لبنان
29 أيار 2023, 05:00

الرّاعي في عيد تيلي لوميار: نشكر الله على هذه النّعمة الموهوبة لكنيسة لبنان عبر هذه المحطّات الّتي تساعدها على إداء رسالتها

تيلي لوميار/ نورسات
غصّ الصّرح البطريركيّ في بكركي صباح أحد العنصرة بالمحتفلين بعيد تأسيس تيلي لوميار الـ33 وفضائيّاتها، إذ شاركوا بقدّاس إلهيّ ترأّسه البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، عاونه فيه النّائب البطريركيّ المطران أنطوان عوكر والخوري جورج يرق، بحضور أسرة تيلي لوميار ومجموعتها إدارة وموظّفين، وممثّلي رؤساء الكنائس، فتشاركوا معًا الفرحة تحت شعار "عمرها من عمره... 33 سنة".

وبعد الإنجيل المقدّس، كانت للبطريرك الرّاعي عظة جاء فيها:

"1. عندما حلّ الرّوح القدس، بعد خمسين يومًا من قيامة الرّبّ يسوع، على الرّسل الإثني عشر وعلى مريم أمّ يسوع وأنسبائه وبعض النّسوة وهم مجتمعون في العلّيّة ويصلّون (راجع 1: 12-26)، "كان صوت رياح شديدة، وظهرت ألسنة من نار واستقرّت على واحد واحد منهم، امتلأوا كلّهم من الرّوح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغات غير لغتهم، كما كان الرّوح يؤتيهم أن ينطقوا" (أعمال 2: 1-4).

2. إنّ الروح القدس الّذي لا يُرى، ينكشف في أفعاله المرموز إليها في العناصر الثّلاثة الّتي ظهرت:

الرّيح الشّديدة وترمز إلى هبوب الرّوح القدس حيثما يشاء ليخلق واقعًا جديدًا في الإنسان. "نحن نسمع صوته كالرّيح، لكنّا لسنا ندري من أين يأتي ولا إلى أين يذهب" كما قال يسوع لنيقوديموس (راجع يو 3: 8).

الألسن النّاريّة المستقرّة على كلّ واحد منهم ترمز إلى مواهب الرّوح القدس السّبع وهي: الحكمة والفهم والعلم لتنير العقل والإيمان؛ المشورة والشّجاعة لثبات الإرادة والرّجاء؛ التقوى ومخافة الله لإذكاء محبّة الله والنّاس في القلوب.

اللّغات المتعدّدة ترمز إلى إيحاءات الرّوح القدس في حياة المؤمنين والمؤمنات، وإلى اللّغة الوحيدة الّتي يفهمها جميع شعوب الأرض، وهي المحبّة. أجل، المحبّة هي لغة الكنيسة وأساس حوارها مع الأديان والحضارات والثّقافات.

3. يسعدنا أن نحتفل معكم اليوم بعيد العنصرة. وفيه تحتفل تيلي لوميار ونورسات وفضائيّاتها بعيد تأسيسها الثّالث والثّلاثين. فنحيّي العاملين في محطذاتها السّتّ، وهي: تيلي لوميار، نورسات، نور الشّباب، نور الشّرق، نور مريم، ونور القدّاس.

إنّنا نقدّم هذه اللّيتورجيا الإلهيّة من أجل ثبات وازدهار هذه المحطّات الّتي تزرع في حقول العالم كلمة الله الحاملة الخلاص لكلّ إنسان، وتهدي بنور المسيح إلى الحقيقة والمحبّة. ونذكر في صلاتنا جميع القيّمين على هذه المحطّات والعاملين فيها، ولاسيّما أعضاء مجلس إدارتها والمحسنين من مختلف مصادرها: أعضاء مجلس الإدارة والمحسنون وهم يشكّلون (44 %)، ومداخيل من أبواب الكنائس (28 %)، ومساهمات دوريّة (15 %)، وبلديّات (6 %)، ومدارس (4 %)، ورحلات تقويّة (3 %). مشكورون جميعهم، لأنّهم بتبرّعاتهم يساهمون في رسالة تيلي لوميار ونورسات وفضائيّاتها، وهي رسالة نقل كلمة الله وتعليمها وكيفيّة الصّلاة، ونقل الثّقافة المسيحيّة الرّوحيّة واللّاهوتيّة واللّيتورجيّة إلى مختلف بلدان الأرض. فنشكر الله على هذه النّعمة الموهوبة لكنيسة لبنان عبر هذه المحطّات الّتي تساعدها على إداء رسالتها باندفاع وإيمان.

ونذكر في صلاتنا العائلات الّتي تتحلّق للمشاركة في برامجها، وعلى الأخصّ المرضى والمسنّين في المستشفيات والبيوت والدّور المتخصّصة، وهم يجدون فيها القوّة والعزاء.

4. عيد حلول الرّوح القدس في اليوم الخمسين هو عيد معموديّة الكنيسة وتثبيتها وانطلاقتها الرّسوليّة. هذا ما أنبأه الرّبّ يسوع للتّلاميذ: "يوحنّا عمّد بالماء، أمّا أنتم فستعمّدون بالرّوح القدس... وتنالون قوّة بحلول الرّوح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كلّ اليهوديّة والسّامرة، حتى أقاصي الأرض" (أعمال 1: 5 و8).

العنصرة هو عيد اكتمال محبّة الله: فالآب أحبّ البشريّة جمعاء، فأرسل ابنه الوحيد ليفتدي خطايا البشر أجمعين ويصالحهم مع ذاته. والإبن الإلهيّ أطاع إرادة الآب حبًّا له، وأحبّ البشريّة فارتضى الموت على الصّليب لكي لا يهلك أحدٌ ممّن هم في العالم. والرّوح القدس، المحبّة الجامعة بين الآب والإبن، أُرسل إلى العالم ليحقّق في كلّ إنسان ثمار الفداء والخلاص، ويسكب المحبّة في قلوب البشر أجمعين. فكما أنّ العنصرة هي عيد محبّة الله الواحد والثّالوث لكلّ إنسان، بات من واجب كلّ إنسان أن يبادل بالمحبّة محبّة الله.

5. يؤكّد الرّبّ يسوع أنّ الرّوح القدس يعطى للّذين في قلوبهم محبّة الله، ويحفظون وصاياه (راجع يو 14: 21 و 24). فكما أعطي ليسوع وملأ بشريّته، بسبب حبّه اللّامتناهي للآب وطاعته الكاملة لإرادته في خلاص العالم وفدائه، هكذا يُعطى هذا الرّوح للّذين يحبّون المسيح ويحفظون وصاياه المختصرة في واحدة: "أحبّوا الله من كلّ قلبكم وفكركم وإرادتكم. وأحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم" (لو 10: 27؛ يو 15: 12).

من كان في قلبه حبٌّ للمسيح، يحفظ وصاياه الّتي هي القاعدة الأساسيّة لحياة سليمة مع الله، ولكلّ حياة اجتماعيّة كما هي مرسومة في الوصايا العشر (الإرشاد الرّسوليّ، تألّق الحقيقة، عدد 97). وحدها المحبّة تدفع الإنسان إلى حفظ الوصايا. ذلك أنّ حفظ الوصايا هو من صنع المحبّة، لا المحبّة من صنع الوصايا، على ما يقول القدّيس أغسطينوس (شرح إنجيل يوحنّا، 82/ 3). إذا أحببنا المسيح، حفظنا وصاياه، فيعطينا الرّوح القدس الّذي هو كمال محبّة الله المفاضة في قلوبنا (روم 5/5)، ويصير الرّوح فينا مصدر الأخلاقيّة الجديدة وما ينتج عنها من قداسة سيرة وعمل رسوليّ.

6. تتميّز رسالة الرّوح القدس من خلال وصف شخصيّته: بأنّه "البارقليط الآخر"، أيّ مسيح آخر يمكث معنا إلى الأبد وهو فينا، كمحام ومعزٍّ ومشجّع وشفيع؛ وبأنّه "روح الحقّ" الّذي يرشدنا إلى الحقيقة كلّها: حقيقة الله والإنسان والتّاريخ، وينصرنا على الكذب، ويجعلنا شهودًا للحقيقة بحكمة وشجاعة وسط الأنظمة والتّيّارات الإيديولوجيّة المعاكسة؛ وبأنّه "روح البنوّة" الّذي يجعلنا أبناء الله بالإبن الوحيد الّذي لا يتركنا أيتامًا، بل يمنحنا، من لدن الآب، الرّوح الّذي يسكن فينا، ويفهمنا أنّنا أبناء، ويعلّمنا أن ننادي الله "يا أبانا".

نقيم في القدّاس رتبة السّجود للثّالوث القدّوس، وتنتهي فترة الوقوف الّتي امتدّت من القيامة إلى العنصرة، للدّلالة أنّنا قائمون مع المسيح، وملزمون بابتغاء ما هو فوق (كول 3: 1).

7. نعاني اليوم في لبنان من اللّأخلاقيّة ومن الفساد بنيتجة جهل كلام الله، ووضعه جانبًا. كما نعاني من انتفاء المحبّة في القلوب. وهذا ما نشهده على مستوى الجماعة السّياسيّة، فالمحبّة بالنّسبة لبعضهم لا تعني شيئًا، بل ينتهكونها بالبغض والكيديّة. ولكن نودّ أن نشكر الله على ما نسمع بشأن الوصول إلى بعض التّوافق بين الكتل النّيابيّة حول شخصيّة الرّئيس المقبل، بحيث لا يشكّل تحدّيًا لأحد، ويكون في الوقت عينه متمتّعًا بشخصيّة تتجاوب وحاجات لبنان اليوم وتوحي بالثّقة الدّاخليّة والخارجيّة.

إنّنا نأمل أن يتمّ انتخاب رئيس للجمهوريّة بأسرع وقت كي تنتظم المؤسّسات الدّستوريّة وتعود إلى العمل بشكل طبيعيّ وسليم وفعّال، وبذلك تتوقّف الفوضى الحاصلة على عدّة مستويات وتتوقّف القرارات والمراسيم العشوائيّة الّتي تستغيب رئيس الجمهوريّة وصلاحيّاته وبالتّالي فهي تبقى عرضة للشّكّ والاعتراض.

إنّنا معكم في هذا اليوم المقدّس والسّماء مفتوحة وأنوار الرّوح تحلّ على الكنيسة، نلتمس أنوار الرّوح القدس على كلّ جماعة وبخاصّة على الجماعة السّياسيّة عندنا لكي تسعى إلى كلّ ما فيه خير لبنان واللّبنانيّين، تمجيدًا وتسبيحًا للثّالوث القدّوس الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."