الرّاعي في عيد الانتقال: لبنان بحاجة إلينا جميعًا لنبنيه من جديد بقوّة الرّجاء على مثال مريم العذراء
بعد الإنجيل، ألقى الرّاعي عظة بعنوان: "ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم" (لو 1: 48-49)، فقال:
"1. ها نحن ننضمّ إلى الأجيال الّتي تطوّب مريم العذراء لعظائم الله فيها. هذه العظائم أصبحت عقائد إيمانيّة. وقد توجّتها عقيدة انتقال العذراء مريم للمجد الأسمى بنفسها وجسدها إلى السّماء. فيسعدني أن أرحبّ بكم جميعًا للاحتفال معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، تكريمًا لسيّدة الانتقال، الّتي لا تزال تحيط وطننا وشعبنا بحمايتها، وترافق مسيرتنا بالنّعمة.
2. فلنتأمّل في هذه العظائم، ونتوقّف عند خمس منها.
أولى العظائم، عصمة مريم من الخطيئة الأصليّة، الموروثة من أبوينا الأوّلين، فمنذ اللّحظة الأولى لتكوينها في حشى أمّها القدّيسة حنّة زوجة البارّ يواكيم، تدخّل الله وعصمها من هذه الخطيئة، لتكون في تصميمه الإلهيّ أمًّا نقيّة ممتلئة نعمة للمسيح فادي الإنسان ومخلّص العالم. هذه العقيدة الإيمانيّة أعلنها الطّوباويّ البابا بيوس التّاسع في 8 كانون الأوّل 1854.
ثاني العظائم، بتوليّة مريم الدّائمة. فقد أصبحت أمًّا للكلمة المتجسّد بقوّة الرّوح القدس، من دون زرع بشريّ فكانت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده، وتمّت نبوءة اشعيا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا اسمه عمّانوئيل" (متّى 1:23).
ثالث العظائم، أمومتها لابن الله المتجسّد. وهذه عقيدة إيمانيّة أعلنها مجمع أفسس سنة 431: بقوله إنّ مريم هي والدة الإله في الزّمن.
رابع العظائم، شريكة الفداء. فبإيمانها الصّامد وصلت مع ابنها الفادي الإلهيّ حتّى الصّليب، متألّمة معه بصبر وصمت، لكي يتحقّق كلّ تدبير الله الخلاصيّ (الدّستور العقائديّ في الكنيسة، 58).
خامس العظائم: أمومة مريم للكنيسة أعلنها القدّيس البابا بولس السّادس أثناء المجمع الفاتيكانيّ الثّاني.
تتويج هذه العظائم، انتقال العذراء بنفسها وجسدها إلى مجد السّماء. هي عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر في أوّل تشرين الثّاني 1954، بهذه الكلمات: "تتويجًا رفيعًا لإنعاماتها، شاء الله أن ينقلها بنفسها وجسدها إلى مجد السّماء الأسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك الّذي لا يموت إلى دهر الدّهور" (براءة اعلان العقيدة: الدّستور الرّسوليّ: "الله العجيب جدًّا").
3. عيد الإنتقال المشرق بنور المجد، يُدخلنا في قلب ليتورجيا السّماء. في انتقال مريم، نحتفل في انتصار القيامة في جسد بشريّ حقيقيّ. لا نتحدّث عن روح فقط، بل عن جسد مجّدد دخل ملكوت الله، عربونًا لما نرجوه نحن أيضًا. ليتورجيا اليوم تربط الأرض بالسّماء، التّاريخ بالأبديّة، الزّمن بالرّجاء.
4. في عيد سيّدة الانتقال، نرفع أنظارنا إلى لبنان الجريح، المتألّم، لكنّه الغنيّ بنعمة العناية الإلهيّة، وببقائه في عناية سيّدة لبنان، رغم الأزمات والانهيارات المتراكمة. فنصلّي من أجل جميع المسؤولين، كي يوقظ الله فيهم الحسّ الوطنيّ الصّادق، لا حبّ الذّات والمصالح الخاصّة، بل حبّ الوطن وكرامة الشّعب. فلبنان بحاجة إلينا جميعًا، مقيمين ومنتشرين، لنبنيه من جديد بقوّة الرّجاء، على مثال مريم العذراء الّتي آمنت فتمّت لها المواعيد. والله ما زال يصنع به العظائم، لأنّه وطن الرّسالة والدّعوة، وطن القداسة والشّهادة، وطن الشّراكة والتّنوّع، أرض أرادها الله منارة في هذا الشّرق. إذا قبل لبنان واقع ألمه بتواضع وتوبة، وإذا سلك طريق تنقية الذّاكرة والحياد، يكون قادرًا أن ينتقل من زمن الانهيار، إلى زمن القيامة، من الضّياع إلى الثّبات، من الفراغ إلى البناء.
هذا يقتضي منّا جميعًا إرادة وطنيّة صادقة، وجهدًا مستمرًّا للخروج من ذهنيّة المحاصصة والتّعطيل والانغلاق، نحو فكر وطنيّ جامع، يوحّد ولا يفرّق. ولبنان مشروع ثابت لدولة مدنيّة، عادلة، قادرة وفاعلة تحترم الدّستور وتطبّق القوانين، وتكفل الحقوق والكرامات.
5. في ظلّ عيد الانتقال، نرفع أفكارنا وقلوبنا إلى أمّنا مريم العذراء حامية هذا الشّرق، ونضع بين يديها وطننا لبنان الجريح. نلتمس شفاعتها من أجل خلاصه، ومن أجل قيامة شعبنا إلى نور الرّجاء والخلاص. ونرفع المجد والتّعظيم لله على عظائمه، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد."