الرّاعي لشبيبة الانتشار: أنتم قلب الوطن النّابض في العالم
هكذا وصف البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي شبيبة الانتشار خلال توجّهه إليهم في عظة القدّاس الإلهيّ الّذي ترأّسه يوم الجمعة في الدّيمان، فقال منطلقًا من الآية "لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تلبسون" (متّى 6: 25):
"1. بهذه الكلمات لا يقصد الرّبّ يسوع تجاهل ضروريّات الحياة، بل يريد أن يفتح أمامنا أفقًا أوسع: أن لا نجعل همّ الغد يسرق منّا فرح اليوم، وأن لا نُستعبد لقلق الغد، وننسى أنّنا في يد الله.
الرّبّ يسوع في محبّته، لا يعدنا بعالم خالٍ من الصّعوبات، لكنّه يعدنا بمرافقة إلهيّة لا تنقطع. يدعونا أن نطلب ملكوت الله وبرّه، لأنّنا لسنا عبيد الخوف بل أبناء الرّجاء.
وأنتم يا شبيبة الانتشار، يا أبناء لبنان الوطن الممزّق في جسده، المشرق بروحه، أنتم شهود هذا الرّجاء في العالم، بجذور من وطنكم الأمّ. أنتم مستقبل لبنان ووجهه في العالم، ولا شيء يوازي غنى إيمانكم وكرامة رسالتكم.
2. فيسعدني أن أرحّب بكم جميعًا في هذه اللّيتورجيا الإلهيّة. حضوركم معنا اليوم ليس عابرًا، بل هو حضور ينبض رجاء، ويجسّد صلة الوصل بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر. أنتم أبناء هذه الأرض، وإن كنتم تعيشون بعيدًا عنها، وأنتم أبناء الرّسالة أينما حللتم.
ويطيب لي أن أحيّي المؤسّسة المارونيّة للانتشار وأكاديميّتها، والسّيّدة روز شويري ريئستها، والسّيّدة هيام بستاني أمينها العامّ، شاكرًا لهما الاهتمام بجمع شبيبة الانتشار وبالشّبيبة اللّبنانيّة.
3. يا شبيبة الانتشار، أنتم صورة لبنان الجميل، الكريم، المتجذّر في القيم. أنتم رسل هذا الوطن في العالم، وأنتم رسل العالم إلى الوطن. أنتم تؤكّدون أنّ لبنان ليس وحيدًا، فأنتم باندفاعكم وحضوركم وتفاعلكم، تعيدون إليه شبابه وأمله. وجودكم اليوم يقول: لبنان باقٍ، وشعبه لا يقهر. نحن نحتفل معكم بهذا القدّاس الّذي هو سرّ الاتّحاد بين الله والإنسان، وسرّ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
4. يا شبيبة الانتشار، إن كنتم ولدتم في الانتشار، أو هاجرتم إليه، فاعلموا أنّكم لم تخرجوا من نعمة لبنان، بل أنتم لبنان الخارج من حدوده ليبلغ إلى أقاصي الأرض. أنتم صوت لبنان في العالم، وقلبه النّابض في الغربة. "لبنان أكثر من بلد. إنّه رسالة"، كما سمّاه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني. ونقول لكم اليوم: أنتم أكثر من منتشرين، أنتم سفراء الرّسالة اللّبنانيّة. أنتم تحملون القيم، والثّقافة، والإيمان، والجذوز، والذّاكرة، والتّاريخ. أنتم سفراء لبنان بصداقاتهم، وبأخلاقكم في أعمالكم، في فنّكم، في علمكم، في شهاداتكم.
5. أنتم الحاضر الّذي يصنع المستقبل، أنتم الوجه الحقيقيّ لصورة لبنان أمام العالم. لا تظنّوا للحظة أنّكم فقط أولاد الاغتراب، أو أبناء المسافة. أنتم قلب الوطن النّابض في العالم، أنتم سفراؤه الحقيقيّون. أنتم تثبتون في بلدان الانتشار، أنّ اللّبنانيّ قادر أن يتألّق، أن ينجح، أن يساهم في بناء المجتمعات، أن يزرع القيم والمبادئ في قلوب الأجيال. أنتم الدّليل أنّ لبنان لا يموت، لأنّه متجذّر فيكم.
6. سجّلوا قيودكم في سجلّات النّفوس اللّبنانيّة. لا تكتفوا بالحنين، بل ترجموه إلى وجود قانونيّ ووطنيّ. فالجنسيّة ليست عاطفة فقط، بل انتماء فعليّ، وجذور يجب تثبيتها في الأرض والمؤسّسات. كونوا على تواصل دائم مع لبنان بثقافتكم وزياراتكم ودعمكم.
7. نشكركم أيّها الشّباب على مجيئكم وعلى محبّتكم. عودوا إلى بلدانكم مفعمين بالتّعزية، وتذكّروا دومًا لبنان كمستقبل نبنيه معًا. لترافقكم النّعمة الإلهيّة أينما كنتم، ولتظلّلكم مريم أمّنا بحمايتها، ولتبق أرزات لبنان شاهدة أنّ لبنان سيقوم بشبابه وانتشاره وقدّيسيه."