لبنان
14 كانون الأول 2020, 09:45

الرّاعي كرّس كابيلة مار يوسف في المستشفى اللّبنانيّ الجعيتاويّ

تيلي لوميار/ نورسات
كرّس البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي كابيلة مار يوسف في المستشفى اللّبنانيّ الجعيتاويّ الجامعيّ في قدّاس إلهيّ ترأّسه يوم السّبت، ألقى خلاله عظة جاء فيها:

"1.بعد البشارة لمريم المخطوبة ليوسف، بأنّ إبن الله سيولد منها بقوّة الرّوح القدس، وبأنّها أمّه وهي عذراء، كان البيان ليوسف عن حقيقة حبل مريم، وعن أبوّته للمولود منها، وهي أبوّة شرعيّة علامتها أنّه يأخذ مريم وطفلها إلى بيته، وأن يسميّه يسوع. فكان كلام الملاك له في الحلم: "لا تخف يا يوسف، ابن داود، أن تأخذ مريم امرأتك. لأنّ الّذي وُلد فيها هو من الرّوح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع" (متّى 1: 20-21). هذا ما فعله عندما قام من النّوم (راجع الآية 24). يا لها من طاعة قلبٍ يحبّ الله!

في العيد الطّقسيّ الّذي تحتفل به الكنيسة غدًا الأحد، نلتمس شفاعة القدّيس يوسف لنتعلّم جمال الأبوّة المنفتحة بروح الطّاعة لإرادة الله والتّعاون في تحقيق تصميمه الخلاصيّ.

2. نحتفل بتكريس مذبح كنيسة القدّيس يوسف في هذا المستشفى اللّبناني الجعيتاويّ، وفي القلب غصّة لغياب المثلّث الرّحمة المطران كميل زيدان الّذي رمّمها من ماله الخاصّ قبل وفاته. وعندما أوقع فيها الأضرارَ انفجارُ مرفأ بيروت، شاءت عائلته إعادة ترميمها إحياءً لذكراه، هو الّذي كان للقدّيس يوسف في قلبه تكريم خاصّ، وكان يلجأ إلى شفاعته في مختلف ظروف حياته. فكانت له ميتة صالحة في هذا المستشفى الموضوع تحت حماية القدّيس يوسف وشفاعته، كما شاءه المؤسّس المرحوم الأباتي يوسف سلوان الجعيتاويّ.

نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة وصلاة وضع البخور لراحة نفس المثلّث الرّحمة المطران كميل، ولعزاء عائلته، ولشكرالله ومار يوسف على حماية الأرواح من أيّ ضرر على الرّغم ممّا أحدث الانفجار من أضرار في المبنى من كلّ جوانبه. ويسعدني أن أحيّي بناتنا راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، بنات المكرّم البطريرك الياس الحويّك، أبي لبنان الكبير ومؤسّسه، اللّواتي يتولّين إدارة هذا المستشفى بحكم توليتهنّ الخاصّة عليه وفقًا لشروط صكّ الوقفيّة الّذي وضعه الأب المؤسّس. فنشكرهنّ على حسن القيام بالواجب. نحيّي الرئيسة العامّة الأمّ ماري أنطوانيت ومجلس المشيرات العامّات ورئيسة هذا المستشفى والرّاهبات العاملات فيه. نسأل الله، بشفاعة القدّيس يوسف، أن يبارك جمعيّتهنّ وينمّيها بالدّعوات المقدّسة وبنجاح مؤسّساتها.

3.أقتبس نقاط التّأمّل في هذه العظة من الرّسالة الرّسوليّة لقداسة البابا فرنسيس بعنوان: "بقلب أبويّ"، لمناسبة الذّكرى 150 لإعلان القدّيس يوسف شفيعًا للكنيسة الكاثوليكيّة، وهو إعلان يعود للطّوباوي البابا بيوس التّاسع في 8 كانون الأوّل 1870. وقد أصدر البابا فرنسيس هذه الرّسالة في 8 كانون الأول الجاري. ويذكّرنا بأنّ القدّيس يوسف معلنٌ أيضًا "شفيعًا للعمّال" من المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر، و"حارس الفادي" من القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني. و"شفيع الميتة الصّالحة" في التّقوى الشّعبيّة، و"حارس الكنيسة" و"حامي البؤساء والمعوزين والمتألّمين" في تعليم الكنيسة.

4 يستهلّ قداسة البابا فرنسيس رسالته بتحيّة تقدير إليكم أيّها الأطبّاء والممرّضون والممرّضات والموظّفون الّذين، في هذا المستشفى وسواه من أمثاله، وبخاصّة في زمن جائحة كورونا، تسندون حياة أشخاص عاديّين، وغالبًا مسنّين، وأنتم لا تحتلّون الصّفحات الأولى من الصّحف والمجلّات، ولا تظهرون في مواكب الاستعراض، غير أنّكم ومن دون شكّ تكتبون اليوم أحداثًا حاسمة من تاريخنا، ويقيّم عملكم الخفيّ المرضى الّذين يلجأون إلى عنايتكم.

5. أنتم مدعوّون للعمل بروحانيّة القديّس يوسف. فاكتسبوا ثقة المرضى بكم لما تتميّزون به من اهتمام بهم بسخاء وفرح. عاملوهم بحنان يعكس حنان الله وانحناءته على جراح البشريّة. فالقدّيس يوسف أحاط بهذا الحنان يسوع الطّفل وأمّه مريم. ساعدوا المرضى بهذا الحنان على قبول ضعفهم متّكلين على نعمة الله، "صامدين في الرّجاء ضدّ كلّ رجاء" (روم 4: 18). إنّ الله يحقّق تصميمه الخلاصيّ من خلال ضعفنا ومخاوفنا وسرعة عطبنا. في الأوقات الحرجة التّي يمرّ فيها المرضى، ذكّروهم كيف أنّ القدّيس يوسف اتّخذ موقف الطّاعة الصّامدة لكلّ إيحاءات الله الّتي كانت تصل إليه في الحلم، مثل مريم الّتي قالت نعم عند البشارة، ونعم عند أقدام الصّليب. في النّعم الأَوّلِ أصبحت أمّ إبن الله بالجسد، وفي النّعم الثّاني أصبحت بالرّوح أمّ كلّ إنسان والبشر أجمعين والكنيسة بشخص يوحنّا: "يا امرأة هذا ابنك" (يو 19: 26).

6. إستقبلوا مرضاكم وساعدوهم، بروحانيّة القدّيس يوسف، ليتصالحوا مع تاريخ حياتهم الشّخصيّ بقبوله من منظار تصميم الله الخلاصيّ بهدوء ومن دون اضطراب. فالله وحده يستطيع اعطاءنا القوّة لقبول الحياة كما هي، ولافساح مكان لما هو نقيض رغبتنا وانتظارنا، ومخيّب لآمالنا. فلا بدّ من أن نسمع في أعماق نفوسنا كلمة الرّبّ ليوسف: "لا تخف" (متّى 1: 20)، لكي نصمد في الإيمان ونعطي معنى لكلّ حدث من حياتنا أكان حلوًا أو مرًّا. فلا توقفنا الصّعوبات بل نستنبط طرقًا لحلولها. هكذا فعل القدّيس يوسف في مختلف حالات العائلة المقدّسة الصّعبة، في بيت لحم، ومصر، والنّاصرة.

7 استمدّوا من القدّيس يوسف العامل وشفيع العمّال المثاليّ معنى العمل الّذي تقومون به. وهو ليس فقط وسيلةً لتأمين عيش كريم، بل أيضًا وخاصّةً مشاركة في عمل الله في الخلق وفي الخلاص، ومساهمة في بناء ملكوت الله، ملكوت المحبّة والعدالة والأخوّة والسّلام، وإنماء القدرات والمواهب والصّفات الشّخصيّة بغية وضعها في خدمة المجتمع والشّركة. إنّ عملكم الاستشفائيّ يمكّن المريض من إستعادة صحّته ونشاطه ليعود إلى مزاولة العمل وتأمين عيشه الكريم الّذي يضمن كرامته. نلتمس شفاعة القدّيس يوسف، شفيع العمّال، أن يتوفّر العمل لكلّ شاب وصبية وشخص وعائلة، على الرّغم من الشّلل الّذي أحدثه وباء كورونا.

