لبنان
11 نيسان 2023, 05:55

الرّاعي في قدّاس الفصح على نيّة فرنسا: نصلّي على نيّتها لكي تبقى رأس حربة في كلّ معركة من أجل الحرّيّة وحقوق الإنسان والشّعوب

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الإثنين، في الصّرح البطريركيّ في بكركي القدّاس السّنويّ التّقليديّ الّذي يقام على نيّة فرنسا يوم اثنين الفصح، بحضور السّفيرة الفرنسيّة في لبنان آن غريو والبعثة الدّبلوماسيّة في السّفارة الفرنسيّة.

وألقى الرّاعي بعد قراءة نصّ من الإنجيل عظة قال فيها: "سعادة السّفيرة، أيّها الحضور الكريم

لقد دأب المسيحيّون المعمّدون باسم يسوع المسيح ان يعايدوا بعضهم البعض صبيحة عيد الفصح قائلين "المسيح قام حقًّا قام" وها نحن اليوم نتوجّه إليكم بالمعايدة ذاتها في اثنين الفصح حيث نحتفل في البطريركيّة المارونيّة بالقدّاس التّقليديّ على نيّة بلدكم العظيم فرنسا رئيسًا وحكومة وشعبًا.

وإذ تمسّك المسيحيّون بتحيّة الخلاص هذه، إنّما لأنّهم آمنوا بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات وكان هذا صلب إيمانهم ورؤيتهم للعالم وللإنسانيّة في مسيرتها نحو الخلاص. في الواقع وبحسب الأناجيل وتعاليم مار بولس فإنّ حياة السّيّد المسيح لم تنتزع منه بالقوّة وإنّما هو من وهبها من أجل خلاصنا ومن أجل تجدّد الخليقة الّتي لم تعد قادرة على التّحرّر من الخطيئة والانتصار على الشّرّ لوحدها. ولقد ذهب بولس إلى حدّ القول إنّ المخلّص يسوع أصبح آدم الجديد الّذي من خلاله دعيت البشريّة المخلّصة إلى أن تتكوّن وتتحوّل.

وبفضل قيامة المخلّص تحوّل الصّليب إلى جسر عبور يتيح المصالحة مع الله ومع البشر ليجدوا إخوتهم الضّائعين ويستمتعوا في حياتهم بسلام حقيقيّ وعميق.

لقد غلب المخلّص الشّرّ آخذا على عاتقه تغيير الإنسان القديم داخلنا وارتداء حلّة الإنسان الجديد. وهذا الانتصار مدعوّ لأن يتعمّم ليشمل الإنسانيّة فتبنى مملكة الله، وهو بحاجة إلى كلّ واحد منّا لكي نصبح صانعي سلام ونبذل جهودنا لنحوّل حياتنا إلى رسالة لخدمة الأخوّة والسّلام. فلقد علّمنا المسيح بأعماله أنّ الأخوّة هي أساس السّلام.

الإنجيل يقدّم لنا أمثولة جميلة تتعلّق بفكرة الأخوّة العظيمة بالنّسبة لكلّ البشريّة وهي أيضًا عزيزة بالنّسبة لفرنسا الّتي تعتمدها مع الحرّيّة والمساواة في شعارها الوطنيّ. ولكن المؤسف أنّه ومن خلال واقعة ذكرت في الكتب فإنّ أوّل الأخوة في التّاريخ قد قتل أخاه. إنّه قايين الّذي أنهى حياة أخيه هابيل تحت ذريعة ان الله يقبل تضحية أخيه أكثر من تضحيته.

من هذا التّعليم نستخلص أنّ الأخوّة الّتي هي من أجمل أفكار العالم عليها أن تتجسّد في الواقع وفي الوقائع. قايين أجاب الله الّذي سأله عن مكان أخيه بخفّة قائلاً: "وهل أنا حارس لأخي؟" والله يقول لنا في الواقع إنّ علينا جميعًا أن نكون حرّاسًا لإخوتنا وإنّنا جميعنا مسؤول عن بعضنا البعض. وإلّا وفي غياب التّضامن ما من عالم يقوم ويصمد وما من حياة تجد السّلام.

لقد قلب يسوع منطق قايين الّذي قتل أخيه فمات هو على الصّليب من أجل إخوته لإعطائهم الحياة وضحّى بنفسه من أجل خلاصهم. لقد أتى لا ليحكم أو ليستعبد الآخر وإنّما ليكون خادمًا لإخوته إلى الممات. وهكذا أصبح مثالاً علينا الاقتداء به إذا أردنا معه خلق عالم أخويّ وسلميّ.

وهنا نجد مفتاح تفسير ما يدور في عالمنا من مآسي دمويّة تملأ سيرة التّاريخ في الشّرق كما في الغرب. وما يحصل في التّجربة الإنسانيّة إنّما هو استمرار للصّراع بين السّيطرة والتّضامن. قديمًا كنّا نتحدّث عن جدليّة السّيّد والعبد واليوم يجب كسر هذا المنطق واستبداله بمحاربة السّيطرة لصالح الأخوّة واعتماد خيار التّضامن بدل العداوة والإستبعاد.

يدعونا المسيح القائم من الموت إلى إعادة عقارب أملنا إلى السّاعة. فهو يملأ بالسّعادة قلوبنا وبالقوّة إرادتنا ويجدّد دعوته لكي نصبح حقًّا إخوة وأخوات وننشر الأخوّة الّتي يستهزئ بها كلّ قايين في العالم. إنّه يذكّرنا باستعداده للمجيء والمساعدة عندما نطلبه وهو جاهز لمساعدة رؤساء العالم الّذين يريدون السّلام.  

إخوتي وأخواتي كونوا على ثقة بأنّ الاقتصاد ليس هو من سينقذ العالم وإنّما خلاص العالم يأتي من قيم الحبّ والتّضامن والعدالة الّتي وحدها تعطي القيمة لحياتنا.

ونحن نعلم جيّدًا كم أنّ فرنسا تعمل من أجل السّلام في أوروبا وفي منطقتنا الممزّقة وكيف أنّها تستجيب لعهد معموديّتها. نحن نصلّي على نيّتها لكي تبقى رأس حربة في كلّ معركة من أجل الحرّيّة وحقوق الإنسان والشّعوب على الأرض. ولنصلّي من أجل لبنان سائلين الله نعمة أن ينبعث وطننا من جديد من تحت الرّماد وأن يجد دوره في المنطقة وفي العالم."