجرة وبيع الأراضي، ومن أجل خلق فرص عمل للشّبيبة. إنّ ثلث سكّان لبنان يعيش من القطاع الزّراعيّ الّذي يشمل النّبات والحيوان الدّاجن وأسماك البحر.

إنّنا نوجّه معكم ثلاثة نداءات:

الأوّل، إلى الدّولة اللّبنانيّة لدعم هذا القطاع وجعله أساسيًّا في الاقتصاد الوطنيّ وإعادة النّظر في الاتّفاقيّات لحماية المنتج الوطنيّ وفتح الأسواق أمام الإنتاج الزّراعيّ وتحسين سبل عيش المزارعين والمنتجين وزيادة القدرة الإنتاجيّة وتعزيز كفاءة سلاسل الإنتاج الزّراعيّ والغذائيّ وقدرتها التّنافسيّة، وتحسين التّكيّف مع التّغيّر المناخيّ.

الثّاني، إلى المنتشرين اللّبنانيّين لتسويق المنتوجات الزّراعيّة اللّبنانيّة والمونة والمطبخ اللّبنانيّ في بلدانهم.

الثّالث، إلى المنظّمات الدّوليّة والهيئات المانحة لاحتضان القطاع الزّراعيّ وللنّهوض به وتأمين شبكة الأمان الغذائيّ وتحويل النّظام الزّراعيّ والغذائيّ اللّبنانيّ إلى نظام أكثر صمودًا وشموليّة تنافسيّة واستدامة.

وإنّنا نذكر بصلاتنا كلّ الّذين تفانوا في تعزيز القطاع الزّراعيّ وسبقونا إلى بيت الآب.

3. ويسعدني أن أرحّب معكم برابطة البترون الإنمائيّة والثّقافيّة الّتي أسّسها المرحوم الدّكتور سمير أبي صالح سنة 1985 أثناء الحرب اللّبنانيّة في قلب الحصار والعزلة لمنطقة البترون، من جرّاء وجود الجيش السّوريّ، وغياب مؤسّسات الدّولة ومقوّماتها كالبلديّات والوزارات. إنطلقت الرّابطة من مستشفى البترون بشخص مؤسّسها وتعاون الأطبّاء فيها، وأساتذة القطاعين العامّ والخاصّ والمثقّفين كافّة. فتجّند أهل القلم وقامت مبادرات إنسانيّة تحدّت الإفقار والتّهميش، فأرست البسمة والانفراج على كلّ وجه متعطّش لما كانت تقدّمه الرّابطة. واليوم، ما زال شعراؤها وكتّابها يقاومون موجات الاستهتار والجهل من خلال ندوات شعريّة وفنّيّة وثقافيّة، وما زال أعضاؤها وسيّداتها مستمرّين بالقيام بنشاطات شتّى، من مثل دورات تدريبيّة على تطوير الذّات واكتساب مهارات مهنيّة جديدة، وتنظّم رحلات استكشافيّة لثرواتنا الطّبيعيّة، وإجراء فحوصات طبّيّة.

إنّنا نحيّي هذه الرّابطة ونشجّعها على الاستمرار في مقاصدها أعني: التّعاون لأجل بناء مستقبل زاهر للأجيال، الشّفافيّة والنّوايا الصّالحة في العمل، اعتبار الإنسان الهدف، والمساواة بين الجميع.

4. ونودّ أن نحيّي زارعي كلمة الله أعني لجنة التّعليم المسيحيّ للشّباب من ضمن "راعويّة الشّبيبة في الدّائرة البطريركيّة". نحيّي مرشدهم والمشرف عليهم الخوري جورج يرق وهيئة المكتب. إنّهم يبدأون الأسبوع المقبل رسالتهم بزرع كلمة الله لحوالي ألفي شابّ وصبيّة من مختلف الكنائس الكاثوليكيّة من 20 أيّار الجاري إلى التّاسع من تمّوز في مناطق الشّمال والجنوب عبر ستّة مراكز أساسيّة، وتُسمّى "الأيّام الرّسوليّة للشّبيبة". ويتمّ فيها توزيع ثلاثة كتب: التّعليم المسيحيّ للشّباب، وتعليم الكنيسة الاجتماعيّ للشّباب، والكتاب المقدّس للشّباب، بتمويل من المؤسّسة الألمانيّة: "مساعدة الكنيسة المتألّمة Aid to the Church in Need".

5. لا يستطيع نوّاب الأمّة والمسؤولون السّياسيّون عندنا متابعة صمّ آذانهم عن سماع كلام الله، ومتابعة سماع أصوات مصالحهم الخاصّة والفئويّة، وأصوات الأحقاد والكيديّات، على حساب هدم مؤسّسات الدّولة بدءًا من عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة من شأنه أن يوحي بالثّقة في الدّاخل والخارج، وصولاً إلى إفقاد المجلس النّيابيّ صلاحيّة التّشريع، وحرمان الحكومة من كامل صلاحيّاتها، وتعطيل التّعيينات المستحقّة وتفشّي الفساد في الإدارات العامّة.

لو يسمعون كلام الله، لتسارعوا إلى إصلاح الهيكليّات والمؤسّسات، وإلى النّهوض بالاقتصاد والحدّ من إفقار الشّعب، ولأصلحوا الوضع الماليّ، وأوقفوا هجرة قوانا الحيّة، ولحزموا أمرهم ووحّدوا كلمتهم وعمدوا إلى إجراء المفاوضات اللّازمة مع سوريا والمجتمع الدّوليّ من أجل عودة النّازحين السّوريّين إلى بلادهم وقد أصبحوا خطرًا متزايدًا على بلادنا، مطالبين الأمم المتّحدة بمساعدتهم على أرض وطنهم. ولسمعوا صرخة التّجّار المؤلمة الّتي عبّرت عنها جمعيّة تجّار جونية وكسروان الفتوح بكتاب مفتوح قدّموه لنا بالأمس، لنضمّ صوتنا إلى صوتهم.

فيا أيّها النّوّاب والمسؤولون السّياسيّون على رؤوسكم وضمائركم يقع كلّ هذا الخراب بسبب فشلكم وكبريائكم. والأدهى أنّ المنطقة في حالة تغيير وتسويات وحوارات وتهدئة. فأين أنتم من جرأة الحوار؟ وإلى أين تذهبون بلبنان جاعلينه أرضًا سائبة؟ فهو ليس ملككم بل ملك الشّعب اللّبنانيّ الخيّر الّذي حافظ عليه بالتّضحيات وافتداه بدماء أبنائه الشّهداء.

6. يا ربّ، أنت قادر على مسّ ضمائرهم وزرع كلامك في قلوبهم فهو كسيف ذي حدّين (راجع عب 4: 12). ولك نرفع كلّ مجد وشكر وتسبيح أيّها الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".