لبنان
14 نيسان 2023, 05:55

الرّاعي استقبل المهنّئين بالفصح ضمن نشاط أمس الخميس في بكركي

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الخميس في الصّرح البطريركيّ في بكركي، قائد الجيش العماد جوزاف عون في زيارة تهنئة بعيد الفصح المجيد، أثنى في خلاله الرّاعي على حكمة قيادة المؤسّسة العسكريّة في اتّخاذ القرارات وتنفيذها لما فيه خير اللّبنانيّين جميعًا من دون استثناء منوّهًا بالجهود والمهمّات الّتي يبذلها أبناء هذه المؤسّسة في ظروف قد تكون من الأصعب والأقسى الّتي شهدها لبنان.

وإذ جدّد التّأكيد على وجوب دعم المؤسّسة العسكريّة الّتي كانت المثال الأعلى للالتزام الوطنيّ بعيدًا عن كلّ التّجاذبات، دعا البطريرك الرّاعي الشّباب اللّبنانيّ إلى الانخراط في صفوف هذه المؤسّسة وباقي الأجهزة الأمنيّة الّتي تبقى الضّمانة لاستقرار لبنان وإعادته إلى موقعه الرّياديّ.

ثمّ استقبل الرّاعي وزير الدّاخليّة والبلديّات في حكومة تصريف الأعمال بسّام المولوي الّذي قال بعد اللّقاء: "زيارتنا اليوم هي لمعايدة صاحب الغبطة الّتي نعتبرها عربون محبّة وتكامل والتقاء لكلّ اللّبنانيّين لما فيه خير لبنان، وأكّدنا خلال زيارتنا لغبطته على ضرورة انتخاب رئيس للجمهوريّة في أسرع وقت ممكن ليكون انطلاقة أساسيّة لبناء دولة حقيقيّة تشبه اللّبنانيّين الحقيقيّين والأبطال الّذين ضحوّا وما زالوا في بلدهم، كما قلت لغبطته حبّذا لو يستفيد اللّبنانيّون من التّفاهمات الإقليميّة الّتي تحدث للدّفع باتّجاه انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة".

وتابع مولوي: "عرضت مع صاحب الغبطة للأوضاع الأمنيّة حيث ما زالت القوى الأمنيّة تقوم بواجباتها، كما عرضت له عمل وزارة الدّاخليّة والإدارات فيها، وهنا أؤكّد أنّ ما جرى في هيئة إدارة السّير هو عمل جيّد ومهمّ، بعدما ساهمنا بالتّعاون مع هيئة القضاء في تنظيف هذه الهيئة وتطهيرها".

وإختتم مولوي مؤكّدًا على ضرورة إجراء الانتخابات البلديّة وعلى الجهوزيّة الإداريّة للوزارة، وأنّ ما تنتظره هو تأمين التّمويل الّذي ما إن يوجد سيحلّ المشاكل والصّعوبات اللّوجستيّة والبشريّة، داعيًا كلّ اللّبنانيّين إلى اعتبار الاستحقاقات واجب يجب احترامه.  

وردًّا على سؤال اعتبر المولوي أنّ من يعرقل إجراء الانتخابات البلديّة هو عدم الإرادة السّياسيّة لإجراء هذه الانتخابات، آملاً أن تنتصر إرادة تطبيق القانون.

وبعد الظّهر، استقبل البطريرك الرّاعي وفدًا من الهيئة التّأسيسيّة لمنتدى التّفكير الوطنيّ، ضم المطران سمعان عطالله، الخوريين عبدو أبو كسم وباسم الرّاعي، الوزير السّابق عدنان منصور، الشّيخ عامر زين الدّين، د. ليندا غدار، منى أرسلان، المحامي عمر زين، د. طلال عتريسي، د. مصطفى الحلوة، د.نبيل سرور، عبد القادر علم الدّين، د. جان نخّول، د. مروان أبي فاضل، د. كلود رزق، د. جان جبّور، المحامي بول كنعان، المهندس عبد الله ريشا، المحامي وليد غيّاض، الكاتب سركيس أبو زيد وجورج عرب.

بداية كان تعريف البطريرك الرّاعي بأعضاء الهيئة. ثمّ كانت كلمة الوزير السّابق عدنان منصور عرّف فيها بالمنتدى وأهدافه. وقال:

"يعيش لبنان مرحلة مصيريّة من تاريخه نتيجة تداعيات ما تشهده منطقة الشّرق الأوسط والعالم من تحوّلات وأحداث. إزاء الأخطار المتفاقمة تنادت مجموعة من روّاد الحوار من مختلف المناطق والطّوائف اللّبنانيّة، الملتزمين بتجربة اللّقاء الحضاريّ المسيحيّ الإسلاميّ في لبنان. وفكّرت في كيفيّة اضطلاعها بواجب الإسهام في حماية هذه التّجربة وتحصينها وتطويرها، والمحافظة على لبنان الوطن الرّسالة. وإنتظمت في ما أسمته "منتدى التّفكير الوطنيّ". لقد وضع هذا المنتدى لنفسه "هويّة" واضحة المعالم، تنبثق منها خارطة طريق لعمله ولمبادراته. إنّ هويّة هذا المنتدى هي ثقافيّة فكريّة بحثيّة بحتة. ومن هويّة المنتدى هذه تتشكّل المبادرات الحواريّة الفكريّة الثّقافيّة البحثيّة، وتترجم بأبعادها المختلفة على مستويين: مستوى التّرجمة العمليّة بالمشاريع المشتركة بين جميع اللّبنانيّين، من مختلف الطّوائف، ومستوى التّرجمة التّوثيقيّة من خلال حفظ خلاصات هذه المبادرات."

ثمّ كانت كلمة الد.طلال عتريسي، وجاء فيها:

"إنّ اللّقاء في إطار هذا المنتدى أتاح لنا التّعرّف عن قرب على حقيقة مواقف بكركي من بعض القضايا المطروحة. ونتمنّى أن يستفيد لبنان من مناخ التّفاهمات الإقليميّة من حولنا لتعزيز التّفاهم الدّاخليّ حول استحقاق الرّئاسة. خاصّة وأنّها تفاهمات غير مسبوقة منذ أكثر من عشر سنوات. ومع هذه التّفاهمات يفترض أن تنحسر التّجاذبات الدّاخليّة في لبنان. ونأمل أن تتوسّع دائرة الحوار والتّفاهمات ومن خلال بكركي لأنّ ما آلت إليه الأوضاع في لبنان لا تحتمل أيّ تأجيل. ومع تفاهمات الإقليم ستكون الفرص أفضل ."

بعد ذلك كانت كلمة للدّكتور علي فاعور مقتطفة من دراسته حول موضوع النّزوح السّوريّ إلى لبنان، وجاء فيها: "لبنان يشيخ وينهار فهو في مواجهة أزمة متفرّدة لا مثيل لها كونه أكبر بلد مضيف بالنّسبة للّاجئين والنّازحين بالمقارنة مع عدد سكّانه.... أهله يهاجرون، وأبناؤه يبحثون عن وطن بديل.. وبينما هو يغرق في أسوأ أزمة اقتصاديّة وسياسيّة شهدها العالم؛ حتّى بات لبنان اليوم الدّولة الأولى في العالم من حيث تناقص عدد السّكّان. لبنان يخسر الكفاءات والمواهب والعقول المهاجرة، وهو يشهد اليوم شيخوخة متسارعة والنّساء ينجبن أقلّ وأقلّ. عدد السّكّان اللّبنانيّين إلى تراجع، الأزمات الصّحّيّة والمعيشيّة تتزايد وحده الاغتراب اللّبنانيّ لا زال يمنع الانفجار، ويشكّل صمّام الأمان في مواجهة الضّائقة الاقتصاديّة.

لبنان يشيخ ويتغيّر في مواجهة عمليّات دمج اللّاجئين المتواصلة في مختلف أجزاء الخريطة اللّبنانيّة، كلّ هذا سوف يشكّل تحدّيًا ديموغرافيًّا لا مثيل له، حيث تتسارع شيخوخة اللّبنانيّين، بين موجات هجرة مغادرة من الشّباب اللّبنانيّين، وموجات هجرة وافدة من اللّاجئين.. تستمرّ محاولات المجتمع الدّوليّ اليوم من خلال الدّعم الماليّ لتثبيت النّزوح السّوريّ ودمج اللّاجئين لمنعهم من الوصول إلى بلدان أوروبا.."

ثمّ كانت كلمة للد. مصطفى الحلوة مختصرة من مداخلته في المؤتمر الفلسفيّ الدّوليّ بعنوان "تأمّلات في البعد العلائقيّ للدّين". جاء فيها: " ...فأنا الطّرابلسيّ المسلم، يُقلقني أن يكون الآخر المسيحيّ، في مدينتي وفي أيّ بقعة من لبنان، على ضعف. فحال الضّعف ستدفع به، عاجلًا أم آجلًا، إلى ترك الساحة لي وحيدًا، حارمًا إيّاي جدلَ العيش المشترك ونِعمه، وبذا يفقد إسلامي الشّيء الجميل، الّذي تُضفيه المسيحيّة عليَّ، ويروح منّي ما لا يُعوَّض من بُعد حداثيّ وحضاريّ، أغتني به من هذه المسيحيّة! وكان لي أن أُدرك أنّ لا معنى لإسلامي من دون مسيحيّة تُعمّدني، ولا معنى لمسيحيّة مواطني الآخر من دون إسلام يحضنُه ويُعمّق تجذّره، في هذه المنطقة، وقد سبقني إلى الإقامة فيها، عدّة قرون! وأدركتُ أيضًا أنّ العيش المشترك- بما هو عقدٌ اجتماعي- لا يصحُّ إلّا بين متكافئين، وأن يكونوا بكامل قدرتهم على التّقرير ومتحرّري الإرادة، وإلّا شاب العقد عيبٌ، يؤدّي إلى بُطلانه. وأدركتُ كذلك، وهو الأهمّ، أنّ العيش المشترك في لبنان، وفي سائر الأقطار العربيّة، يُوجّه طعنةً نجلاء إلى الكيان الصّهيونيّ، الّذي يسعى جاهدًا إلى إعلان يهوديّة إسرائيل! وبذا يحقُّ للإرشاد الرّسوليّ أن يذهب إلى القول :"لبنان أكثر من بلد، إنّه رسالة حرّيّة ونموذج في التّعدّديّة، للشّرق كما للغرب".

تلا ذلك نقاش حول خطّة عمل المنتدى اختتمه البطريرك الرّاعي بكلمة قال فيها:  

"نرحّب بكم بداية، ونهنّئكم على تأسيس منتدى التّفكير الوطنيّ، الّذي يعكس صورة لبنان الحقيقيّ، لبنان التّنوّع في الوحدة، لبنان الثّقافة وحوار الحضارات واللّقاء الإنسانيّ الشّامل. إنّ هذا المنتدى هو أجمل هديّة في زمن الأعياد المقدّسة. ونحن في موقع التّعاون والدّعم والتّشجيع لكي يتمكّن المنتدى من الاضطلاع لمسؤوليّاته ومن تحقيق أهدافه. وهذه المسؤوليّات كبيرة بخاصّة أنّنا في أزمة عصيبة يهتزّ معها نسيجنا الاجتماعيّ والوطنيّ، لكنّنا متمسّكون بوحدتنا وبهويّتنا اللّبنانيّة الأصلية".  

وأضاف: "طرحتم في كلامكم عدّة نقاط منها مسألة النّزوح السّوريّ إلى لينان وتداعياته، ونحن نكرّر موقفنا بأنّنا قمنا ولا نزال نقوم بواجب الاستضافة الأخويّ تجاه النّازحين، ولكنّنا حرصًا منّا على هويّتهم الوطنيّة وثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم ندعوهم إلى العودة إلى بلادهم، لكي يحافظوا عليها وعلى حضارتها. وتواجه دعوتنا هذه مواقف تثير الشّكّ والارتياب حول حقيقة الموقف الدّوليّ الّذي لا يزال يكرّر مقولته المعروفة "العودة الآمنة السّلميّة الطّوعيّة"، وهذه تترابط بخلفيّات سياسيّة أعتقد أنّ الخبث يقف وراءها لا الجهل".

وحول طروحات الفدراليّة قال البطريرك الرّاعي: "نحن مع تطبيق اتّفاق الطّائف نصًّا وروحًا، وهذا لا ذكر فيه للفدراليّة، بل للّامركزيّة الإداريّة، فلنطبّق هذه اللّامركزيّة، ولنعتبر الفدراليّة طرحًا واالاو مقولة ساقطة، وقد تمّ التّداول بها من قبل البعض خلال الحرب اللّبنانيّة، وانتهى الموضوع".

وتابع البطريرك الرّاعي: "تطرقتم أيضًا إلى موضوع الحياد. إنّ هذا الموضوع غير جديد، فكلّ البيانات الوزاريّة التزمت به منذ الاستقلال حتّى اليوم. وهو ينبع من طبيعة لبنان المتّصلة بدوره الإنسانيّ الحضاريّ لجهة الالتزام بقضايا الحقّ، والقضيّة الفلسطينيّة على رأسها، وبدوره الوفاقيّ السّلميّ في تعميق التّفاهم بين الدّول العربيّة. إن للبنان دورًا سلميًّا حضاريًّا يجب أن نحافظ عليه من دون التّخلّي عن قضايا الحقّ والعدالة العربيّة".