لبنان
24 تموز 2023, 05:00

الرّاعي مستنكرًا سحب المرسوم الجمهوريّ من البطريرك ساكو: هذا انتهاك لكرامته ولكرامة الكنيسة والمسيحيّين في العراق

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد التّاسع من زمن العنصرة، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في الدّيمان، حيث كانت له عظة بعنوان "روح الرّبّ عليّ: مسحني وأرسلني" (لو 4: 18)، جاء فيها:

"1. نبوءة أشعيا الّتي كتبها عن يسوع، إبن الله المتجسّد، ستماية سنة قبل ميلاده، تمّت عندما دخل يسوع هيكل النّاصرة ذات سبت كعادته، وقرأها: "روح الرّبّ عليّ: مسحني وأرسلني" (لو 4: 18). بهذا الإعلان انكشفت هويّة يسوع المسيح، ورسالته.

هويّته هي مسحة الرّوح القدس الّذي ملأ بشريّته. هذه المسحة جعلته بحسب مفهوم الكتب المقدّسة، نبيًّا وكاهنًا وملكًا؛ أمّا رسالته فهي:  

نبويّة: "أرسلني لأبشّر منكسري القلوب، وأعيد البصر للعميان"(لو 4: 18).

وكهنوتيّة: "أرسلني لأشفي منكسري القلوب التائبين، وأحرّر المأسورين" (المرجع نفسه).

وملوكيّة: "أرسلني لأعلن زمنًا مرضيًّا للرّبّ" (لو 4: 19).

لقد أشركنا المسيح الربّ بهويّته ورسالته، فأصبحتا هويّة كلّ مسيحي ورسالته. نصلّي لكي نكون مخلصين لهما، وملتزمين بهما.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، وإذ أرحبّ بكم جميعًا، أودّ توجيه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم شفيق نعمة الله افرام الّذي ودّعناه الثّلاثاء الماضي مع زوجته السّيّدة ميراي توفيق طويلي وابنيه، ومنهما الأخ ماريانو في الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، مع ابنتيه وشقيقيه وعائلة شقيقه المرحوم الوزير جورج افرام وشقيقاته وأهالي حارة صخر والكثيرين من الأصدقاء والمعارف في لبنان والخارج. نصلّي في هذه الذّبيحة المقدّسة لراحة نفسه، ولعزاء أسرته.

ونرحّب بالهيئة التّنفيذيّة لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللّبنانيّة الّذين يحملون همَّ الجامعة وتقدّمها وتطوّرها، وهمّ طلّابها السّبعين ألفًا، والاعتناء بمستواهم العلميّ الظّاهر في الدّاخل اللّبنانيّ وفي الخارج، على الرّغم من رواتبهم الهزيلة، وفقدان تغطيتهم بضمانهم الصّحّيّ والاستشفائيّ، ورزوحهم تحت عبء أقساط أولادهم في المدارس والجامعات.

وقد رفعوا إلينا سبعة ملفّات سنسعى مع المعنيّين إلى تلبيتها وهي:  

1. دعم موازنة الجامعة الّتي تدنّت بشكل خطير.

2. دعم صندوق التّعاضد وتمويله.

3. دخول الأساتذة المتفرّغين إلى الملاك.

4. إعادة النّظر في الرّتب والرّواتب.

5. ملفّ التّفرّغ.

6. تحصيل أموال فحوصات الكورونا (PCR) العائدة لإدارة الجامعة.

7. تعيين عمداء أصيلين.  

ونرحّب أيضًا بمجلس إدارة إرساليّة القدّيسة رفقا للرّجاء والرّحمة، مقدّرين ما تقوم به من مبادرات وأعمال المحبّة الاجتماعيّة لدى الأفراد والجماعات. كافأهم الله بفيض من نعمه وبركاته.

4. لقد آلمنا القرار الّذي اتّحذه رئيس جمهوريّة العراق السّيّد عبد اللّطيف رشيد، بسحب المرسوم الجمهوريّ من غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل الأوّل ساكو، ظلمًا واتّهامًا. وهذا انتهاك لكرامته ولكرامة الكنيسة والمسيحيّين في العراق. ومعلومٌ أنّ من واجب الدّولة احترام أنظمة الكنيسة وقوانينها الّتي تحصر بقداسة البابا حقّ النّظر في أيّ قضيّة جزائيّة تختصّ بالبطاركة والكرادلة والأساقفة، إذا ما وُجدت.

فإنّا نضمّ صوتنا إلى جميع المطالبين من فخامة رئيس الجمهوريّة العراقيّة الرّجوع عن قراره، من أجل عيش مشترك سليم في دولة العراق العزيزة، حيث المسيحيّون جزء لا يتجزّأ من مكوّناتها التّاريخيّة ولهم الفضل التّاريخيّ الكبير في ثقافتها وحضارتها. إنّ تاريخ بطاركتهم خير شاهد على نضالهم من أجل وطنهم وعزّته وكرامته. إنّ قرار رئيس الجمهوريّة العراقيّ بالنّتيجة لا يخدم أمّته العراقيّة.

5. بالعودة إلى إنجيل اليوم، نتذكّر أنّ بالمعموديّة والميرون أشرك الرّبّ يسوع المسيحيّين بهويّته ورسالته. فكونه الرّأس أشرك أعضاء جسده بذات الهويّة والرّسالة، ولهذا السّبب نصبح مسيحيّين بالمعموديّة والميرون.

