لبنان
24 تشرين الثاني 2023, 06:00

الرّاعي استقبل وفدًا من المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى في بكركي ضمن نشاط الخميس، والتّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الخميس في الصّرح البطريركيّ في بكركي، نائب رئيس المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى العلّامة الشّيخ علي الخطيب على رأس وفد ضمّ المفتي الشّيخ حسن عبد الله، الشّيخ الدّكتور محمّد حجازي، المستشار الدّكتور غازي قانصوه والمستشار الإعلاميّ واصف عواضة، بحضور أعضاء منتدى التّفكير الوطنيّ، وكان تشديد على أهمّيّة تعزيز مفهوم العيش المشترك في لبنان واحترام التّعدّديّة فيه لما فيه خير اللّبنانيّين جميعًا.

إستهلّ اللّقاء بكلمة لأمين عامّ المنتدى جورج عرب جاء فيها: "لقد قامت الهيئة الإداريّة لمنتدى التّفكير الوطنيّ، قبل شهرين تقريبًا، بزيارة سماحة العلّامة الشّيخ علي الخطيب. وكان تعارف وحوار في الهمّ الوطنيّ الأوّل: همّ التّضامن والتّعاون والتّكامل في سبيل تعميم المشترك من قيمنا الدّينيّة والإنسانيّة والوطنيّة مواجهةً لاستباحة متمادية لها ولموروثنا الثّقافيّ المشترك. إنّه همّ المحافظة على كرامة كلّ لبنانيّ، وهمّ حماية عائلاتنا الصّغرى والكبرى، همّ حماية شبيبتنا، وهمّ الرّسوخ في أرض لبنان، همّ العيش معًا بعدالة ومساواة، وهمّ الوحدة الوطنيّة ضامنة خيرنا المشترك ومستقبلنا المشترك الواحد. وسمعنا من سماحة الشّيخ الخطيب خطابًا رؤيويًا وطنيًّا صادقًا يقارب هذه الهموم بروح الانفتاح وقبول الآخر المختلف ومحبّته. وفيما كان الشّيخ الخطيب يتحدّث ناهلاً من معين قرآنه الكريم، ناثرًا أنوارًا سماويّة تهدي المؤمنين بالكلمة، وتقودهم على طريق الحقّ والحقيقة، كنت أنا أستعيد كلمة السّيّد المسيح في الإنجيل المقدّس "إن تثبتوا أنتم في كلمتي تكونوا حقًا تلاميذي، وتعرفوا الحقّ والحقُ يحرّركم".

وكان أيضًا أن تداولنا في إحياء محطّة الجنوب في سياق محطّات المنتدى المناطقيّة، فرحّب الشّيخ الخطيب مؤكّدًا "قلوبنا وبيوتنا ومراكزنا مفتوحة لكلّ لقاء وتواصل يمتّن الجسور ويهدم الجدران". وأفصح عن رغبة لديه بأن يحيي المنتدى لقاء في بيئة مسيحيّة يشارك هو فيه، لأنّ لديه، كما قال، خطابًا "أريد أن أطلقه في تلك البيئة".

وتابع عرب: "لقد تعثّر اللّقاء بسبب ما استجدّ في فلسطين المحتلّة. إلى أن كان يوم أمس حين تلقّينا اتّصالاً حول رغبة الشّيخ الخطيب في زيارة بكركي ولقاء أبينا البطريرك الكاردينال الرّاعي. لقد اختصرتم يا سماحة العلّامة كلّ البيئة المسيحيّة، الّتي رغبتم في إطلاق خطابكم منها، حين شئتم زيارة رأس هذه البيئة وأبيها، غبطة البطريرك. لقد جئتم إلى النّبع الّذي نستقي منه القيم الكبرى للّقاء الإنسانيّ الكبير، نستقي منه الحصانة الكبرى للبنان الكبير، نستقي منه الاحتضان الكبير الشّامل للّبنانيّين، نستقي منه الضّمانة الكبرى لعيشنا معًا وللبنان الرّسالة، نستقي منه الالتزام الكامل بمشروع دولة القانون والمؤسّسات والعدالة والمساواة، وبسيادة لبنان وبحقوقه في ثرواته الطّبيعيّة وسواها، نستقي منه الأمانة لدور المسيحيّين في النّهضة العربيّة، ولتحصيلهم مع المسلمين تجربة حضاريّة فريدة تقوم على المعيّة في هذا الشّرق، وعلى حماية تراث مشرقيّ مشترك مطبوع بقيم المسيحيّة والإسلام معًا.

