لبنان
02 كانون الثاني 2020, 14:50

الرّاعي يترأّس جنازة المثلّث الرّحمة المطران شكرالله حرب

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرّاعي جنازة المثلَّث الرَّحمة المطران شكرالله حرب في كاتدرائيَّة سيِّدة العطايا – المطرانيَّة في أدما وألقى عظة بعنوان "أَعْرِفُ خِرَافِي، وَخِرَافِي تَعْرِفُنِي" (يو14:10)، جاء فيها:

"عَرَفَ المثلَّث الرَّحمة المطران شكرالله النُّفوسَ التي خدَمَها طيلة اثنتين وثلاثين سنةً في أبرشيَّة جونيه، المعروفة سابقًا بأبرشيَّة بعلبك، قبل التَّقسيات الكنسيَّة. عرفَ خرافه عن قربٍ وشمَلَها بمحبَّته الرَّعويَّة، متعاونًا مع الكهنة والرُّهبان والرَّاهبات والمجالس واللِّجان والأخويَّات والمنظَّمات الرَّسوليَّة. فكشَفَ بمَثَل حياته وجهَ المسيح الذي قال عن نفسه: "أنا الرَّاعي الصَّالح، أعرفُ خرافي وخرافي تعرِفُني"(يو14:10). لقد حضَرَ أمام العرش الإلهيّ ليُسلِّمَ الوديعة، إذ انطفأ كالشَّمعة عند السَّاعة السَّادسة من صباح الثُّلاثاء بصمتٍ وهدوءٍ، تمامًا كما عاش.

لقد فُطِر على المحبَّة الرَّعويَّة مِن مَثَل والده الكاهن، الخوري بطرس حرب، إبن تنُّورين العزيزة، الذي كان يَخدُم رعيَّة اليمُّونة، وفيها وُلدَ المطران شكرالله في الخامس من أيَّار 1923. وتربَّى على الإيمان والصَّلاة إلى جانب شقيقٍ وثلاث شقيقات نسَجَ معهم ومع عائلاتهم أمتنَ روابط المودَّة الأخويَّة، وقد سبَقُوه جميعهم إلى بيت الآب.

دخَلَ المدرسة الإكليريكيَّة بفرَحٍ وَحماسٍ. وأنهى دروسه الفلسفيَّة واللَّاهوتيَّة في جامعة القدِّيس يوسف.وارتسَمَ كاهنًا في كنيستها في 14 أيَّار 1949. وبفَضلِ ما تميَّزَ به من نباهةٍ وفضائل كهنوتيَّةٍ، وما أظهَرَ من غَيرةٍ في الخدمة الرَّاعويَّة في بيروت، وفي التَّعليم في إكليريكيَّة مار عبدا هرهريا – جديدة غزير، أرسَلَتهُ السُّلطة الكنسيَّة لمتابعة دروسه العُليا.فقصَدَ باريس أوَّلاً حيث نال إجازةً في الحقّ القانونيّ والعلوم السِّياسيَّة من المعهد الكاثوليكيّ، ثمَّ انتقل إلى روما حيث نال شهادة الدُّكتورا في الحقّ القانونيّ والمدنيّ وشهادة الدُّروس في محكمة الرُّوتا الرُّومانيَّة. وكان في كلِّ ذلك يسمو في الفضيلة وطيبة الأخلاق وحُبِ العطاء.

ولمَّا عاد إلى لبنان، عُيِّن قاضيًا في المحكمة المارونيَّة، وخدَمَ في رعيَّتَي سيِّدة العطايا ومار يوحنَّا المعمدان في بيروت. وهناك عرفناه، وتجلَّى لنا فيه وجهُ الكاهن الغيور المُحِبّ والمحبوب.

وفي سنة 1962 أرسَلَه المثلَّث الرَّحمة البطريرك الكردينال مار بولس بطرس المعوشيّ إلى أوستراليا لخدمة رعيَّة سيدني، وبعد سنتين عُيِّن محاميًا عن العدل في محكمة الرُّوتا الرُّومانيَّة خلَفًا للمثلَّث الرَّحمة المطران فرنسيس الزايك. وفي 15 آذار 1967 انتخَبَه سينودس أساقفة كنيستنا المقدَّس، برئاسة المثلَّث الرَّحمة البطريرك الكردينال المعوشيّ مطرانًا لأبرشيَّة بعلبك التي أصبحَتْ فيما بعد أبرشيَّة جونيه في كسروان- الفتوح، فنيابةً بطريركيَّةً.

