لبنان
13 آذار 2016, 11:10

الراعي: "دم الشهداء بذارَ المسيحيّين"

ترأس غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي قداس أحد الأعمى في زمن الصوم في بازيليك سيدة لبنان- حريصا. وبعد الإنجيل المقدّس ألقى عظة بعنوان "رابوني، أن أبصر" جاء فيها:

1. يظهر من هذه الحادثة، أنّ الأعمى كان بفضل إيمانه المبصر الحقيقي بين الجمع الغفير الذي كان يتبع يسوع. ففيما كان المارّ بالنسبة إلى الجماهير "يسوع الناصري"، رأى فيه الأعمى، بعين الإيمان، "المسيح المنتظر ابن داود"، و"وجه رحمة الله"، القادر على شفائه من عماه. ولهذا راح يصرخ إليه: "أيّها المسيح ابن داود! ارحمني" (مر10: 47). ولأنّه أدرك بإيمانه أنّ يسوع هو النور الآتي إلى العالم، لم يلتمس منه صدقةً مالية، كما من سائر الناس، بل النور لعينَيه المنطفئتَين. فعندما سأله يسوع: "ماذا تريد أن أصنع لك؟ أجاب للحال: رابوني، أن أُبصر" (مر10: 51).

2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية هنا في بازيليك سيدة لبنان-حريصا لنحتفل مع أخوياتنا بعيدهنّ السنوي الذي هو عادةً في عيد بشارة العذراء مريم المتزامن هذه السنة مع الجمعة العظيمة. فإنّا نهنِّئ جميع الأخويات أعضاء وعمدات وأقاليم ومرشدين، ونهنّئ الرابطة مرشدًا عامًّا ورئيسًا ولجنة إدارية. نسأل الله بشفاعة أمّنا مريم العذراء، أن يبارك أخويّاتنا بفيضٍ من نعمه، كي يتقدّس أعضاؤها، وتزدهر وتنمو لتكون شهود إيمان، وخَدَمَة محبة وبُناة وحدة وسلام.

إن المقياس الأساسي للانتساب إلى أية أخوية هو التعمّق في الإيمان والمجاهرة به بالكلمة والموقف والأعمال، في كل ما يتعلق بحقيقة المسيح والكنيسة والإنسان. فالحقيقة المثلثة هذه هي نور العقل والقلب والضمير، بدونها وخارجًا عنها يهيم الانسان في ظلام.

3. وبالأسى والرجاء نحتفل بهذه الذبيحة الإلهية لراحة نفوس الأخوات الراهبات مرسلات المحبة للطوباوية الأمّ تريزا دي كلكوتا، اللواتي سقطن شهيدات الإيمان في عَدَن في اليمن في 4 أذار الجاري على يد مسلّحين وهنّ المرحومات الأخوات: Anselm من الهند، وMarguerite من رواندا، و Judith من كينيا، وReginette من رواندا التي كانت تستعدّ لإبراز نذورها الرهبانية المؤبّدة. وإذ بالنذور تلتزم الاقتداء بالمسيح مدى الحياة، فإنها بالاستشهاد مع أخواتها تبلغ الاقتداء التام به في شهادته وموته على الصليب، لفداء الجنس البشري؛ وتحتلّ معهن "المكان تحت مذبح الحمل المذبوح مع نفوس سائر المذبوحين في سبيل كلمة الله والشهادة التي شهدوها"، على ما نقرأ ف رؤيا يوحنا (6؛ 9).