لقد جئتم يا سماحة العلّامة إلى رأس البيئة المسيحيّة، المؤتمن على شهادة المسيحيّين لقيمهم، بحياتهم المعيوشة، في مجتمع ليس كلّه مسيحيًّا."

واضاف عرب: "إنّ المدخل للمحافظة على مفهوم المعيّة الحضاريّ يكون بإشاعة الثّقة المتبادلة الملازمة لكلّ لقاء وحوار. وهذه تبنى باكتشاف الآخر وبمعرفته وبمصارحته وبتفهّم هواجسه ومخاوفه وبمحبّته. إنّ العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة، بالرّغم من العثرات، عرفت عناصر إيجابيّة مثمرة أسّست لحضارة اللّقاء الإنسانيّ الإسلاميّ المسيحيّ، أيّ المعيّة، ولبنان النّموذج الأمثل لها. والعثرات هي سياسيّة بأبعاد داخليّة وإقليميّة ودوليّة، ولا علاقة لها بالدّين كون المسيحيّة والإسلاميّة يلتقيان على الجوهر الدّينيّ لجهتي العقيدة والأخلاق. إنّ مسؤوليّة اللّبنانيّين تقتضي قيامهم بحوار علميّ صادق يولّد التّجديد في التّفاهمات التّاريخيّة الّتي قامت بينهم. وهذا التّجديد هو تجديد لدورين جوهريّين واحد للمسيحيّين وآخر للمسلمين. أمّا دور المسيحيّين فهو أن يكونوا رسل السّلام الدّائم، رسل الإسلام تجاه الغرب، إسلام الانفتاح والتّلاقي والقيم السّمحاء البعيدة عن كلّ تطرّف وأصوليّة، إسلام الشّراكة الإنسانيّة الحضاريّة مع المسيحيّة. ودور المسلمين التّمسّك بالوجود المسيحيّ وبالحضور وبالدّور، بعيدَا عن منطق العدد والتّذويب وصولاً إلى أحاديّة الأرض والأنظمة والتّراث. ولكم نسترجع اليوم، بفرح وأمل، مقاربة الإمام الرّاحل الشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين لمفهوم المعيّة الوطنيّة والعيش المشترك خارج مفاهيم التّبعيّة والعدد."

وإختتم عرب: "بهذه الرّوحيّة ننظر إلى لقاء اليوم، نجتمع حول علمين مشرقيّين من أعلام الحوار والتّلاقي والوحدة، غبطة أبينا البطريرك الكاردينال الرّاعي وسماحة العلّامة الشّيخ الخطيب، نصغي إلى كلماتهم، نستهدي بها الدّرب القويم، درب الحقّ والحقيقة، درب كلمة المسيحيّة والإسلام المشتركة، في القرآن الكريم "الحقّ من ربّك فلا تكونن من الممترين" ، وفي الإنجيل المقدّس "تعرفوا الحقّ والحقُّ يحرّركم".  

وألقى الشّيخ علي الخطيب كلمة وصف فيها اللّقاء بأنّه "أكثر من ضروريّ في هذه الظّروف الصّعبة الّتي تمرّ على لبنان وما يحصل في فلسطين المحتلّة وانعكاساته على وطننا لبنان"، مشدّدًا على ضرورة الوحدة الوطنيّة لأنّها هي الأساس وهي الّتي تحافظ على الوطن وسيادته."

