لبنان
16 كانون الأول 2025, 06:00

الرّاعي مفتتحًا تساعيّة الميلاد: في زمن ميلادك نسجد أمام القربان ونسلّمك كلّ شيء

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي مساءً، تساعيّة عيد الميلاد المجيد، في دير سيّدة الزّروع في حرم الجامعة الأنطونيّة- الحدث، بحضور رئيس الجمهوريّة العماد جوزيف عون واللّبنانيّة الأولى السّيّدة نعمت عون، وعدد من النّوّاب والوزراء والفعاليّات.

خلال الصّلاة، تأمّل الرّاعي أمام القربان المقدّس، وقال:

"1. ها نحن ساجدون أمام القربان المقدّس، في الجامعة الأنطـونيّة، مع فخامة رئيس الجمهوريّة واللّبنانيّة الأولى، ومع الأب العامّ ومع أصحاب السّيادة والوزراء والنّوّاب ورئيس الجامعة، والرّهبان والرّاهبات، والمؤمنين، والشّخصيّات والفعاليّات. هذا السّجود يجمعنا حول السّرّ الواحد، حيث يتراجع كلّ شيء ليبقى الله في الوسط، الإله الّذي اختار التّواضع طريقًا، والقرب سكنًا، والعطاء أسلوب وجود.

نضع يا ربّ بين يديك هذه الجماعة المؤمنة، وهذه الجامعة الّتي نحتفل بيوبيلها الثّلاثين سنة بما تحمله من رسالة فكريّة وثقافيّة وروحيّة. نضع بين يديك فخامة الرّئيس وكلّ من حضر اليوم ليقف في حضرتك بالصّلاة. ونضع بين يديك وطننا، بكلّ ما يحمله من تطلّع وتعب، وأنت الّذي عرفت كيف تولد في البساطة، وكيف تبقى حاضرًا في الخفاء، وتعرف كيف تعمل في القلوب والتّاريخ في آن.

2. نحن ساجدون، لأنّ السّجود هو اللّغة الّتي يتكلّم بها القلب عندما تعجز الكلمات. السّجود هو اعتراف هادئ بأنّ الله سبقنا بالمحبّة، وبالقرب، وبالعطاء. السّجود هو فعل ثقة، وتسليم، وفتح باب أمام السّرّ ليعمل في العمق. هنا لا نطلب تفسيرًا، ولا نبحث عن وضوح كامل، بل نقبل أن نسكن في حضرة الله، كما نحن.

في افتتاح تساعيّة الميلاد، نقف في حضرة سرٍّ لا يشيخ. الميلاد ليس ذكرى نحتفل به بل حضور نعيشه. في الميلاد يعطينا الله طفلًا، وفي القربان يعطينا ذاته. في الميلاد يقترب من الإنسان، وفي القربان يختار أن يبقى معه. ما بدأ في بيت لحم لم يتوقّف هناك، بل يستمرّ هنا، أمام هذا المذبح، حضورًا صامتًا وأمينًا لا يزول.

3. أمامك يا ربّ، نعترف أنّ العالم يمجّد القوّة، وأنت اخترت الضّعف. العالم يضجّ بالكلام، وأنت اخترت الصّمت. العالم يسعى إلى الامتلاك، وأنت اخترت العطاء الكامل. في القربان، كما في الميلاد، تكشف لنا طريق الخلاص، طريق التّواضع، والانحناء، والبذل، طريق الحبّ الّذي يصل حتّى النّهاية.

في هذا السّجود، نفهم معنى الميلاد الحقيقيّ. فالله لم يدخل العالم بالسّطوة، بل بالصّمت. لم يفرض ذاته، بل قدّمها عطيّة. لم يأتِ ليُخدَم، بل ليَخدم. في هذا السّجود نعترف بإيمان بسيط وعميق أنّ الميلاد يتجدّد كلّ مرّة ننحني أمامك، وكلّ مرّة نفتح قلوبنا لحضورك.

4. في هذه التّساعيّة، نأتي إليك لا لنضيف على حضورك شيئًا، بل لنسمح لحضورك أن يبدّلنا. نأتي إليك لا لنملأ الوقت بالكلام، بل لنترك للصّمت أن يتكلّم. نأتي لا لنعرف أكثر، بل لنثق أكثر. نأتي حاملين معنا ما في القلوب من انتظار وصلاة، ونضعه أمامك، لأنّ القربان هو مكان اللّقاء، والميلاد هو بداية الرّجاء.

5.يا ربّ، إجعل من هذه التّساعية مسيرة تجديد للقلوب، ومدرسة للتّواضع، ودعوة صامتة لنحمل الميلاد من المذود إلى المذبح، ومن المذبح إلى العالم.

في زمن ميلادك، نسجد أمام القربان. نسجد بكلّ ما نحن عليه، بضعفنا، برجائنا، بوطننا وكنيستنا، ونسلّمك كلّ شيء.

أنت هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد، الطّفل في بيت لحم، والخبز على المذبح.

وأمام هذا السّرّ لا نملك إلّا أن نصمت، ونؤمن، ونسجد، رافعين المجد للآب والابن والرّوح القدس، الآن وكلّ أوان وإلى أبد الآبدين، آمين."