أ- يشارك المسيحيّون في رسالة المسيح النّبويّة بقبول كلمة الإنجيل، والعيش بمقتضاها، وإعلانها بالكلمة والأعمال شاهدين لأولويّة الله في حياتهم، وللحقيقة وكرامة الإنسان، ولقدسيّة الحياة البشريّة. وبهذه الصّفة يعمل المسيحيّون على بناء ملكوت الله، بحيث تُبنى مدينة الأرض بقيم السّماء، ويندّدون بالشّرّ بجرأة، أيًّا يكن نوع هذا الشّرّ. وهم مدعوّون بحكم هذه المشاركة، لتجسيد جدّة الإنجيل في حياتهم العائليّة والاجتماعيّة وفي الثّقافة والشّأن السّياسيّ العامّ. وهكذا يصمدون، برجاء وطيد، بوجه المشقّات والمحن والمصائب.  

ب- ويشارك المسيحيّون في رسالة المسيح الكهنوتيّة بصفتهم أعضاء في جسده السّرّيّ. تقتضي منهم هذه المشاركة أن يتّحدوا بذبيحة المسيح الخلاصيّة عندما يتعبون ويبذلون الجهود من أجل القيام بالواجب في العائلة والكنيسة كما وفي المجتمع والدّولة، وعندما يتألّمون من المرض أو الفقر أو الفشل أو أيّ صعوبة. وقد اعتدنا أن نقول في هذه الحالة، وبهذه النّيّة: "مع آلامك يا يسوع".

وبهذه المشاركة الكهنوتيّة يضمّون إلى قربان يسوع المسيح في ذبيحة القدّاس قرابين أعمالهم الصّالحة ومبادراتهم الخيّرة، وآلامهم الجسديّة والنّفسيّة، والجهود الّتي يبذلونها في سبيل الحقيقة والخير والعدل والسّلام والتّفاهم بين النّاس. إنّ قرابينهم الرّوحيّة هذه يرفعونها إلى الله الآب مع قربان إبنه الوحيد، بكلّ تقوى.  

ج- ويشارك المسيحيّون في رسالة المسيح الملوكيّة، بانتصارهم على الضّعف والانحراف والاستعباد، وبصراعهم الرّوحيّ من أجل تدمير سلطان الخطيئة والشّرّ. ويكرّسون حياتهم من أجل خدمة المحبّة وإحلال العدالة ونشر السّلام. ويعملون جاهدين من أجل الوحدة في العائلة والكنيسة والمجتمع والدّولة، ومن أجل المصالحة بين المتخاصمين. ويعتنون عنايةً خاصّة بالفقراء والضّعفاء والمعوزين، مادّيًّا وروحيًّا ومعنويًّا.

6. لا يوجد إنسان أو مجموعة منظّمة أو شعب أو دولة من دون هويّة ورسالة. لبنان بحكم نظامه السّياسيّ ودستوره وميثاقه الوطنيّ وموقعه الجغرافيّ معروف بهويّته وهي: الانتماء إليه بالمواطنة لا بالدّين، والوحدة في التّعدّديّة الثّقافيّة والدّينيّة، والانتماء الكامل إلى منظّمة الأمم المتّحدة وإلى جامعة الدّول العربيّة، والإقرار بشرعة حقوق الإنسان وجميع الحرّيّات العامّة وفي مقّدمتها حرّيّة المعتقد، وهو جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة.  

أمّا رسالته فهي العيش معًا بالتّساوي والاحترام المتبادل بين المسيحيّين والمسلمين، وجعله وطن التّلاقي والحوار وقبول الآخر المختلف والاغتناء المتبادل من ثقافته الخاصّة. ورسالته كدولة حياديّة أن يكون له دور رائد في كلّ ما يختصّ بالعدالة والمصالحة والعيش بسلام وتعزيز حقوق الإنسان في إطار الإجماع العربيّ.  

7. لكنّ هويّة لبنان ورسالته مهدّدتان بالتّشويه والانهيار بسبب عدم الالتزام بمضمون الدّستور، وعدم تطبيق اتّفاق الطّائف (وثيقة الوفاق الوطنيّ) نصًّا وروحًا، وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة؛ وبسبب تعمّد عرقلة انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبالتّالي جعل المؤسّسات الدّستوريّة تتساقط الواحدة تلو الأخرى لأهداف مشبوهة من المعرقلين. مشكورة هي لجنة الدّول الخمس على حملها همّ لبنان ومستقبله أكثر بكثير من السّلطات اللّبنانيّة الممعنة في الهدم والتّخريب.

وإنّ مطالبتنا بعودة النّازحين السّوريّين إلى بلدهم، فلكي يحافظوا هم على هويّتهم ورسالتهم من جهة، ولكي لا يكونوا سببًا آخر في تشويه هويّة لبنان ورسالته.  

8. فلنصلِّ إلى الله كي نحافظ كمسيحيّين على هويّتنا ورسالتنا المسيحانيّتين، وكلبنانيّين على هوّيتنا ورسالتنا الضّروريّتين لبيئتنا العربيّة وللعالم. ومعًا نرفع المجد والشّكر للآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."