لبنان
09 أيلول 2017, 13:26

الراعي : لبنان مليء بأماكن العبادة والكنائس والمزارات، فلنشكر الله على أن إيمان شعبه يتزايد وينمو ولا سيّما في أوساط الشبيبة والعائلات

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تكريس كنيسة ومذبح السيدة ام الله في المقر البطريركي الاسبق في يانوح - قضاء جبيل. وبعد الانجيل ألقى الراعي عظة بعنوان : "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى 16: 18)، قال فيها:

 

1. على صخرة إيمان بطرس بنى يسوع كنيسته. فعندما أعلن سمعان إيمانه بيسوع أنّه "ابن الله الحيّ" (متى 16: 18)، قال له: أنت الصخرة - أي بطرس باليونانيّة واللاتينيّة، أما بالآراميّة-السريانيّة لغة يسوع فسمّاه كيفا – "وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي".

بهذا الإيمان بنى شعبنا وما زال الكنيسة الحجريّة في كلّ مكان، كتعبير عن إيمانهم بالمسيح – إيمان بطرس، وكجماعة مؤمنين يشكّلون "بيت الله" و"هيكله الروحي".

2. كنيسة السيّدة العذراء، أمّ الإله، في يانوح، التي نحتفل اليوم بتكريسها تندرج في هذا الخطّ، إذ بناها الأجداد لتكريمها في جبّة المنيطرة ويانوح، من المسيحيّين والمسلمين. إنّها لنا جميعًا مدعاة سعادة وتعزية.

السعادة لأنّ هذه الكنيسة تُبعث من موت الدمار وانتهاك قدسيّتها، بعد أجيال طمست هوّيتها فأُخفيت عن العيون، وحتى عن إشارة الصليب عند المرور بقربها. لكنّها ظلّت، بالرغم من كلّ ذلك، "بيت الله"، "وبيت العذراء" أمّ الإله، لا مجرّد آثار حجريّة.

هي إرادة العذراء "المطمورة تحت الركام" – إذا جاز التعبير – التي حرّكت العزيز الخوراسقف عبدو يعقوب، القاضي في محكمة الروتا الرومانية وشقيقه المهندس منير، لطلب الاستئذان بالترميم، وهي العذراء مريم التي انتزعت منّا القرار الفوري في مثل هذا اليوم من العام الماضي أثناء زيارتي الراعوية. ومنذ ساعة إعلان القرار في 10 أيلول 2016، انهالت على الخوراسقف عبدو طلبات المساهمات العينيّة. فكان الإنجاز العجيب والجميل في غضون سنة. فلهما ولهم جميعًا جزيل الشّكر منا، وفيض الخير والنعم من سيّدتنا مريم، أمّ الإله، سيّدة هذا المكان.

3. أما التعزية فهي أنّ هذه الأرض المقدّسة بالمقرّ البطريركي الذي سكنه بطاركتنا لمئات السنين وفي تربتها الطيّبة دُفنوا، ومطارنتنا وشعبنا المؤمن، استعادت قدسيّتها بعد رميها في حالة الدمار والنسيان، واعتبارها مجرّد آثار حجرية تاريخيّة في عهدة المديرية العامّة للآثار. ولكن، بعد انبعاث كنيسة سيّدتنا مريم أمّ الإله تحت الركام، بدأت إشارات بانبعاث المقام البطريركي المقابل، إذ زارنا منذ شهر المدير العامّ للآثار الأستاذ سركيس الخوري مع مجموعة من مُحبِّي هذا المكان، وعرضوا فكرة المباشرة بصنع شيء لانبعاث قدسيَّته. فرحّبتُ وشكرت وشجّعت، علمًا أن هذا المطلب وهذه الرغبة كانا يُطرحان علينا من سنوات. نأمل أن تسعف السيّدة العذراء في تحقيق هذه النوايا.

4. وبما أنّ تعاطينا ليس فقط مع آثار حجرية، بل مع "بيت الله" و"هيكله" الذي قدّسه بطاركتنا، بسكنهم وقبورهم، والذي طالما منه أعلنوا إيمانهم – إيمان بطرس "بيسوع ابن الله الحيّ.وها نحن اليوم هنا، للاحتفال معًا بترميم "بيت الله" الحجري، وببناء جماعتنا المؤمنة، وإعلان إيمانها البطرسي.

وبما أنّ هذه الكنيسة هي مجرّد مزار يرعاه الكرسي البطريركي، لكونه تابعًا له، لا كنيسة رعائيّة، فإنّها تنتصب، في هذا المكان المقدّس، كعلامةِ إيمانٍ بالله، وتكريمٍ لسيّدتنا مريم أمِّ الإله. فنستلهم كلّ فكر بنّاء وعمل صالح.

5. إنّ لبنان مليء بأماكن العبادة والكنائس والمزارات. فنشكر الله على أن إيمان شعبه يتزايد وينمو ولا سيّما في أوساط الشبيبة والعائلات. ولكن في المقابل، توجد أزمات سياسيّة واقتصاديّة ومعيشيّة وأمنيّة تزعزع هذا الإيمان، بل تحاربه بممارسات شاذَّة وخاطئة، من مثل تفشّي المخدّرات وتعاطيها، والفلتان الأخلاقي، والابتعاد عن الممارسة الدينيّة.

6. إنّنا في كنائسنا نصلّي من أجل الحكّام المدنيّين، كي يمارسوا بإيمانٍ عملهم التشريعي والإجرائي والقضائي والإداري، مستلهمين الحكمة الإلهيّة والقيم السماويّة في ممارسة مسؤوليّاتهم العديدة والمتشعِّبة. وأودّ أن أوجّه من هنا، الآن بنوع خاصّ، نداء إلى معالي وزير الطاقة والمياه وسكّان المنصورية، لمقاربة موضوع تمرير خطّ التوتر العالي بالحوار البنّاء والعلمي، وللوصول إلى الحلّ الذي يوفّر الخير العام الذي منه خير الجميع وخير كلّ مواطن. ونطالب بوقف القمع واحترام الرّأي الموضوعي السليم.

7. ونطالب من ناحية أخرى بإجراء الانتخابات النيابيّة الفرعيّة، عملًا بموجب ما يأمر به الدستور، وبالاستعداد الجدّي والمسؤول بإعداد الانتخابات العادية في شهر أيار المقبل وإجرائها، وفقًا لِما يرسم الدستور، واحترامًا لإرادة الشعب اللبناني.

إنّنا نضع هاتَين المسؤوليّتَين في عهدة فخامة رئيس الجمهوريّة، الذي أقسم وحده اليمين على حماية الدستور، وعلى وحدة الشعب اللّبناني.

وفيما نحيِّي بالصلاة شهداء الجيش، وبالتعزية عائلاتهم والجيش اللبناني، عمادًا وضبّاطًا وعسكريِّين، نرجو من اللّبنانيّين والجماعة السياسيّة المحافظة على الوحدة الوطنيّة التي وطّدت أواصرها دماءُ هؤلاء الشهداء الأبرار، وقد أراقوها على مذبح الوطن.

ونكل هذه الأمنيات إلى حماية أمِّنا وسيّدتِنا مريم العذراء، سيّدةِ يانوح، وسيّدة لبنان. وليكن كلُّ ذلك لمجد الله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين.