لبنان
16 حزيران 2017, 12:56

الراعي: فيما نواكب المسيح الفادي، نصلّي كي تنفتح له جميع البلدان والشّعوب بثقافاتهم وسياساتهم فيفتديها ويقدّسها

احتفل البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي بقداس عيد القربان الاقدس في معهد الكريم جونيه. وبعد الإنجيل المقدّس ألقى عظة جاء فيها:

 

عيد القربان الأقدس الذي نحتفل به اليوم، وهو استمرارية حضور المسيح السّري فيه ذبيحةَ فداء ووليمةً للحياة الجديدة، يذكّرنا بسرّ موته على الصليب وقيامته من بين الأموات. بموته افتدانا من خطايانا وصالحنا مع الله، وبقيامته بعث فينا الحياة الجديدة، الحياة بالروح القدس. وهكذا أضحى "سرّ القربان غذاء الشاهد للحقّ والشهيد بدمه".

 يسعدنا أن نحتفل معًا بعيد القربان الأقدس ككلّ سنة في مدينة جونيه العزيزة، مع سيادة السفير البابوي، والسّادة الأساقفة وقدس الرئيس العام لجمعيّة المرسلين اللبنانيّين، ورئيس هذا المعهد، وأسرته التربوية. إنّنا بذلك نلبّي شاكرين دعوة "كهنة رعايا مدينة جونية ومجالسها"، بالاشتراك مع كلّ الهيئات الرسميّة والتربويّة والاجتماعيّة. وقد تهيّأتم لهذه الاحتفالات بثلاثية صلاة. فنرجو أن يفيض الله عليكم من سرّ محبّته غذاء الحياة الإلهية، الذي يسند كلّ ضعف، ويحقّق فينا شعار العيد لهذه السنة: "سرّ القربان غذاء الشاهد للحقّ والشهيد بدمه". وهو شعار مقتبس من "سنة الشهادة والشهداء"، التي نعيشها.

 

 فيما نطوف بالقربان الأقدس في شوارع المدينة، فإنّنا نصلّي كي تحلّ نعمه وبركاته على سكان المنازل والعاملين في مختلف القطاعات الإدارية والتجارية والسياحية، وعلى المدارس وأسرها التربوية والمستشفيات طاقمًا ومرضى، وعلى الأجهزة الأمنية والقضائية، وعلى الرعايا وكهنتها ومؤمنيها، وعلى كلّ المشاركين في هذه الليتورجيا الإلهية والتطواف بالقربان الأقدس.

 

إنّه المسيح الربّ، الحاضر في هذا السّرّ المقدّس، يزورنا. فلنفتح له قلوبنا ليملأها حبّاً وحناناً ومشاعر إنسانيّة. ولنفتح له نفوسنا ليقدّسها بنعمته، وعقولنا ليُغنيها بحقيقته، وإراداتنا ليوجّهها إلى كلّ خير،  وضمائرنا ليحييها فتصغي لصوت الله في  أعماقنا الداعي إلى صنع الخير وتجنّب الشّر.

 

     وفيما نواكب المسيح الفادي، الحاضر في سرّ القربان، نصلّي كي تنفتح له جميع البلدان والشّعوب بثقافاتهم وسياساتهم فيفتديها ويقدّسها. نصلّي من أجل لبنان ليظلّ أرض إيمان وقداسة، شاكرين عناية الله التي ألهمت المسؤولين السياسيين على إخراجه من أزمة قانون الإنتخابات، وملتمسين إلهامهم في مواجهة الأزمات الأخرى: الإقتصاديّة والمعيشيّة والإجتماعيّة والأمنيّة، وفي معالجة تداعيات وجود ما يفوق المليونَي نازح ولاجئ على أرضه الصّغيرة، وهو عدد يفاقم أزماته هذه. نصلّي كي يمسّ المسيح الفادي أسياد الحروب ومؤجّجيها والدّاعمين لها بالمال والسّلاح ومساندة التّنظيمات الإرهابيّة والحركات الأصوليّة  والتغطية السياسيّة لها.

 

وهي حروب مفروضة ومفتعلة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وسواها، من أجل أهداف إقتصاديّة وسياسيّة واستراتيجيّة. نصلّي من أجل إنهاء هذه الحروب، وإيجاد حلول سياسيّة لها، وتوطيد سلام عادل وشامل ودائم، وإعادة جميع المهجّرين  واللاجئين والنازحين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم، فيستعيدوا حياتهم الوطنيّة وثقافتهم وحضارتهم.

 

 "الإفخارستيا غذاء الشاهد للحقّ والشهيد بدمه". هذا هو شعار عيد القربان الأقدس في هذه السنة. المسيح نفسه هوالشاهد للحق، كما قال لبيلاطس الذي سأله: "أنت إذن ملك؟"، فأجابه: "أنت قلت. إني ملك. وإني لهذا وُلدت، ولهذا جئت إلى العالم: أن أشهد للحقيقة. فكل من كان من اهل الحقيقة، يسمع صوتي". وسأله بيلاطوس: "وما هي الحقيقة؟" لكنه خاف منها وخرج نحو الشعب الصاخب. فكان القرار بصلبه (راجع يو18: 37-40؛ 19).  فظنوا بذلك أنهم صلبوا الحقيقة وقتلوها. لكنها انتصرت بالقيامة. "فالمسيح الشاهد للحق هو شهيده بدمه".

 

وهكذا صار للحقيقة اسم في العالم هو يسوع المسيح الذي ينير حقيقة الله والإنسان والتاريخ. وبنور حقيقته تستنير جميع حقائق البشر. ولذلك قال: "أنا هو الحقيقة والطريق والحياة" (يو14: 6). ما يعني أنّ بدونه الضلال والضياع والموت.

 

 ونحن، في سنة الشهادة والشهداء التي بدأناها في عيد أبينا القديس مارون، 9 شباط الماضي، وسنختمها بنعمة الله في عيد أبينا البطريرك الأوّل القديس يوحنا مارون، في 2 أذار 2018، مدعوّون اوّلًا لنتذكّر شهداء كنيستنا عبر التاريخ، هؤلاء الذين كان لهم سرّ القربان غذاء الشاهدين للحقّ وشهدائه بدمائهم؛ وثانيًا، لكي نحن أيضًا نستمدّ من سرّ القربان غذاء الشهادة للحق والاستعداد لكلّ تضحية في سبيله.

 

فمن أجل الحقيقة أبغض عالمُ الظلمة يسوعَ المسيح، ابن الله المتجسّد، وهذا العالم نفسه سيبغضنا إذا قلنا الحقيقة وشهدنا لها بأعمالنا ومواقفنا. لكن سرّ القربان هو لنا الغذاء والقوة والمناعة. فله نسجد ونسبّح، رافعين الشكر لمحبة الآب ولنعمة الابن ولشركة الروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.