لبنان
12 آب 2017, 09:50

الراعي خلال تدشين مجمع في تنورين: لاقرار الموازنة والحد من الفساد المالي والسياسي وايفاء الدين العام

وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، نداء "إلى الجماعة السياسية والقيمين على شؤون البلاد الزمنية، كي يؤمنوا الإستقرار الإقتصادي والمعيشي والأمني والمعنوي لكل اللبنانيين، فيتمكنوا من العيش بطمأنينة في وطنهم، ويجدوا فيه مستقبلهم ومستقبل أولادهم، وتتوفر فيه لأجيالنا الطالعة المجالات لتحفيز قدراتهم، وتحقيق طموحاتهم. فمن أجل هذه الغاية يجب على المسؤولين في الدولة القيام بنهضة اقتصادية، بكل مجالاتها، وإقرار الموازنة من أجل التوازن بين المداخيل والمصاريف، والحد من الفساد المالي والسياسي، وحماية المال العام من الهدر والسرقة، والعمل الجدي على الإيفاء التدريجي للدين العام، حماية للبلاد من الانهيار، والحد من التدخل السياسي في الإدارات العامة والقضاء وحفظ نزاهة هذا الأخير، والسهر على حسن إداء الموظفين، ومكافأة المتقيدين بالقانون والضمير والمحافظة عليهم، وترقيتهم، وعدم الإستبدال الحزبي والسياسي والمذهبي للموظفين. فهذا أمر مرفوض ومدان، ويولد التوتر ويزعزع الثقة، ويخلق العداوات، وهو إفراط في السلطة لا يمكن القبول به".

كلام الراعي جاء خلال حفل تدشين "مجمع أنطونيوس رعيدي الرعوي" في كنيسة مار ضوميط في وطى حوب ـ تنورين بتقدمة من القنصل ربيع رعيدي، في حضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، النواب بطرس حرب، سامر سعادة وناجي غاريوس، المدير العام لوزارة الاشغال طانيوس بولس، العميد المتقاعد شامل روكز، شخصيات دبلوماسية وقضائية، عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" جورج بكاسيني، رئيس مجلس إدارة مستشفى تنورين الحكومي الدكتور وليد حرب، فاعليات ومسؤولين، رئيس بلدية تنورين بهاء حرب وأعضاء المجلس البلدي، رؤساء بلديات، مخاتير تنورين وحشد كبير من أهالي وطى حوب وتنورين ومنطقة البترون.

وأقيم استقبال للبطريرك الراعي يرافقه راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، والمطران يوحنا علوان عند مدخل وطى حوب بالأزهار والزفة ورفعت اللافتات المرحبة وصولا الى مدخل المجمع حيث أزاح الستار عن اللوحة التذكارية فتبريك صالة الكنيسة وجولة للاطلاع على مكونات المجمع.

ثم ترأس الراعي قداسا احتفاليا في الباحة الخارجية وعاونه فيه المطران خيرالله، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، رئيس الدير الاب نبيه خوري والاب هاني مطر بمشاركة المطران علوان، المدبرين العامين في الرهبانية اللبنانية المارونية ولفيف من كهنة ابرشية البترون ورؤساء الأديار والآباء. وخدمت القداس جوقة وطى حوب.

خوري

في بداية القداس، ألقى رئيس الدير الاب خوري كلمة ترحيب قال فيها: "يسعدنا جدا ويشرفنا أن نستقبل في رعيتنا وطى حوب تنورين، بمناسبة عيد مار ضومط، غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، ومعه أصحاب السيادة ومعالي الوزراء وسعادة النواب، وكل أصحاب المقامات السياسية والعسكرية والمدنية والدينية. ويطيب لنا في هذه المناسبة العزيزة، تدشين مجمع انطونيوس عباس رعيدي الرعوي، الذي شيده بسخاء وحب كبيرين، الصديق الحبيب سعادة القنصل ربيع رعيدي، تخليدا لذكرى والده، وأن نستقبل، للمرة الأولى، إحتفاليا، قدس أبينا العام، الأباتي نعمة الله الهاشم السامي الإحترام، ومجلس الرئاسة العامة، فله منا كل التقدير والحب والوفاء، فله كلمة الترحيب بغبطتكم".

الهاشم

ثم كانت للأباتي الهاشم كلمة ترحيب توجه فيها الى البطريرك الراعي وقال: "باسم راعينا سيادة المطران منير خيرالله ورؤساء الاديار والمدبرين العامين وكهنة رعايا تنورين والرهبان والراهبات، باسم أصحاب المعالي وفاعليات تنورين وأبنائها وبناتها نسأل باسم الشركة والمحبة الله أن يحميكم ويسرنا أن نستقبلكم في بلدة الجمال والفاكهة تنورين بجبالها وأوديتها، بلدة الخير بأشجارها ومياهها، بلدة الفكر والشعر والأدب، بلدة القداسة والأديار والكنائس والمحابس التي أعطت الكثير من الكهنة والرهبان وهي البلدة الأكبر التي قدمت أكبر عدد من أبنائها للرهبانية اللبنانية المارونية، فأهلا بكم تكرسون ثمار الشركة والمحبة وتباركون سعادة القنصل ربيع رعيدي الذي تبرع بإنشاء هذا المجمع الرعوي تخليدا لذكرى والده، ونحن باسم الجميع نسأل غبطتكم البركة والرضى".

العظة

وبعد تلاوة الانجيل المقدس ألقى البطريرك الراعي عظة قال فيها: "يدعونا الرب يسوع في إنجيل اليوم ألا نخاف من واقع حياتنا الصعب ومستقبلنا الغامض، لأن عناية الله ترافقنا ولا تنسى أي واحد أو واحدة منا. ويدعونا لنثبت في الإيمان ونشهد له ولتعليمه، لئلا ننساه ونبتعد عنه، فنضل الطريق المؤدي لخلاصنا الأبدي. كم نحن اليوم بحاجة، وسط الصعوبات والمحن وعلامات الاستفهام، لأن نسمع صوته يردد في أعماق نفوسنا: "لا تخافوا" (لو12: 7). فنكون بدورنا داعين إلى عدم الخوف وصانعي طمأنينة في العائلة والمجتمع، وفي الكنيسة والدولة".

وأضاف: "يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية في كنيسة مار ضوميط الرعائية هنا في وطى حوب، بمناسبة تدشين القاعة الراعوية التي قدمها مشكورا من ماله الخاص القنصل ربيع رعيدي، إقرارا منه بفضل الله الذي يبارك حياته وعائلته، ومكنه من تحقيق نجاح واسع في أعماله. فأسس مجموعة "رار القابضة" التي تضم حاليا ثماني مصانع والعديد من الشركات التجارية في لبنان وقطر وعمان والهند وأفريقيا والإمارات العربية، والمملكة العربية السعودية والعراق وايطاليا. كافأه الله بفيض من نعمه وبارك عائلته. كانت هذه الكنيسة في الأساس مغارة في أسفل هذا الجبل، المعروف بجبل الراس. وقد اتخذها أهالي تنورين العزيزة في القديم موئلا لهم يلجأون إليه، لما كانت توحي لهم من إيمان وخشوع، فكرسوها بصلواتهم مقاما مقدسا على اسم القديس ضوميط الشهيد. ثم حولها أبناء وطى حوب إلى كنيسة رعائية لجماعة المؤمنين الذين يؤمونها في مختلف المناسبات . ويسعدنا اليوم أن نقوم بهذا التدشين، بعد أن احتفلتم في مطلع الأسبوع بعيد شفيعها القديس ضوميط. أعاده الله عليكم بالخير والبركة".

وتابع: "لقد إختار أجدادكم القديس ضوميط شفيعا لهذه الكنيسة لأنه مات شهيدا، سنة 322، بأمر من الملك الروماني الوثني يوليانوس، بالرجم في المغارة التي كان متنسكا فيها. فأدى شهادة الدم لإيمانه بالمسيح الفادي. فحقق كلمة الرب يسوع في إنجيل اليوم: "من يعترف بي أمام الناس، يعترف به ابن الإنسان أمام ملائكة الله"(لو12: 8)."
وقال: "عالمنا الذي فقد القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، وإستعاض عنها بلغة الحقد والبغض والظلم والحرب والإستبداد، وبلغة الحديد والنار، وبلغة المادية والإستهلاكية والأنانية، هو بأمس الحاجة إلى الشهادة المسيحية، وإلى لغة إنجيل يسوع المسيح، ولو كانت مرفوضة، وتلقى المعاكسة والإستهتار والإهمال. وبما أننا نحيي ذكرى ألف وخمسماية سنة لإستشهاد الرهبان تلاميذ مار مارون الثلاثماية والخمسين سنة 517، فقد أعلنا، كما تعلمون، "سنة الشهادة والشهداء"، وبدأناها في عيد أبينا القديس مارون في 9 شباط الماضي، وسنختتمها في عيد أبينا القديس يوحنا مارون، البطريرك الأول، في 2 آذار 2018. وأردناها لكي نستذكر شهداء كنيستنا من بطاركة وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات ومؤمنين الذين أدوا شهادة الدم لإيمانهم. ولكي نعترف أن بفضلهم نما الإيمان المسيحي، وإنتشرت الكنيسة، وإزدادت مؤسساتها، واتسعت مساحات خدمتها الراعوية، الروحية والتربوية والاجتماعية والإستشفائية، وكثرت الدعوات الكهنوتية والرهبانية الناضجة".

وأردف: "لا تخافوا" (لو12: 7). كم ردد الرب يسوع هذه الكلمة للتلاميذ، وللمرضى الذين التقاهم، ولأهل أموات أقامهم من الموت: مثل مرتا ومريم عندما مات أخوهما لعازر، وأرملة نائين التي كانت تبكي وراء نعش وحيدها، ويائيروس الذي فارقت إبنته الحياة، فيما كان يسوع ذاهبا معه إلى بيته ليشفيها. لهم كلهم قال: "لا تخافوا، لا تخافي، لا تخف" ودعاهم إلى الثبات في الإيمان والثقة بوعود الله. هذه الكلمة يقولها لنا اليوم في لبنان، كما يقولها لكل المسيحيين، بل لكل الناس المؤمنين بالله، ويعيشون ويلات الحروب في بلدان الشرق الأوسط. ويدعونا لنقولها بدورنا لبعضنا البعض بالقول والعمل والمبادرات".

وأضاف موجها التحية "لكل الأشخاص الذين ينتزعون الخوف من القلوب سواء في عائلاتهم أم مجتمعهم أم في تنورين العزيزة، أكان هؤلاء الأشخاص من الإكليروس أو المدنيين، أو السياسيين أو أصحاب مقدرات. وأود أن أحيي بنوع خاص الرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة بشخص رئيسها العام قدس الاباتي نعمة الله الهاشم من خلال وجودها في دير مار انطونيوس - حوب الذي بني منه جناحان بين سنة 1766 و1778، وبدأ الرهبان يسكنون فيه منذ سنة 1785، ثم راحوا يزيدون عليه أجنحة أخرى، جيلا بعد جيل حتى يومنا. وأحيي رئيسه الأب نبيه الخوري والآباء معاونيه وكل الذين خدموا هذه الرعية وسواها في تنورين. إن دير مار أنطونيوس حوب شكل مكان طمأنينة وعلامة رجاء ودعوة للصمود لأهالي تنورين بفضل الدور الذي أداه والرسالة التي قام بها، وما زال، على كلٍ من الصعيد الروحي والتربوي والاجتماعي والحرفي والزراعي والسكني، فوفر في كل ذلك فرص عمل للعديد من العائلات".

وتابع: "إننا، في ضوء كلام المسيح في إنجيل اليوم، نوجه النداء إلى الجماعة السياسية والقيمين على شؤون البلاد الزمنية، كي يؤمنوا الإستقرار الإقتصادي والمعيشي والأمني والمعنوي لكل اللبنانيين، فيتمكنوا من العيش بطمأنينة في وطنهم، ويجدوا فيه مستقبلهم ومستقبل أولادهم، وتتوفر فيه لأجيالنا الطالعة المجالات لتحفيز قدراتهم، وتحقيق طموحاتهم. فمن أجل هذه الغاية يجب على المسؤولين في الدولة القيام بنهضة اقتصادية، بكل مجالاتها، وإقرار الموازنة من أجل التوازن بين المداخيل والمصاريف، والحد من الفساد المالي والسياسي، وحماية المال العام من الهدر والسرقة، والعمل الجدي على الإيفاء التدريجي للدين العام، حماية للبلاد من الانهيار، والحد من التدخل السياسي في الإدارات العامة والقضاء وحفظ نزاهة هذا الأخير، والسهر على حسن إداء الموظفين، ومكافأة المتقيدين بالقانون والضمير والمحافظة عليهم، وترقيتهم، وعدم الإستبدال الحزبي والسياسي والمذهبي للموظفين. فهذا أمر مرفوض ومدان، ويولد التوتر ويزعزع الثقة، ويخلق العداوات. وهو إفراط في السلطة لا يمكن القبول به".

وختم: "وفي كل حال، تبقى ثقتنا بالمسيح الفادي وبقوله "لا تخافوا". ونرفع معا نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

رئيس البلدية

وبعد القداس ألقى رئيس بلدية تنورين بهاء حرب كلمة قال فيها: "تنورين، هذه البلدة المارونية بامتياز، الرابضة في أعالي الجبال، المطمئنة لجسارة شبابها، المفتخرة بوطنية رجالاتها، المتشبثة بايمانها وعنفوانها يشرفها اليوم أن يقدس ترابها بزيارة غبطتكم وأن تبارك هذه الأرض التي تحب، وتدشن صرحا رائعا بناه شاب طموح، مؤمن كريم جسد بعمله هذا تعلق أبناء تنورين ببلدتهم، بقيم دينهم وتراثهم وتاريخهم".

وتوجه الى الراعي بالقول:"المسيحية صرعت الباطل ليس بحد السيف بل بالكلمة، بالمحبة المتصلة بالله، وفهمنا لها ببعدها الاجتماعي، منظومة ترفع الانسان وتحفظ الأوطان. فأنتم يا صاحب الغبطة، أنتم الراعي الأمين، حامل هم هذا الوطن الصغير في زمن تسود فيه الصراعات السياسية والمذهبية كل منطقتنا وشرقنا العربي. بكم وبكلامكم سيبقى صوت الحق مرتفعا وستبقى مواقفكم الثابتة بوصلة أمان تصوب سفينة القيادة ليبقى لبنان وطنا حرا، سيدا ومستقلا".

وأضاف: "يشرفني كرئيس للبلدية ونيابة عن زملائي أعضاء المجلس البلدي أن أنقل لكم كل مشاعر الاحترام والتقدير والولاء واسمحوا لي أن أتوجه باسمكم جميعا بالشكر والتقدير لرئيس دير حوب الأب نبيه خوري على جهوده الجبارة ومتابعته الدقيقة لتحقيق هذا الصرح الذي ندشن اليوم".

وختم موجها "الشكر والدعاء بالخير لصاحب اليد البيضاء المعطاءة بكل محبة وفرح وصدق وأخلاق عنيت به القنصل ربيع انطانيوس رعيدي الذي قدم لبلدته هذا الصرح الجميل، كما نثمن غاليا تشييد هذا البناء تخليدا لذكرى الوالد واجلالا لتربيته الصالحة لهذا البيت الكريم. صديقي، وفقكم الله وزاد خيركم بركة وغلالكم عطاء وأنعم على عائلتكم بالصحة والسعادة وراحة البال".

هدايا تذكارية

ثم قدم حرب باسمه وباسم المجلس البلدي هدايا تذكارية هي كناية عن أيقونات لكل من الراعي ورعيدي والاب خوري عربون وفاء ومحبة واحترام.

رعيدي 


وفي الختام ألقى القنصل رعيدي كلمة قال فيها: "نحن حراس مؤتمنون على الوزنات التي أغدق الرب بها علينا، فإيماننا المسيحي عقيم من دون الأعمال الخيرة والجهد المثمر. فنحن اليوم نكنز لنفسنا كنوزا في السماء لا على الأرض، نحن نعطي لأن العطاء من صلب إيماننا وتعاليمنا المسيحية. فبإسمي واسم عائلتي أشكر أبينا البطريرك الراعي الذي شرفنا وباركنا بحضوره بيننا، فالكنيسة تجمعنا تحت كنفها ونحن دائما في خدمتها".

وخص بالشكر "رئيس دير حوب الأب نبيه الخوري لمساعيه النبيلة من أجل البلدة وأبنائها. كما أشكر بلدية تنورين بشخص رئيسها المهندس بهاء حرب وأعضائها المحترمين لدعمهم الدائم لكل المشاريع التي تصب في مصلحة البلدة، ومدير عام وزارة الأشغال العامة والنقل المهندس طانيوس بولس لأعمال تعبيد ساحة الكنيسة، والقاضي بسام وهبة رعيدي لمساعيه مع الوزارة" وخص بالشكر المهندس الياس بو سليمان "الذي أنجز الدراسات الهندسية والمتعهد شربل دريان على تتنفيذ أعمال الإنشاء والترميم. وأشكر جوقة وطى حوب وأشكركم جميعا على حضوركم ومشاركتنا في هذا الإحتفال وليكن الله راعيا لكل عمل خير في سبيل خدمة المجتمع".

ثم أقيم كوكتيل بالمناسبة.