لبنان
30 نيسان 2020, 09:30

الرّاعي من بعبدا: علينا أن نضع أيادينا بأيادي بعضنا البعض وما من أحد عليه أن يتفرّج أو يخجل أو ينتقد

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، عند التّاسعة والنّصف من قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وعرض معه الأوضاع الرّاهنة في البلد إضافة إلى الخطّة الاقتصاديّة الّتي تنوي الحكومة إقرارها خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم للنّهوض بالأوضاع الاقتصاديّة ومعالجة الأزمة الماليّة الّتي تتخبّط فيها البلاد.

من جهته، عرض البطريرك الرّاعي للرّئيس عون ما تقوم به الكنيسة المارونيّة لمساعدة المواطنين على الصّمود في ظلّ هذه الظّروف الصّعبة، إضافة إلى الاجتماع الموسّع الّذي سيعقد الأسبوع المقبل في هذا الإطار في الصّرح البطريركيّ والّذي سيضمّ الأساقفة الموارنة إلى جانب الرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات للرّهبانيّات وممثّلي المنظّمات المارونيّة. وجدّد البطريرك الرّاعي دعمه لرئيس الجمهوريّة والحكومة في ما يقومان به في ظلّ هذه الأوضاع.

وبعد اللّقاء، أدلى البطريرك الرّاعي بالتّصريح التّالي إلى الصّحافيّين فقال: "تشرّفت بلقاء فخامة رئيس الجمهوريّة، لأنّه لم نلتق معًا منذ فترة طويلة، ذلك أنّ وباء كورونا حال دون هذا التّلاقي، لاسيّما في زمن عيد الفصح، الّذي كان عادة يشكّل مناسبة للّقاء. وقد قدّمت لفخامته التّهاني بالعيد، كما عرضت له ما نقوم به ككنيسة مارونيّة من أبرشيّات ورهبانيّات رجاليّة ونسائيّة، من عمليّات إغاثة حاليًّا، وأطلعته على الاجتماع الّذي سيعقد الأربعاء المقبل والّذي سيضمّ الأساقفة والرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات إضافة إلى المنظّمات المارونيّة كالرّابطة المارونيّة، والمؤسّسة المارونيّة للانتشار، والمؤسّسة البطريركيّة للإنماء وغيرها... لنرى كيف يمكننا أن ننشّىء شبكة تغطّي كافّة الأراضي اللّبنانيّة بحيث لا تكون هناك من عائلة تعاني من الجوع أو محرومة. وقد أطلعت فخامته على هذا الموضوع، لأنّنا جميعًا مسؤولون، ككنيسة وشعب، كي نتمكّن من اجتياز هذا الظّرف الصّعب عالميًّا، وكوننا أيضًا نجتاز داخليًّا ظرفًا صعبًا. من هنا أهمّيّة أن نضع جميعنا أيادينا بأيادي بعضنا البعض. وقد تكلّم فخامته على اجتماع مجلس الوزراء اليوم والخطّة المقترحة لتعزيز الاقتصاد الإنتاجيّ."  

وقال: "نحن علينا كلبنانيّين أن نضع أيادينا بأيادي بعضنا البعض، فنحن نمرّ بصعوبة كبرى لكن ما من أحد عليه أن يتفرّج أو يخجل أو ينتقد. نحن مدعوّون لأن نتساعد".

أضاف: "أريد أن أوجّه تحيّة إلى الثّوّار. لقد حيّينا دائمًا الانتفاضة من أساسها، وقلنا إنّنا مع مطالبكم، ونشعر فيها معكم كمواطنين لبنانيّين. لكنّنا كنّا دائمًا ننادي أن تكون الثّورة على الدّوام بنّاءة وحضاريّة وثقافيّة، بحيث تظهر وجه لبنان إلى العالم. أمّا أن نصل إلى ما يحدث اليوم من تعدٍّ على الأملاك العامّة والخاصّة، وتعدِّ على الجيش والأمن الدّاخليّ ومن استخدام للحجارة، فهذا ما لا يمكن أن نقبل به على الإطلاق. نحن مع مطالب شعبنا وحاجاته، ويدمي قلبنا أن نسمع مواطنًا يقول إنّه جائع. وهذه دعوة إلى الجميع للمساعدة، ولكن من غير المسموح لأحد أن يقوم بما ذكرته، ذلك أنّ الأمر معيب جدًّا ولا يعطي ثقة بلبنان، بل يدفع العالم بأسره إلى إسقاطنا من عينه، في الوقت الّذي لبنان فيه غير هذا الواقع."

وتابع: "لقد تكلّمت بكافّة هذه القضايا مع فخامة الرّئيس، وأكّدت له أنّنا مع فخامته، ومع الحكومة ومع مجلس النّوّاب وكافّة مؤسّسات الدّولة الدّستوريّة، وندعمها كلّها كي تخدم شعبنا في هذا الظّرف الصّعب. إنّ الكرة الأرضيّة مشلولة بأسرها ونحن متأثّرين بهذا الأمر، إنّما علينا أن نعرف كيف نسند بعضنا البعض لكي ننهض من جديد."