لقد عمِلَ كأسقفٍ في الأبرشيَّة مدَّة اثنتين وثلاثين سنةً بمحبَّةٍ وهمَّةٍ ونشاطٍ. فأَولى الكهنة والإكليريكيِّين عنايةً خاصَّةً. ووجَّهَ لجان الأوقاف، وبَنَى معهم ومع أبناء الرَّعايا العديد من الكنائس الجديدة والقاعات الرَّعائيَّة، ونشَّطَ الأخويَّات والمنظَّمات الرَّسوليَّة. وعلى الصَّعيد العُمرانيّ، جدَّدَ كرسيّ المطرانيَّة في عرمون بإضافةٍ جناحٍ للأسقف، وأسَّسَ ثانويَّة مار يوحنَّا في العقيبة، وبَنَى كرسيَّ المطرانيَّة هنا في أدما بكامل هيكليَّته، إلى أن أنجَزَ البنيان بكلِّ أجزائهِ سيادةُ أخينا المطران أنطوان نبيل العنداري. وترَكَ مقالاتٍ وكتيِّباتٍ في القضاء الكنسيّ وحياة الكاهن وتجدُّده الرُّوحيّ.

على صعيد الكنيسة، انتخَبَه سينودس أساقفتنا المقدَّس مشرفًا على محاكمنا الرُوحيَّة، ثمَّ مشرفًا عامًّا على توزيع العدالة ضمن الأراضي البطريركيَّة، فرئيسًا لمحكمة مجمع أساقفة كنيستنا المارونيَّة. وتعاونَّا معه، ومع المثلَّثَي الرَّحمة المطران رولان أبو جوده والمطران منصور حبيقه، في صياغة الشَّرع الخاصّ بكنيستنا المارونيَّة، والنِّظام الدَّاخليّ لكلٍّ من محكمتنا الابتدائيَّة الموحَّدة، ومحكمتنا البطريركيَّة الاستئنافيَّة. وانتُخبَ من آباء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك رئيسًا للجنة التَّعاون الرِّساليّ والانتشار، ورئيسًا للجنة المؤتمرات القربانيَّة.

وبعد استقالته من إدارة الأبرشيَّة لبلوغه السنّ القانونيَّة في حزيران 1999، سكَنَ في الكرسيّ البطريركيّ مدَّة عشرين سنةً حتَّى وفاته. فانخرَطَ تمامًا في حياة الجماعة البطريركيَّة، محافظًا بدقَّةٍ على أفعال الجماعة المشتركة، ناسجًا أفضل علاقات الاحترام مع السَّيِّد البطريرك والمودَّة الأخويَّة مع الأساقفة. وتميَّزَ بتكريمه الخاصّ للسيِّدة العذراء مريم، بتلاوة مسبحتها الورديَّة. وقد أعرَبَ أكثر من مرَّةٍ كم أنَّ العذراء الكلِّيَّة القداسة كانت ملجأَه في كلِّ صعوبةٍ، إذ كان يتوجَّه إليها بروح الأبناء ودالَّتِهم.

فيَحُقُّ له، بعد سبعٍ وتسعين سنةً من العمر، أنهاها بشيخوخةٍ جميلةٍ ومكرَّمةٍ وأنيقة، وبعد ثلاثٍ وأربعين سنةً من الرِّسالة الأسقفيَّة، أن يرفَعَ نشيد مريم: "تُعظِّمُ نفسي الرَّبّ، وتَبتَهجُ روحي بالله مخلِّصي" (لو1: 46-47). بهذه الرُوحانيَّة ختَمَ رحلته على وجه الدُّنيا مع اختتام العام 2019، ليَدخُلَ في مجد أبديَّةٍ لا نهاية لها من جودة الله. وفيما نحن نرافقه بالصَّلاة لينال ثواب الرُّعاة الصَّالحين، نرجو العزاء لأسرته وأن يكون لنا جميعًا خير شفيعٍ أمام العرش الإلهيّ. ونسأل الله أن يُعوِّض على الكنيسة برعاةٍ صالحين لمجد الثَّالوث القدُّوس، الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."