لبنان
26 أيلول 2022, 09:30

الرّاعي عن المطران سعادة: رجل القرار والشّجاع في التّنفيذ وصاحب القلب الكبير والرّؤية البعيدة

تيلي لوميار/ نورسات
مع أبناء أبرشيّة البترون المارونيّة ونيابة إهدن- زغرتا، ودّع البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي النّائب البطريركيّ على البترون وإهدن- زغرتا سابقًا ومطران أبرشيّة البترون المارونيّة سابقًا المثلّث الرّحمة المطران بولس- آميل سعادة، في صلاة جنائزيّة أقيمت في كنيسة مار يوحنّا المعمدان- زغرتا، ألقى خلالها عظة قال فيها:

"1. ربّنا يسوع المسيح، الرّاعي الصّالح بامتياز، أعطى النّفوس "الحياة وأعطاها أوفر" ( يو 10: 10). وقد بذل نفسه، مائتًا على الصّليب ليفتدي خطايا البشريّة جمعاء، وأعطى العالم وليمة جسده ودمه لحياة البشر. وقد اختار في الكنيسة "رعاة وفق قلبه" (إرميا 3: 5). ومن بينهم المثلّث الرّحمة المطران بولس إميل سعاده الّذي قضى حياته بالبذل والعطاء، كاهنًا وأسقفًا، لكي ينعم أبناء رعيّته وأبرشيّته "بالحياة، والحياة الأوفر" (يو 10: 10). ونحن نودّعه معكم بكثير من الأسى، ونرافقه بصلاة الرّجاء.

2. إنّه إبن إهدن- زغرتا المدينة العريقة في الإيمان والغنى الكنسيّ، والعلم والثّقافة والسّياسة والوطنيّة. في بيت كهنوتيّ ولد. جده كاهن. والده الخوري بولس سعاده الّذي ربّاه مع شقيقيه وشقيقاته على الإيمان الأصيل وروح الصّلاة والانفتاح على محبّة الله والكنيسة. دعي اسمه بالمعموديّة إميل فأضاف عليه إسم والده الخوري بولس في الكهنوت والأسقفيّة. أخلص لشقيقيه وشقيقاته. وقد سبقوه إلى دار الخلود ما عدا شقيقته السّيّدة نورما الّتي نتمنّى لها العمر الطّويل. فتعزّى بعائلاتهم وبأولادهم النّاشطين في العلم والاختصاصات العالية والعمل. وسرّ بابن شقيقه الأب الدّكتور بولس سعاده يلبّي الدّعوة إلى الحياة المكرّسة في الرّهبنة اليسوعيّة الجليلة.

3. لبّى المثلّث الرّحمة المطران بولس- إميل الدّعوة لاتّباع محبّة المسيح في سرّ الكهنوت على غرار والده. فدخل المدرسة الإكليريكيّة في غزير. وبعد إنهاء دروس الفلسفة واللّاهوت سيم كاهنًا في 12 نيسان 1958. وباشر على الفور خدمته الكهنوتيّة والرّاعويّة في إهدن- زغرتا المدينة الّتي ولد فيها وأحبّها وتربّى على تقاليدها وعشق تاريخها الكنسيّ والمدنيّ. فراح يتفانى في خدمة أبنائها وأهاليها وسكّانها لكي "تكون لهم الحياة أوفر". تعاون بدايةً مع كاهنين نشيطين هما: الخوري هيتكور الدّويهيّ الّذي أصبح مطران أبرشيّة مار مارون بروكلين (نيويورك)، والخوري أنطوان يمّين. فأسّسوا مع المونسنيور بطرس بركات بيتًا للكهنة لكي يسكنوا معًا في حياة جماعيّة. وساهموا في إحياء المهرجانات الصّيفيّة في إهدن، وأنشأوا حركة الشّباب الزّغرتاويّ، وأطلقوا حركة راعويّة واسعة النّطاق.  

