الرّاعي: نحن نشعر أنّ هناك حياة جديدة ونفسًا جديدًا في لبنان
وإلتقى الرّاعي السّفير المعيّن لدى الكرسيّ الرّسوليّ- الفاتيكان فادي عسّاف في زيارة بروتوكوليّة ثمّ عائلة المرحومة السّيّدة نهاد الشّامي الّذين شكروا البطريرك على مؤاساتهم ملتمسين بركته وصلواته لراحة نفس فقيدتهم ولأن يمدّهم الله بنعمته "لمتابعة مسيرة الإيمان والصّلاة ونشر الكلمة الّتي مشتها الشّامي على درب الرّبّ بشفاعة وعناية القدّيس شربل."
بعدها استقبل البطريرك الرّاعي المجلس التّنفيذيّ للرّابطة المارونيّة برئاسة مارون الحلو الّذي ألقى كلمة بالمناسبة قال فيها: "نتشرّفُ بزيارةِ غبطتِكم، غداةَ تزكيةِ الهيئةِ العامذة في الرّابطة المارونيّة مجلسَنا التّنفيذيّ، لأخذِ البركة والتّوجيهاتِ في مستهلِّ ولايتنا. ولنعاهدُكم، وعبرَكم الموارنة واللّبنانيّين على أن تكونَ الرّابطة في السّنواتِ الثّلاثِ المقبلة، في الخطِّ التّاريخيّ للموارنة وللرّابطة، لاسيّما على مستوى الرّسالةِ الثّقافيّةِ والسّياسيّةِ الّتي اضطلَعوا بها من أجلِ لبنان في الماضي وفي الحاضر."
أضاف الحلو: "لقد مرّتْ خمسةُ عقود قاسيةٍ على لبنان. وما العهدُ الجديدُ الّذي أطلَّ على لبنانَ والمنطقة، على كلِّ الصّعد، سوى فرصةٍ نادرةٍ، على اللّبنانيّين اغتنامُها لإنقاذِ بلدهم. فقد تفيدُ الرّياحُ أشرعةَ سفينةٍ لكنَّها لا تحدّدُ لها وجهةَ الإبحار. وما لم يقبضْ اللّبنانيّون على الفرصةِ السّانحة ويُحسنوا التّعاملَ معها، واستخدامَها لمصلحةِ بلدِهم، فسيخسرون مرّةً جديدةً إمكانيّةَ استعادتِه. ولن يحسنَ اللّبنانيّون، وفي مقدّمِهم المسيحيّون، وبالأخصّ الموارنة، الاستفادةَ من الفرص، ما لم يحزِموا أمرَهم وينظّموا مجتمعهم ويجدّدوا دورهم في لبنان ومحيطه. لقد شهدتْ مساحةُ الحرّيّة الّتي شكَّلَها وطنُنا حروبًا باردةً وساخنةً متعدّدةَ الأبعادِ والمطامعِ والأوجه، وتأذّتْ كثيرًا إلى حدّ تصدُّعِ صورتِها في عيونِ أبنائِها، ومَن شكَّلتْ بنظرِهم سويسرا الشّرق. وتبرزُ اليوم حاجةٌ ملحّةٌ لإعادةِ ثقةِ اللّبنانيّين، بلبنانَ ومستقبلِه ونوعيّةِ الحياةِ فيه، إذ إنّ تفاقمَ فقدانِ الأملِ من إمكانيةِّ استعادتِه تألّقَه، ينعكسُ دائمًا سلبًا على مستوى تنامي الهجرة الاغترابيّة نحو الغرب، ومستوى تلاشي إرادةِ الحفاظِ على طابعِ لبنانَ التّاريخيّ."
وتابع: "ثمّة انطباعٌ عام أنّ الحالَ في لبنان يجب ألّا تستمرّ على ما هي عليه، وأنّ لبنانَ يحتاجُ إلى استنهاضٍ، ولطالما اعتبرَ فؤاد افرام البستاني أنّ شرطَ استنهاضِه هو استنهاضُ الموارنةِ أنفسِهم. ومهمّةُ الرّابطةِ ومسؤوليّتُها، في هذا الصّدد، واضحتان، وتقعان في منزلةِ العقلِ والقلبِ في الجسد. من هنا انبرينا كموارنة، حريصاتٍ وحريصين على مستقبلِ وطنِنا وشعبِنا، للقيامِ بواجبِنا والسّعي لإطلاقِ ديناميةٍّ تغمسُ من الجذورِ الأصالةَ والصّلابةَ والرّؤيةَ، وتتكحّلُ بمقتضياتِ الحداثِة ووسائلِها ولغتِها، للنّهوضِ بالرّابطةِ وبثِّ روحٍ متجدّدةٍ لتفعيلِ حضورِ الموارنة ودورِهم في قلبِ لبنانَ بالتّعاونِ مع المؤسّساتِ والجمعيّاتِ المسيحيّةِ وغير المسيحيّةِ، في سبيلِ إعادةِ الاعتبارِ إلى الفكرةِ اللّبنانيّة وتجربتِها في مجالِ التّآخي بين مختلفِين يجمعُهم هدفٌ أسمى وهو تأمينُ الحياةِ الأفضلِ للشّعبِ اللّبنانيّ من دون الانغماسِ في زواريبِ المصالحِ الضّيّقةِ والارتقاءِ بلبنانَ إلى رحْبِ المساحاتِ الثّقافيّة والأفكارِ البنّاءة."
وأردف الحلو: "إنّ الحاجةَ اليوم، أكثرَ من أيِّ يومٍ مضى، إلى استلهامِ القيمِ المارونيّةِ الأصيلة وإعادةِ صوغِها بلغةِ العصرِ وحقوقِ الإنسان. لذا تشكَّلَ فريقُ عملٍ متعدّدُ الاهتماماتِ والاختصاصاتِ واختار "التّجذّرَ والتّجدّدَ" عنوانًا لخطّةِ عملِه الّتي سينفّذُها خلال السّنواتِ الثّلاثِ المقبلة، تحت عباءة الصّرحِ البطريركيّ، وضمنَ توجّهاتِه ورؤيتِه التّاريخيّةِ لرسالةِ لبنانَ، ودورِه في محيطهِ والعالم. لذا سيضعُ أعضاءُ المجلسِ التّنفيذيّ الجديد نصبَ أعينِهم تاريخَ الموارنة المجيد، وسيستلهمون أداءَهم في مختلفِ المحطّاتِ والمنعطفاتِ والمراحلِ التّاريخيّةِ المتعاقبة، حين حافظتِ الجماعةُ المارونيّة على دورِها النّهضويّ الرّائدِ، من خلالِ حرصِها على التّجدّدِ المستمرِّ كي تتمكّنَ من مواصلةِ هذا الدّور، عبرَ الانفتاحِ الدّائمِ على كلِّ ما هو جديدٍ وعصريّ في العالم، واستيعابِه وإعادةِ تقديمِه بما يتوافقُ مع حاجاتِ المنطقة الّتي يعيشون فيها. فأخذت هذه الجماعة خيار العلم والثّقافة والمدارس النّظاميّة ابتداء من القرن السّادس عشر في جبل لبنان وروما، والمطبعة في القرن السّابع عشر والتّعليم الإلزاميّ في الثّامن عشر، والجامعات والصّحافة في القرنين التّاسع عشر والعشرين."
وختم الحلو: "بهذا الخيار، أخذَ الموارنةُ مكانتَهم الّتي يَحنّون إليها اليوم، ويَحنُّ إليها باقي الجماعاتِ الّتي يتعايشون معها في لبنان والمنطقةِ العربيّة، كما يوحي سؤالُ الباحثِ الدّرزيّ أنيس يحيى: "هل تُبدعُ العبقريةُ المارونيّةُ بعد انقضاء العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، دورًا لهم تحتاجُه باقي المجموعاتِ اللّبنانيّة، وكذلك العواصمُ الفاعلة؟ إنّ تزكيةَ المجلسِ التّنفيذيّ الّتي تمّتْ من دونِ تدخُّلِ مرجعيّاتٍ كبرى دينيّة أو سياسيّة أو حزبيّة أو اجتماعيّة أمرٌ نادرٌ في الوسط المارونيّ يستوجبُ التّهيُّبَ أمامه، والتّوقّفَ عنده، وتلقّف دلالاته المهمّة. إذ إنّه يعبِّرُ عن حاجةٍ كامنةٍ لدى النّخبِ المارونيّةِ بوجوبِ التّخفيفِ من التّشنّجِ وتهدئةِ الخواطرِ والتقاطِ الأنفاس، في بيئةٍ تُعاني من تفاقمِ التّنافسِ المَرَضيّ والانقساماتِ منذ نحو قرن من الزّمن. لدينا الكثيرُ من التّصميمِ لكي نكونَ على مستوى الآمالِ المعقودة، وبصلواتِكم وتوجيهاتِكم سنتحمّلُ المسؤوليّة، والله وليّ التّوفيق."
بدوره رحّب البطريرك الرّاعي بالرّئيس الجديد للرّابطة وأعضائها متمنّيًا لهم النّجاح. كما وجّه تحيّة إلى رؤساء الرّابطة السّابقين ومجالسها التّنفيذيّة وأعضائها مثمّنًا كلمة رئيس الرّابطة الّتي عرض فيها برنامج العمل في خدمة المارونيّة.
وهنّأ الرّاعي الحضور على "تجنّبهم الانتخابات واللّوائح والوصول إلى التّوافق وهذه ميزة فريدة وأمر جديد يشهده لبنان. إنّ عدم إجراء انتخابات في الرّابطة يعكس روحًا جميلة أدّت إلى التّوافق، وهو أمر لم يكن سهلًا في السّابق، وهنا لا بدّ من شكر السّفير خليل كرم الرّئيس السّابق للرّابطة على الدّور الّذي لعبه في هذ الشّأن."
أضاف: "الموارنة لديهم لبنان أوّلًا، لذلك هم منفتحون على كلّ اللّبنانيّين وعلى الحوار والتّعاون. فلبنان والموارنة توأم. يولد الموارنة ويولد معهم حبّهم للبنان، يعملون وفقه في حياتهم اليوميّة. وبالنّسبة لنا هذا هو دور الموارنة، وهو أن يكونوا لكلّ اللّبنانيّين ومع كلّ اللّبنانيّين لبناء لبنان الحضاريّ والتّعدّديّ والدّيمقراطيّ ولبنان الحرّيّات العامّة. إنّ لبنان الّذي نرى فيه ضوءًا جديدًا للأمل تمثّل بانتخاب فخامة الرّئيس جوزف عون ودولة رئيس الحكومة نوّاف سلام والوزراء. نحن نشعر أنّ هناك حياة جديدة ونفسًا جديدًا في لبنان، وهذا ما نعتبره من علامات الزّمن الّتي يعطينا إيّاها الله، ونحن ندرك جيّدًا أنّ لبنان يقوم على سواعد شعبه وكلّ واحد منّا له دوره، وليس فقط الرّؤساء الثّلاثة."
وإختتم الرّاعي: "الرّابطة تجمع المورانة، وتجعلهم في خدمة لبنان، والله هو من يحافظ على لبنان وعلينا نحن أن نلعب دورنا. عشتم، عاش لبنان، وعاشت الرّابطة المارونيّة".