8. إنّ أبوّة القدّيس يوسف ليسوع كانت ظلّ أبوّة الآب السّماويّ على الأرض. فحرس يسوع، وحماه، ولازمه. علّمنا القدّيس يوسف انّنا لا نولد آباء وأمّهات، بل نصبح أبّا وأمًّا، عندما نتولّى أولادنا بروح المسؤوليّة. على مثال الأبوّة الجسديّة تكون الأبوّة الرّوحيّة في الكنيسة. العالم بحاجة إلى أبوّة. فهو يرفض الرّؤساء ويريد آباءً، ويرفض الّذين يخلطون بين السّلطة والتسلّط، وبين الخدمة والاستعباد، وبين المواجهة والظّلم، وبين المحبّة ومنيّة المساعدة، وبين القوّة والدّمار.

9. أليست السّلطة المدنيّة نوعًا من أبوّة تجاه المواطنين، ولكنّ هذه السّلطة لا تكون أبوّة، إلّا إذا اتّصفت بفضيلة العفّة، على مثال أبوّة يوسف. العفّة لا تعني البتوليّة، بل التّحرّر من التّملّك في كلّ ميادين الحياة. الحبّ نفسه، إذا لم يكن عفيفًا، مال إلى تملّك الآخر، واستعماله، واستغلاله، وخنقه، وجعله تعيسًا.

السلطة عندنا في لبنان أصبحت منظومة سياسيّة حاكمة، فسقطت وحرمت نفسها من ثقة الشّعب والعالم، لأنّها لم تكن عفيفة، بل جاءت لتستملك المال العامّ والشّعب والدّين فأفرغت الخزينة، ورمت الشّعب في البؤس، وسيّست الدّين والطّوائف وجعلتها بغيضة, هذا هو الفساد بالذّات. ورأسه عدم تشكيل حكومة من اختصاصيّين من دون انتماءاتٍ حزبيّة، لا كما رأينا في الصّحف، إذا صدقت، حقائب موزَّعةٌ على الأحزابِ والتّيّاراتِ والكُتلِ النّيابيّةِ على الأُسسِ ذاتِها التي كانت تُعتمَدُ في تأليفِ الحكومات السّياسيّة السّابقة. كيف يُشرح لنا هذه التّناقض الّذي سيؤدّي بها حتمًا إلى الفشل. أيّها المعنيّون مباشرةً بتأليف الحكومة كفاكم لعبًا بالوقت الضّائع وبمصيرِ الوطنِ وحياةِ النّاس. كونوا أكثر جديّة! ألّفوا حكومةً بالتّشاورِ لا بالتَضادّ. ألّفوا حكومةَ إنقاذٍ من اختصاصيّين مستقلّين وذوي كفاءةٍ عالية، فتبدأ بالإصلاحاتِ، لعلَّ البلادَ تعود إلى دورتِها الطّبيعيّة، بأسرع ما يمكن.

وكيف نكافح الفساد ونحن نشاهد تعطيل عمل القضاء الحرّ والمسؤول عن هذه المكافحة، بتلوينه طائفيًّا ومذهبيًّا وسياسيًّا.

قلنا أنّ أولى مقوّمات "الحياد النّاشط"، الّذي هو باب خلاص لبنان، تكوين سيادة الدّولة بسلاحها الشّرعيّ وفرض القانون والعدالة على الجميع. إنّنا في هذه الموجة العارمة بوجه القضاء الملتزم بممارسة واجبه، ندعو السّياسيّين إلى تحييد لبنان عن تسييس الدّين والطّائفة، من أجل حماية الوحدة الدّاخليّة والمساواة في دولة القانون، بل ندعوهم إلى تحييد ذواتهم عن ذواتهم ليسلم الخير العامّ.

10. إنّنا نلتمس شفاعة القدّيس يوسف لينعم علينا الله صفات هذا القدّيس وفضائله، لمجد الثّالوث القدّوس الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين."