الرّاعي خلال التّنشئة: الأسرة في طور اختبار أزمة ثقافيّة
"I- نُبشِّر بالإنجيل بمواجهة تحدِّيات عامَّة مثل :
1. تهجّمات حقيقيَّة ضدَّ الحرّيَّة الدِّينيَّة.
2. أوضاع جديدة من اضطهاد المسيحيِّين، وعلى مستوى مقلق من الحقد والعنف في بعض البلدان.
3. لامبالاة وتيَّار نسبيَّة في أماكن عديدة مرتبطة بالإحباط ومواجهة التّوتاليتاريّة.
4. ثقافة يريد فيها كلُّ واحد أن يكون داعية لحقيقته الذَّاتيَّة الشَّخصيَّة، فيحجم المواطنون عن المشاركة في مشروع مشترك لا يسمو فوق الرّبح الفرديّ والطُّمُوحات الشَّخصيَّة (الفقرة 61).
II- نبشّر بوجه ثقافة متسلّطة آتية من الخارج، مثل:
1. العولمة الّتي في بعض البلدان أسرعت في إفساد جذورها الثّقافيَّة، وفي اجتياح طرق التّفكير والعمل الخاصَّة بثقافات أخرى متقدّمة اقتصاديًّا، لكنَّها ضعيفة أخلاقيًّا. هذا ما اشتكى منه أساقفة أفريقيا (راجع الإرشاد الرّسوليّ "الاهتمام بالشّأن الاجتماعيّ، 22؛ والكنيسة في أفريقيا، 52).
2. وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، الّتي لها مراكزها في القسم الشَّماليّ من العالم، لا تأخذ دائمًا بعين الاعتبار العادل تلك البلدان، ولا تحترم ميزاتها الثّقافيّة (المرجع نفسه). هذا ما اشتكى منه أساقفة أسية بسبب ظهور أساليب تصرّف من جرّاء عرض مفرط في وسائل الإعلام. فكانت مظاهر سلبيّة وصناعات في عالم وسائل الإعلام والمسرح والسّينما تهدّد القيم التّقليديَّة ولاسيَّما قدسيَّة الزّواج واستقرار العائلة (الكنيسة في آسية، 7) (الفقرة 62).
III- تحدِّيات بوجه الإيمان الكاثوليكيّ
1. نشأت لدى بعض الشُّعوب حركات دينيَّة جديدة بعضها ينزع إلى الأصوليَّة، وبعضها يقدّم روحانيَّة من دون الله. هذا من ناحية، ردةّ فعل إنسانيّة على مجتمع مادّيّ واستهلاكيّ وأنانيّ؛ ومن ناحية أخرى، هو وسيلة استغلال لضعف الشّعب العائش في الفقر، وعلى هامش المجتمع، والباحث عن حلول سريعة لحاجاته.
هذه الحركات الدِّينيَّة، الّتي لا تخلو من بعض الخداع، تأتي لتملأ فراغًا في قلب ثقافة أنانيَّة في معظمها، خلَّفتها عقلانيَّة متعلمنة.
2. ثمّة لدى بعض من شعبنا المعمَّد شعورٌ بعدم الانتماء إلى الكنيسة. مردُّ ذلك إلى بعض هيكليَّات وجوٍّ من سوء الاستقبال في الرّعايا والجماعات أو بيروقراطيَّة معتمدة للإجابة على معضلات شعبنا الحياتيَّة، أكانت هذه بسيطة أم معقَّدة. ومردُّه أيضًا إلى العلاقة الإداريَّة الّتي تطغى على تلك الرّاعويَّة، من مثل التَّركيز على توزيع الأسرار بصرف النَّظر عن أشكال أخرى للأنجلة (فقرة 63).
3. مسار العلمنة الّذي يقلِّص الإيمان ويحصره مع الكنيسة في الميدان الخاصّ الحميم. وإذ ينكر كلَّ تسام، إنَّما ينتج انحرافًا أخلاقيًّا متناميًا، وإضعافًا للشّعور بالخطيئة الشّخصيَّة والاجتماعيَّة. كما يزيد من تيَّار النّسبيَّة المؤدّي إلى تضليل شامل، يترك أثرًا عميقًا في حياة من هم في طور المراهقة.
هذا الأمر اشتكى منه مجلس أساقفة الولايات المتَّحدة الأميركيَّة (14 تشرين الثّاني 2006)، بحيث أنّ مجتمعهم يعتبر تعليم الكنيسة ظالمًا، ومناقضًا لحقوق الإنسان الأساسيَّة، وتدخُّلاً بشأن الحرّيَّة الفرديَّة.
4. مجتمع إعلاميّ يشبعنا بمعلومات من دون تمييز وعلى مستوى واحد، تؤدّي بنا في النّهاية إلى سطحيَّة هائلة، عندما نقارب القضايا الأدبيّة والخلقيَّة. فلا بدَّ من تربية تعلّم كيفيَّة التَّفكير بطريقة ناقدة، وتقدّم مسار نضوج في القيم (الفقرة 64).
5. في كلّ حال، تبقى الكنيسة الكاثوليكيّة مؤسَّسة يوثق بها أمام الرَّأي العامّ، ويعوّل عليها في كلّ ما يتعلَّق بميدان التّضامن والاهتمام بالفقراء والمعوزين، وبالتّوسّط للدّفاع عن السَّلام والوفاق والبيئة وحقوق الإنسان المدنيَّة. هذا بالإضافة إلى مساهمة المدارس والجامعات الكاثوليكيَّة في العالم أجمع (فقرة 65).
IV- الأسرة هي في طور اختبار أزمة ثقافيَّة: ضعف الرّباط الزوجيّ خطير للغاية، لأنَّ العائلة هي الخليَّة الأساسيَّة للمجتمع، حيث نتعلّم العيش مع الآخرين، على الرّغم من اختلافاتنا، ونتعلَّم أن ننتمي الواحد إلى الآخر. والعائلة هي المكان حيث ينقل الوالدون الإيمان لأولادهم.
يُنظَر إليوم إلى الزّواج كأنّه مجرَّد إشباع رغبة عاطفيَّة يركَّب بشكلٍ ما ويُحلّ ساعة نشاء. لكنَّ مساهمة الزّواج الّتي لا غنى عنها لصالح المجتمع تسمو على مشاعر الزّوجين وحاجاتهم الآنيَّة.
لفت مجلس مطارنة فرنسا (28 أيلول 2012) إلى أنَّ الزّواج لا يولد من عاطفة حبّ سريعة الزّواج بحدّ ذاتها، بل عمق الواجب الّذي يلتزم به الزّوجان اللّذان يقبلان بالولوج إلى شركة حياة كاملة (فقرة 66).
V- معالجة الفردانيَّة الّتي خلَّفها عهد العولمة، وأضعفَ بالتّالي نموّ واستقرار العلاقات الشّخصيّة، وحرَّف الرّباط الزّوجيّ.
1. النّشاط الرّاعويّ يحتاج إلى أن يحمل على وعي علاقتنا بالآب الّتي تشجّع على شركة تشفي وتعزِّز وتشدِّد الرّوابط بين الأشخاص.
2. في عالم النِّزاعات والحروب، مطلوبٌ منّا نحن المسيحيّين أن نبقى مستعدِّين لاحترام الآخرين، وشفاء الجراح، وبناء جسور، وشدّ أواصر العلاقات، وأن نحمل بعضُنا أثقال بعض" (غلا 2:6).
3. اليوم، تأسّست جمعيَّات متنوّعة تدافع عن الحقوق، وتسعى إلى أهداف نبيلة. هذه علامة عن رغبة العديد من الشّعوب للمساهمة في التّرقّي الاجتماعيّ والثّقافيّ (الفقرة 67)".