4. واصل المثلّث الرّحمة نشاطه الرّوحيّ الكهنوتيّ والاجتماعيّ بديناميّة مميّزة: أحيا في الشّبيبة الحسّ الوطنيّ، بتنظيم رحلات إلى المواقع الأثريّة في مختلف المناطق؛ تسلّم إدارة وقف إهدن- زغرتا وحقّق مشاريع إنمائيّة وزراعيّة؛ أسّس مستوصفًا، وأقام مستشفى ميدانيًّا على اسم مار يوحنّا في بداية الحرب اللّبنانيّة المشؤومة؛ أسّس مستشفى سيّدة زغرتا، وجهّزه وتسلّم إدارته حوالي عشرين سنة، ومن بعده عزيزنا المونسنيور اسطفان فرنجيّة الّذي طوّره ووسّعه وجعله مستشفى جامعيًّا؛ بنى بيت الكهنة قرب كنيسة مار يوحنّا، ووسّع مدرسة البنات الأولى في زغرتا في أوائل الحرب اللّبنانيّة، أسّس نشرة الرّعيّة "الكلمة" كصلة وصل بين الزّغرتاويّين في الوطن وبلدان الانتشار؛ أنشأ معهد التّثقيف الدّينيّ، ومشغلًا بالتّعاون مع راهبات الصّليب لتعليم الفتيات فنّ الخياطة؛ حوّل دير الآباء اللّعازرين في إهدن بيتًا للكهنة، ودير راهبات المحبّة مستشفىً ريفيًّا بالتّعاون مع وزارة الصّحّة؛ أسّس فرع كاريتاس لبنان في زغرتا، وتجمّع الإكليروس الإهدنيّ.

من أجل كلّ هذه الاستحقاقات منحه رئيس الجمهوريّة سنة 1982 وسام المعارف المذهّب من الدّرجة الأولى.  

5. عرفته شخصيًّا وأكبرته وأحببته سنة 1975، عندما كنّا معًا أعضاء في "الهيئة المارونيّة للتّخطيط والإنماء" الّتي أنشأها مجلس المطارنة في عهد المثلّث الرّحمة البطريرك الكاردينال مار أنطونيوس بطرس خريش، برئاسة النّائب البطريركيّ المثلّث الرّحمة المطران رولان أبو جوده، قبل إنشاء رابطة كاريتاس لبنان في سنّ الفيل. وكان على تلك "الهيئة" أن تنسّق خدمات الإغاثة في مناطق الحرب والحصار والتّهجير. فكنت أقرأ في وجه هذا الكاهن توقّد المحبّة والعطاء وبعد النّظر واتّساع الآفاق. وقد رفعه المثلّث الرّحمة البطريرك خريش إلى رتبة خورأسقف تقديرًا له.  

6. وشاءت العناية الإلهيّة أن نواصل السّير معًا، فانتخبنا أوّل سينودس أساقفة في عهد المثلّث الرّحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في نيسان 1986 نائبين بطريركيّين: المطران بولس إميل في نيابة البترون وإهدن- زغرتا، وأنا في الكرسيّ البطريركيّ. فإتضّحت أمامي شخصيّة المطران بولس إميل الغيور والمقدام والنّشيط ورجل القرار والشّجاع في التّنفيذ وصاحب القلب الكبير والرّؤية البعيدة والمحبّ والعطوف. بهذه الصّفات باشر خدمته الأسقفيّة في النّيابتين. ثمّ اقتربنا بالأكثر في الأخوّة والتّعاون بحكم أنّه اصبح مطرانًا أصيلا لأبرشيّة البترون، وأنا مطرانًا لأبرشيّة جبيل، وكنّا كلّ سنة نلتقي لنحتفل معًا في ذكرى رسامتنا الأسقفيّة وتجديد عهدنا معًا في خدمة الكنيسة وكنت اكتشف فيه قلب الطّفل المحبّ.  

7. في نيابة إهدن- زغرتا، بالإضافة إلى ما تقدّم، بنى بفضل المؤمنين والمحسنين، كنيستي مار يوسف ومار مارون في زغرتا وكرّس مذابحها؛ أسّس فرعًا للصّليب الأحمر؛ نظّم الخدمة الرّاعويّة في الكنائس؛ عزّز النّشاطات الاجتماعيّة والصّحّيّة والخيريّة والإنمائيّة الّتي كان قد بدأها قبل ترقيته إلى السّدّة الأسقفيّة.

8. وفي البترون نيابة أوّلًا ثمّ أبرشيّة قائمة بذاتها، رمّم دير مار يوحنّا مارون بكفرحي وجعله كرسيًّا أسقفيًّا، واستعاد إليه ذخيرة القدّيس مارون؛ استصلح الأراضي والعقارات وغرسها؛ بنى العديد من الكنائس والقاعات الرّاعويّة؛ أنمى الأوقاف ونشّط لجان إدارتها؛ عزّز الدّعوات الإكليريكيّة ورسم ثلاثين كاهنًا؛ ساهم وأشرف على كتابة تاريخ الأبرشيّة وكتاب حملة الأقلام؛ أولى عناية خاصّة بالكهنة فوفّر لهم التّأمين الصّحّيّ وضمان الشّيخوخة وأنشأ صندوق التّعاضد، والتّوأمة مع أبرشيّة سان إتيان الفرنسيّة؛ فتح دعوى تطويب كلّ من البطريرك إسطفان الدّويهيّ والبطريرك الياس الحويّك، وترأّس لجنة الكشف على حثمان كلّ من الطّوباويّ نعمة الله الحردينيّ والطّوباويّة رفقا قبل تقديسهما، وجثمان الطّوباويّ الأخ إسطفان ونقله إلى مدفنٍ آخر؛ قدّم إلى جمعيّة SOS مساحة وفيرة في كفرحي لبناء قرية نموذجيّة لتربية الأطفال اليتامى، حصل من مغترب كريم على مجموعة عقارات لبناء مدرسة في بلدة مراح شديد؛ وسهر على تأسيس رهبنة نسائيّة فرنسيّة في بلدة تولا.  

فوق كلّ ذلك، إنتخبه مجلس البطاركة والأساقفة لسنوات رئيسًا للّجنة الأسقفيّة لراعويّة الخدمات الصّحّيّة. وعيّنه المثلّث الرّحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله يطرس صفير رئيسًا للجنة يوبيل الألف وستماية سنة لوفاة أبينا القدّيس مارون، وعضوًا في لجنة شؤون الشّراكة بين الكرسيّ البطريركيّ وأهالي الدّيمان وبلوزا وسواهما.  

9. لقد أرسله الله حقًّا راعيًا صالحًا، عمل بمحبّة ونشاط على أن يؤمّن للّذين تولّى خدمتهم كاهنًا وأسقفًا "الحياة، والحياة الأوفر" ( يو 10: 10). ولمّا أنهى خدمته في نيابة إهدن- زغرتا تابع الرّسالة من بعده نوّاب بطريركيّون ناشطون بدءًا من سيادة أخينا المطران سمير مظلوم وصولًا إلى سيادة أخينا المطران جوزف نفّاع. وفي أبرشيّة البترون خلفه سيادة أخينا المطران منير خيرالله سائرًا على خطاه. كلّهم حفظوا له الوفاء والاحترام، ووجدوا فيه خير مشير. وأحاطه الكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنون في الأبرشيّتين بالإكرام وعرفان الجميل. وعندما ثقلت عليه السّنون وجد عندهم وعند أهل بيته على الأخصّ العناية الكاملة، حتّى أسلم الرّوح بسلام في مستشفى السّيّدة الّذي أسّسه.  

10. فإنّنا باسمكم جميعا نتقدّم بالتّعازي القلبيّة من إخواننا السّادة المطارنة الأجلّاء أعضاء السّينودس المقدّس، ومن صاحبي السّيادة، أخوينا المطران منير خيرالله والمطران جوزف نفّاع وكهنة أبرشيّة البترون ونيابة إهدن- زغرتا وشعبهما، ومن عائلات المرحومين شقيقيه، وشقيقتيه ومن شقيقته السّيّدة نورما وأولادها وعائلاتهم. وإذ نرافقه بهذه الصّلاة في عبوره إلى بيت الآب، نسأل الله الّذي دعاه ليكون راعيًا صالحًا أعطى المؤمنين والمؤمنات "الحياة وأعطاها أوفر" ( يو 10: 10)، أن ينعم عليه بالمشاهدة السّعيدة في السّماء، ويحصيه بين الرّعاة الأبرار، ويعوّض على كنيستنا "برعاة وفق قلبه" (إرميا 3: 5).

المسيح قام!".