ورأى الخطيب أنّه  "من الضّروريّ أن يكون اللّبنانيّون في موقف واحد أمام العالم ويجب ألّا تنعكس الانقسامات السّياسيّة على الوحدة الوطنيّة"، مشيرًا إلى أنّنا "كمرجعيّات روحيّة لسنا حياديّين على ما يجري من اعتداءات على سيادة لبنان، لذلك على اللّبنانيّين أن يكونوا شعبًا واحدًا وأن يكون لهم موقف واحد وأن نضع الخلافات السّياسيّة جانبًا وأن يكون لهم موقف واحد وأن نضع الخلافات السّياسيّة جانبًا وأن نؤجّل الخلافات السّياسيّة وألّا ينعكس ذلك على المواطنين".

وشدّد الخطيب على "أنّ الشّعب يجب أن يكون له موقف واحد وموحّد"، وقال: "نحن حرصاء على وحدة اللّبنانيّين وأن يبقى لبنان وطنًا واحدًا لجميع أبنائه وأن نقف جميعًا في وجه الأخطار في موقف يحفظ سيادة وكرامة لبنان وشعبه".

من جهته رحّب البطريرك الرّاعي بالوفد معتبرًا أنّ "الحرب على غزّة تجعلنا ندرك أنّ الهدف هو إطفاء القضيّة الفلسطينيّة وإطفاء مطالبة الفلسطينيّين بحقوقهم في دولة خاصّة بهم وهذا ما ندافع عنه دائمًا، ولكن هذه القضيّة لا تموت، لأنّ الحقّ والخير يعلوان فوق كلّ شيء،" وقال: "نحن أمام مأساة كبيرة من تاريخ البشريّة ونصلّي إلى الله لكي يضع حدًّا لهذه الحرب. لبنان في حزن على ما يجري ولاسيّما مع سقوط الصّحافيّين الّذين يقومون بواجبهم، إلى جانب الشّهداء الّذين يسقطون على أرض الجنوب. زيارتكم عزيزة على قلبنا لأنّنا نتشارك فيها همومنا تجاه ما يجري على أرض غزة وهذه الحرب علّمتنا أنّ العالم لا تعنيه حياة الإنسان. لقد فقدت البشريّة كلّ كرامتها وإنسانيّتها وهذا ضدّ تعاليمنا السّماويّة. كلّ شخص يسقط إنّما هو مخلوق على صورة الله في تعاليمنا وأنّ الله وحده هو سيّد الحياة والموت. الإنسان فقد قيمته في هذا العصر. ونصلّي معكم ليضع الله حدًّا لهذا الشّرّ الجاري."  

وقدّم البطريرك الرّاعي التّعازي بالشّهداء الّذين سقطوا وآخرهم "المجموعة ومن بينها نجل عزيزنا النّائب محمّد رعد، معكم نقدّم له التّعازي، ونحن سنتّصل بالنّائب رعد لتعزيته بنجله ولتكن دماء الشّهداء من أجل لبنان حفاظًا على البلد ليظلّ أرض التّلاقي والوحدة والعيش المشترك بكلّ ما للوطن من قيم."  

وطالب البطريرك الرّاعي بضرورة "عقد قمّة روحيّة في أسرع وقت لنوحّد موقفنا الّذي يعطي ثقة لشعبنا الفاقد ثقته بالجميع. وصورة هذا اللّقاء ضروريّ لإراحة الشّعب اللّبنانيّ ولاتّخاذ موقف واحد وكلمة واحدة لم نختلف يومًا عليها وعلى قولها في كلّ تاريخ القمم."

وإختتم: "الجميع خاسرون  في الحرب، الجميع خاسر، وهي لم تحلّ يومًا أيّ مسألة وإله السّلام يريد السّلام لكي يعيش النّاس بفرح وسعادة وطمأنينة وأمان".

وردّ الشّيخ الخطيب على كلام الرّاعي في  موضوع القمّة الرّوحيّة قائلاً: "الشّهداء هم شهداء لبنان وهذه القمّة جيّدة وسيكون لي لقاءات مع مختلف المرجعيّات الرّوحيّة للتّوصّل إلى تعيين موعد لها قريبًا ومن الآن أدعو غبطتكم لاستضافة هذه القمّة في المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى."

بعد اللّقاء تحدّث العلاّمة علي الخطيب أمام الوسائل الإعلاميّة وقال: "لقد كان لقاء مثمرًا وضروريًّا لاسيّما في هذه الأيّام الّتي تمرّ بها المنطقة بأوضاع خطيرة جدًّا. وما يحصل في فلسطين وغزّة والضّفّة الغربيّة وجنوب لبنان، له تداعيات على البلد. نحن نتمنّى أن تتحوّل الهدنة الّتي بلغنا أنّها ستكون إلى وقف للعدوان ولإبادة الشّعب الفلسطينيّ وللمجازر الّتي ترتكب بحقّ الأطفال والنّساء وكلّ مظاهر الحياة في غزّة."

وتابع الخطيب: "لقد كان من الضّروريّ اللّقاء اليوم حيث العدوّ الإسرائيليّ ما زال ممتنعًا عن الرّجوع عن الأراضي اللّبنانيّة المرسمة وفق اتّفاق الهدنة ونحن لا نحتاج إلى ترسيم جديد بل إلى خروج العدوّ من أرضنا وأن يلتزم بالقرار 1701 واليوم سقط الكثير من الشّهداء ونحن نطالب بوقف الاعتداءات على جنوب لبنان وأن تقوم الأمم المتّحدة بتطبيق بنود هذا الاتّفاق والّتي من جملتها الانسحاب من مزارع شبعا. لقد بحثنا مع غبطته في موضوع انتظام المؤسّسات الدّستوريّة في هذا الظّرف وندعو إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة بأسرع وقت لأنّه رأس الدّولة، وإقامة حكومة أصيلة نسبة للوضع الخطير في الجنوب الّذي إن توسّع مع موضوع النّازحين سيشكّل تداعيات كبيرة. على المعنيّين التّواصل مع بعضهم بما يؤدّي إلى وحدة لبنان. على السّياسيّين ألّا يعكسوا مصالحهم الخاصّة وخصوماتهم السّياسيّة على جمهور النّاس. الظّرف استثنائيّ ويجب العمل بما يتناغم معه."

وأضاف الخطيب: "نحن بعد التّشاور مع قياداتنا في ما يتعلّق بالقمّة الرّوحيّة سألنا غبطته استضافته في مقرّ المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى في الحازمية حيث ستعقد قريبًا."

وفي ردّه على سؤال عن موضوع التّمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون أجاب الخطيب: "الجيش هو رمز من رموز وحدة الوطن ولا يجوز أن تكون هذه المؤسّسة في موقع تجاذب بين السّياسيّين. كلّ ما يجري ينعكس سلبًا على هذه المؤسّسة وينبغي الخروج من المصالح الخاصّة والاتّفاق على هذا الموضوع وإخراج اللّبنانيّين من مشكلة جديدة. نحن مع الحلّ الّذي يبقي على هذه المؤسّسة متماسكة ويدفع الأخطار عن لبنان. أنا لست قانونيًّا ولكنّنا نحثّ السّياسيّين والمسؤولين على الوصول إلى حلّ سريع في هذا المجال."

وإختتم الخطيب: "نحن مؤسّسات روحيّة ولسنا قيادات لمؤسّسات رسميّة سياسيّة مسؤولة عن هذا الموضوع. هناك مجلس وزراء ومجلس نيابيّ وهما معنيّان بالحلّ وليس نحن. يجب الإسراع في الوصول إلى حلول لكلّ المسائل ويجب أن نتخلّص من مصالحنا الشّخصيّة ونقدّم المصلحة الوطنيّة على المصالح الخاصّة."  

ومن زوّار الصّرح البطريركيّ الدّكتور وليد خوري، كما القنصل رومانوس رعد على رأس وفد من منظّمة حقوق الإنسان في لبنان.