وردًّا على سؤال حول ما إذا كان الأمر يستدعي تكاتف كافّة القوى السّياسيّة مع بعضها البعض أيضًا، أجاب: "أنا شخصيًّا من الأساس، داعم للحكومة لأنّه لا يمكننا أن نعيش في حالة اللّااستقرار والفراغ. ولقد دعمت الحكومة، والبعض لم يعجبه الأمر. لكنّني لم أدعمها "كرمى لسود عيون أحد"، إنّما من أجل لبنان، الّذي لا يمكنه أن يسير من دون مؤسّسات دستوريّة. هذا هو الموقف الّذي اتّخذته ولا زلت عليه إلى الآن. إنّ البلد لا يتحمّل أبدًا أبدًا أيّ هزّة، ولا يتحمّل أبدًا أيّ فراغ. علينا أن نواجه واقعنا، لذلك علينا أن نتكاتف. وهذه هي الدّعوة الّتي أوجّهها إلى الجميع وإلى كافّة المسؤولين عن الأحزاب إلى جميع الّذين يتعاطون في الشّؤون السّياسيّة. علينا أن نضع جانبًا كافّة مشاكلنا الخاصّة واختلافات الرّأي في ما بيننا، ونضع جميعنا أيادينا بأيادي بعضنا البعض.

وسئل عن موقفه من موضوع حاكميّة مصرف لبنان، وعمّا إذا بحثه مع رئيس الجمهوريّة، فأجاب: "لا لم نأت على ذكره. لكن هذا الموضوع أخذ الكثير من الرّدود وفي غير محلّه. إنّ رئيس الحكومة قال ما قاله، والحاكم قال ما قاله أيضًا، وأصبح العمل الآن في الدّاخل. ما قلته يقوم على وجوب أن يسمعوا لبعضهم البعض ويقرّروا وفق الطّرق الدّستوريّة وليفتحوا كافّة القضايا الّتي نحن بحاجة إليها. هذا الموضوع أصبح بالنّسبة لي ورائي. فكل أحد قال ما قاله، وأصبح عملهم كمسؤولين في الدّاخل. نحن نساندهم كمسؤولين لاتّخاذ ما يجب من قرارات".

وسئل أنّه لماذا كلّما يتمّ فتح أيّ ملفّ ينبري رؤساء الطّوائف للدّفاع عن صاحبه وفق انتمائه الطّائفيّ، فأجاب: "أنا لم أدعم الحاكم على هذا الأساس. وعندما دعمت الحكومة والرّئيس دياب ليس لأنّهم موارنة. نحن لا ندعم في أيّ مرّة على أساس طائفيّ. نحن ندافع عن المؤسّسات الدّستوريّة. وإذا ما تكلّمت فليس على أساس أنّ فلان مارونيّ أم لا. في العظة ذاتها كنت أطالب بحقوق الأخوة الأرثوذكس، هل لأنّهم موارنة؟ نحن لا نقف أبدًا إلى جانب أحد على أساس طائفيّ. نحن نقف إلى جانب المؤسّسات الدّستوريّة ومع حفظ كرامات جميع النّاس.

وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت من موجبات التّكاتف الّذي دعا إلى انعقاد طاولة حوار وطنيّ، فأجاب: "أمر طبيعيّ، فغير الحوار لا يوصل إلى مكان. نحن نطلب هذا الأمر من الجميع، ذلك أنّنا على متن سفينة واحدة، إمّا أن نسقط جميعنا وإمّا أن نصل جميعنا إلى الميناء. ليس هذا الوقت للعودة إلى الماضي. علينا أن نسير إلى الأمام ونطلع من ذواتنا، ونرى أين هي المصلحة العامّة، ونضع أيادينا بأيادي بعضنا البعض."

وسئل عمّا يقوله للّبنانيّين الّذين ينزلون إلى الشّارع بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، فقال: "نحن ندعو أن يقدّر الله الحكومة برئاسة فخامة رئيس الجمهوريّة على وضع الخطّة الاقتصاديّة ومباشرة العمل بموجبها. وأريد أن أتوجّه إلى المجتمع اللّبنانيّ بالقول إنّ المعالجة لا تقوم على أساس كبسة زرّ. علينا أن نهدأ قليلًا ونحتمل قليلًا ونساعد بعضنا البعض. من هنا تحدّثت على دور الكنيسة الّذي نقوم به الآن في كيفيّة مساندة النّاس في الوقت الّذي تضع فيه الدّولة خطّتها. لأنّه ليس بمجرّد أن نضع الخطّة اليوم تكون قد نفذت في الغد. إنّ التّنفيذ يتطلّب وقتًا، ونحن علينا أن نتساعد لكي نتمكّن من الصّمود."

وإختتم بالقول: "لا نريد أن ينام أحد جائعًا ولا أن يموت على الطّرقات أيّ جائع. هذا هو عملنا إلى حين تكون الدّولة قد وضعت خطّتها وقامت بخدمة جميع المواطنين. فإذا قام كلّ قادر وكلّ فئة بمساندة الآخر لنتمكّن من مساندة شعبنا، يكون هذا الأمر أفضل ما يمكن أن نقوم به. المسؤولون ليسوا فقط أولئك الّذين هم في السّلطة، بل نحن جميعًا مسؤولون، كلٌّ من موقعه."