الرّاعي في التّنشئة: سرّ التّقوى هو سرّ المسيح عينه
"يتكلَّم القديس بولس الرَّسول عن "سرّ التَّقوى" في رسالته الأولى إلى تلميذه تيموتاوس (1 تيم 16:3): "حقًّا إنَّه لعظيمٌ سرُّ التَّقوى، الّذي ظهَرَ في الجسد، وتبرَّرَ في الرُّوح، وتراءى للملائكة، وبُشِّر به في الأمم، وأُوْمِنَ بهِ في العالم، ورُفِعَ في المجد". وهو الّذي ينتصر على سرّ الإثم، الشَّرِّ والخطيئة.
"سرُّ التَّقوى" هو المسيح عينه المميَّز بثلاثة:
أ- ظهَرَ حقًّا في الجسد، وصار بارًّا بفعل الرُّوح القدس، وقدَّمَ ذاته عمَّن ليسوا أبرارًا.
ب- تراءى للملائكة وصار أعظم منهم، وأُعلن عنه لدى الوثنيّين على أنّه حامل الخلاص.
ج- أُومِن به في العالم على أنَّه مرسَلٌ من الآب، وأنَّ هذا الآب عينَهُ هو مَن أصعَدَه إلى السَّماء كربٍّ.
بكلمةٍ موجزة، سرُّ التَّقوى هو سرُّ المسيح عينه أي سرُّ التَّجسُّد والفداء، وفصح المسيح التامّ، وابن الله وابن مريم: سرُّ آلامه وموته وقيامته ومجده. يؤكِّد بولس الرَّسول أنَّ هذا السِّرَّ هو المبدأ الحيويُّ الخفيّ الذي يجعل من الكنيسة بيتَ الله وعامود الحقّ ودعامته (1 تيم 15:3).
سرُّ التَّقوى هذا، هو الّذي يتغلَّب على خطيئة الإنسان الّتي تعيش في صراعٍ معه. فبإمكان سرِّ التَّقوى، مع محبَّة الله، أن ينفذ إلى أعماق آثامنا الخفيَّة ليبعث في نفسنا حركة ارتداد، ويفتديها، وينشر أشرعتها نحو المصالحة.
هنا يلتقي كلام يوحنَّا الرَّسول مع هذا السّرّ حين يقول: "إنَّ كلَّ مولودٍ من الله لا يخطأ، لأنَّه بكونه وُلِد من الله يصون نفسه، والشِّرِّير لا يقترب منه" (1 يو5: 18-19). نفهم من هذا الكلام أنَّ المسيحيَّ تلقَّى ضمانةً ما يحتاج إليه من قوَّةٍ لكي لا يخطأ. هذا لا يعني أنَّه صار معصومًا من الخطأ، بل أنَّ عمل الله فاعلٌ فيه، كما يقول يوحنَّا نفسه: "من وُلد من الله لا يفعل الخطيئة، لأنَّ زرع الله فيه" (1 يو 9:3). "زرع الله" هو يسوع ابن الله، سرُّ التَّقوى الّذي يُحرِّره من الخطيئة (الفقرتان 19-20).
سرُّ التَّقوى من جهة المسيحيّ هو سلوكه بالإجابة على تقوى الله ومحبَّته الأبويَّة بالتَّقوى والمحبَّة البنويَّة. "تقوى الله"، الّتي هي من مواهب الرُّوح القدس السَّبع، تُشكّل قوَّة ارتداد ومصالحة، تُواجِه الشَّرَّ والخطيئة، فتَرتدّ عنهما، وتُحسِن المسلك والتَّصرُّف في "بيت الله، الّذي هو كنيسة الله الحيّ" (1 تيم 15:3) (الفقرة 21).
سرُّ التَّقوى يَفتَح عقل الإنسان على الارتداد والمصالحة، بالوعد الإلهيِّ بأنَّه يَحمِل إلينا دائمًا رجاء المصالحة الكاملة، لأنَّ الله "غنيٌّ بالرَّحمة إلى ما لا حدَّ له" (أفسس 4:2). فرحمته محبَّةٌ أقوى من الخطيئة والموت. لا تتوقَّف أمام خطيئتنا، ولا تتراجع أمام إهاناتنا، لكنَّها تزداد عنايةً وسخاء (الفقرة 22).