4. إنّنا نتقدّم بالتعازي الحارّة من الأخوات الراهبات مرسلات المحبة اللواتي يواصلن خدمة المحبة في اليمن في أربعة أديار، ومن رئيستهنّ العامّة الحاضرة معنا، الأخت Prema، والرئيسة الإقليمية لمنطقة الشَّرق الأوسط الحاضرة معنا هي أيضًا، والجماعات الآتية من بيروت وبشري في لبنان، ومن الدويلع ودمشق في سوريا، فنحيِّي رئيسات الأديار الأربعة والراهبات الحاضرات معهنّ. ونقدّم تعازينا لجماعة الراهبات في دير حلب بسوريا، اللواتي يخدمن دار العجزة والمرضى هناك، ولم يستطعن المجيء بسبب الأوضاع الأمنية الراهنة. ونوجّه تعازينا مقرونةً بالصلاة إلى أهالي وعائلات الراهبات الشهيدات.

نقدّم هذه التعازي ونحتفل بهذه الذبيحة الإلهية مع السّادة المطارنة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات وهذا الجمهور من الآباء والرهبان والراهبات. إن في قلوبنا رجاءً وعزاءً بأنّ الراهبات شهيدات الإيمان يتكلّلن بإكليل الشهداء، مع مَن سبقهنّ من راهبات سلكن طريق الاستشهاد، ولاسيّما الراهبات الثلاث اللواتي سقطن شهيدات برصاص مسلّحين في المنطقة نفسها سنة 1998.

كلّهن يشكّلن إكليل المجد حول رأس مؤسِّستِهن الطوباوية الأم تريزا دي كالوكوتا، التي تستعدّ الكنيسة الجامعة للاحتفال بإعلان قداستها وإدراجها في سجلّ القديسين في الأشهر القادمة على يد قداسة البابا فرنسيس  في بازيليك القديس بطرس بروما.

5. ونذكر بصلاتنا العاملين غير المسيحيين الذين استشهدوا مع الراهبات الأربع في دار العجزة في عدن، وقد وقفوا سدًّا منيعًا بوجه المسلّحين لمنعهم من الاعتداء على الراهبات. فقتلوهم جميعًا، ثمّ أطلقوا النار على الراهبات من دون رحمة، في يوبيل سنة الرحمة المقدّسة. نصلّي إلى الله كي يتقبّل استشهادهم في مجد السماء، ويعزّي عائلاتهم بفيضٍ من حنانه.

إنّنا نشكر الله على نجاة رئيسة الدير في عدن الأخت Sally من الهند التي لم تتواجد في مكان استشهاد أخواتها الراهبات الأربع. ويبقى القلق حول مصير الأب السالزياني Tom Uzhunnlil الذي كان يقيم في الدير، واختفى بعد الحادثة المؤلمة.

6. ويؤلم الراهبات جدًّا انّ الستّين مسنًّا الذين يعيشون في تلك الدار، هم في حالة صحّية تحتاج إلى عناية، ويبكون الراهبات والعاملين، ويطالبون ببقاء مرسلات المحبة فيما بينهم، لأنّهنّ يؤلّفن مع كلّ العاملين والمساعِدات والعجزة أسرةً واحدة بتعدّد أديانها، ويرون من خلالهم وجه الله - المحبة.

ومعلومٌ أنّ للراهبات مرسلات المحبة أربعة أديار في اليمن: ففي سنة 1973 افتتحن الدير الأوّل في منطقة الحديدة، وبعد سنة أسّسن الدير الثاني في منطقة تعز، والثالث سنة 1976 في العاصمة صنعاء، والرابع في عدن سنة 1992. في جميع هذه الأديار كما في سواها في لبنان وسوريا وغيرها، يتكرس الراهبات لخدمة المسنين والمسنات والمساجين والمعوقّين من كبار وصغار.

7. إنّ استشهاد الراهبات يزيد أخواتهن قناعةً واندفاعاً رساليًّا للبقاء في تلك البلاد، التي لا تعرف اليوم إلّا لغة الحرب والسلاح والقتل والدمار، وهي بأمسّ الحاجة إلى لغة إنجيل المحبة والسلام وقدسية الحياة البشرية. ليست لغة الإنجيل "العين بالعين والسّن بالسّن" (متى 5: 28)، بل لغة المغفرة والصلاة.