الرّاعي: كم نحتاج إلى آباء راسخين في الإيمان، أوفياء في المحبّة، حكماء في القيادة
وللمناسبة، ألقى الرّاعي عظة بعنوان "من يحبّني يحفظ كلمتي، أبي يحبّه وأنا أحبّه، إليه نأتي وعنده نجعل منزلًا" (يو 14: 21 و 23)، قال فيها:
"1. تحتفل الكنيسة اليوم بسرّ سكنى الله في الإنسان. فالإله، خالق السّماء والأرض، لا يسكن في هياكل من صنع البشر فقط، بل أيضًا وخاصّةً يريد أن يسكن في قلب الإنسان وكيانه وضميره وعقله وفي عائلته الكنيسة المنزليّة الصّغيرة. هذه السّكنى هي نتيجة محبّة المسيح القائل: "من يحبّني يحفظ كلمتي، أبي يحبّه وأنا أحبّه، إليه نأتي وعنده نجعل منزلًا" (يو 14: 21 و 23).
2. وتحيي الكنيسة اليوم "عيد الأب". إنّا في المناسبة نهنّئ كلّ أب ونتمنّى له العمر الطّويل، ونسأل الله أن يكافئه على تعبه في سبيل إعالة عائلته. وإنّي أحيّي اللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة بشخص رئيسها، سيادة أخينا المطران منير خيرالله، راعي أبرشيّة البترون، ونائب الرّئيس وأعضاء اللّجنة. كما أحيّي مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الكرسيّ البطريركيّ بشخص منسّقه قدس الأباتي سمعان بو عبدو ومعاونيه المهندس سليم وريتا خوري. فأشكرهم على تنظيم هذا الاحتفال.
بالمناسبة يكرّم هذا العام الأزواج الّذين فاقت حياتهم الزّوجيّة السّتّين سنة، ومن بينهم زوجان يحتفلان بتسع وستّين سنة من حياتهم الزّوجيّة. فنهنّئ جميع المحتفلين بيوبيلهم الّذي يفوق السّتّين سنة. وهذه نعمة من الله نشكره عليها مع جميع الأزواج المحتفلين.
3.أن يجعل الله سكناه في الإنسان الّذي يحبّه حافظًا كلامه ووصاياه، فهذه من أعظم نعم الله للإنسان. فالله لا يريد أن يكون معنا فقط، بل أن يسكن فينا. ولا يريد أن يباركنا من بعيد، أو يرشدنا من فوق، بل يريد أن يقيم منزلًا في قلب الإنسان، ويوجّهه من الدّاخل. الله يسكن في من يحبّه، ويحفظ كلامه ووصاياه، لأنّه حيث يوجد الحبّ، يوجد الله.
هذا هو السّرّ العظيم: الإنسان مدعوّ ليكون سكنى الله الحيّ، وصورة حضوره بحفظ كلام الرّبّ ووصاياه. والبيت المسيحيّ المبنيّ على المحبّة والوفاء هو كنيسة منزليّة، يتجلّى فيها حضور الله عبر المحبّة الزّوجيّة، وتربية الأولاد وممارسة الفضائل اليوميّة.
4. في عيد الأب، نحيّي من هو الرّكن الأساس في العائلة والمجتمع، الّذي يعكس محبّة الله الآب في حياة أولاده. هو الّذي يعمل بصمت، يضحّي بحبّ، يقود بحكمة، يربّي بأمانة. اليوم نكرّم الآباء الّذين يجسّدون في بيوتهم وعائلاتهم وجه الآب السّماويّ. في زمن كثرت فيه التّحدّيات العائليّة، والضّغوط الاجتماعيّة والاقتصاديّة والنّفسيّة، يبقى الأب حجر الزّاوية، السّاهر على وحدة العائلة وتماسكها. كم نحتاج إلى آباء راسخين في الإيمان، أوفياء في المحبّة، حكماء في القيادة، يعلّمون أولادهم بالمثل قبل الكلام. إنّه صورة الآب السّماويّ في الحنان والحكمة والحضور الدّائم!
5.نكرّم اليوم الأزواج الّذين عاشوا الأمانة لوعدهم وعهدهم فوق السّتّين سنة. ستّون سنة من الأمانة والتّحدّيات والانتصارات، من الغفران المتبادل، من عيش سرّ الشّركة في عمقها. هؤلاء الأزواج يشهدون بأفعالهم على أنّ الحبّ الحقيقيّ يدوم، وأنّ الزّواج المسيحيّ، إذا تأسّس على كلمة الله، يمكنه أن يصمد بوجه كلّ العواصف. يعلّموننا أنّ الحبّ لا يشيخ، وأنّ الأمانة ليست حلمًا، وأنّ العائلة قادرة على الصّمود، إذا كانت متجذّرة في الله.
6. على الصّعيد الوطنيّ، رئيس الجمهوريّة في الوجدان اللّبنانيّ، وفي ضمير الشّعب، ليس مجرّد رئيس سياسيّ، بل هو أب الوطن. وهو الّذي يجسّد وحدة البلاد، ويحمل همّ الجميع، ويعبّر عن الأمل المشترك. وهو المسؤول الأوّل عن وحدة الكيان، وعن حماية الدّستور، وعن السّهر على خير الجميع. هو مرجعيّة وطنيّة جامعة، ومثالٌ يحتذى به في التّجرّد، والعدالة، والتّسامح، والحنوّ الأبويّ.
إذا كانت العائلة نواة المجتمع، فإنّ السّلطة السياسيّة والإداريّة، حين تكون صادقة وأمينة تحوّل الوطن إلى بيت كبير، يتّسع لجميع أبنائه، دون تمييز أو تهميش. نداؤنا إلى كلّ من يتحمّل المسؤوليّة، أن يعيش مهمّته بروح الأب: يصغي لمتطلّبات شعبه، يحمي أبناء وطنه، يسهر على مستقبلهم، يكون قدوة في السّلوك والنّصح. فالوطن لا يُبنى إلّا بأيدٍ أمينة، وقلوب تحبّ، ونفوس مستعدّة أن تخدم، لا أن تستفيد.
7. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، ملتمسين من الله أن يسكب نعمته: على كلّ أب ليكون مرآة أبوّته وحنانه، وعلى كلّ زوجين ليظلّا شهودًا للحبّ الأمين، وعلى كلّ عائلة لتبقى البيت الّذي يسكنه. للثّالوث القدّوس، الآب والإبن والرّوح القدس، كلّ مجد وشكر الآن وإلى الأبد، آمين."