لبنان
27 كانون الأول 2022, 11:20

الرّسالة الرّعائيّة الميلاديّة للمتروبوليت موسي، ومضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه راعي أبرشية جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت سلوان موسي رسالة رعائيّة لمناسبة عيد الميلاد إلى المؤمنين، قال فيها:

كِبَر الإنسان بين كِبَر الله وكِبَر الكارزين به "لأن مَن هو أكبر؟ الّذي يتّكئ أم الّذي يخدم؟ أَليس الّذي يتّكئ؟ ولكنّي أنا بينكم كالّذي يخدم" (لوقا 22: 27).

أتانا يسوع مولودًا من العذراء مريم. إختار الفتاةَ مريم أمًّا له، وحشاها عرشًا له أرحب من السّماوات، وطبيعتَنا الجسديّة ليصير مثلنا، وفلسطين موطئًا لقدمَيه، وبرّيّةَ بيت لحم نزلًا يأويه، والمغارة مكانًا يستر عليه، والمذودَ متّكأ لرأسه، والأقماطَ لباسًا له.

هذه كانت البداية. أمّا شهودها فكانت الملائكة إذ أعلنوا العجبَ المستغرَب للرّعاة: "وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرّبّ" (لوقا 2: 11). ها المولود قد أتى على غفلة منهم، فتعجّبوا لاتّضاع مَن يسجدون له في السّماوات ويحجبون وجوههم عند مرآه. هكذا شهدوا لتدبير الله أمام الخليقة كلّها: "المجد لله في العُلى، وعلى الأرض السّلام، في النّاس المسرّة" (لوقا 2: 14).  

إلى هؤلاء، انضمّ رعاة كانوا في المحلّة، اندهشوا وخافوا من رؤية الملائكة، إذ "مجد الرّبّ أضاء حولهم". وإذ رأوا المولود، رجعوا "يمجّدون الله ويسبّحونه على كلّ ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم" (لوقا 2: 9 و20).  

وأخيرًا، أتى المجوس الآتين من الشّرق، فسجدوا للمولود وقدّموا له هداياهم فرحين فرحًا عظيمًا جدًّا لما اختبروه وعاينوه (متّى 2: 10 و11).

أمّا العذراء مريم فقد حفظت كلّ هذه الشّهادات وغيرها، وكانت تتأمّل بها في قلبها (لوقا 2: 19). لها أُعلن سرّ تجسّد المولود منها. وهي، وإن عاشت ميلادَه، وسرَّ تسبيحه على لسان الملائكة، وسرَّ الفرح بتدبيره بشهادة الرّعاة، وسرَّ عبادته والكرازة به بفضل المجوس، فقد سبقت كلَّ مخلوق بأن أودعت منذ البدء شهادتها بحقّ المولود منها: "تعظّم نفسي الرّبَّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي" (لوقا 1: 46).

هذا تأمّل بسيط في العيد استقيتُه ممّا جاء في الكتاب. قد لا يليق بكِبَر الحدث وعظمته. لكنّي أعرف رجلًا ينقلك إلى هذا المستوى، أيّ إلى كِبَر الله وكِبَر حدث تجسّده، ويدعوك أن تكون بدورك كبيرًا، أيّ أن ترتفع من ترابيّتك إلى مستوى قصد الله العظيم من أجلك، فتصير حينئذٍ في صلب حدث الميلاد ومشاركًا فيه وشاهدًا بدورك لعظمته وطابعًا إيّاك بختمه.

ربّ قائلٍ إنّي لا أترك مناسبة إلّا وأراها من خلال هذا الرّجل، عبر موقفه وأقواله في شيخوخة صالحة وبارّة. لا يكلّفه الأمر أن ينقلك إلى حيث القائل: "في البدء كان الكلمة"، أيّ إلى الله، ويجعلك تترك خجلك من كونك لا زلتَ بعيدًا عن أن تعي حقيقة إيمانك ودعوتك، ويعينك أن تدخل سرّ الخلاص من بابه العريض، من باب محبّة الله وقصده الأبديّ من أجلك، ومن باب الاتّضاع الحقيقيّ الّذي يعيشه كلّ مَن لامس سرّ الله وفَرِح به وطلبَه لنفسه وشارك به أترابه.

خدمة هذا الشّيخ الجليل هي على مثال خدمة يسوع، ويصحّ فيه ما قاله لتلاميذه قبيل آلامه: "لأنّ مَن هو أكبر؟ الّذي يتّكئ أم الّذي يخدم؟ أَليس الّذي يتّكئ؟ ولكنّي أنا بينكم كالّذي يخدم" (لوقا 22: 27). إذا كانت هذه هو كنه خدمة سلفي بيننا، الكبير- الخادم، فهل يمكن أن يكون هو "الذّهب واللّبان والمرّ" الّذي نقدّمه للمولود في بيت لحم، كأفضل عطيّة منّا لمعطيها إيّانا؟

الحمدلله أنّه لم يترك نفسه بدون شهود أوفياء له. وشاهدنا الجليل، كنجم وبصوت ملاك، أعطانا كلمة الله لنحبّها ونطلبها ونعمل بها ونمدّها في بنيان الذّات، وبنيان جسد المسيح، وبنيان كلّ شيء بحسب فكر المسيح، في عبادةٍ لا تعرف زيفًا أو زغلًا، ووعيٍ لا يعرف مجاملة أو مهادنة، وفكرٍ لا يهاب معرفة أو علمًا، وبشارةٍ لا تعرف كللًا أو رتابة، وخدمةٍ لا تعرف ذاتها، ومحبّةٍ لا تعرف تقزيمًا أو محاباة، وصلاةٍ لا تعرف سأمًا أو صغر نفس.  

في هذا العيد، انطلاق إلى بيت لحم، مع الرّعاة والمجوس. هيّا بنا إذًا ننطلق تاركين خلفنا كلّ شيء، أيًّا كان ومهما كان.

في هذا العيد، تسبيح مع الملائكة بانكشاف لسرّ عظمة الله وعظمة الإنسان معه. هيّا بنا إذًا نرفع تسبيح العارف والشّاكر والواثق!

في هذا العيد، تأمّل مع العذراء في أن نحفر هذا السّرّ في القلب والذّهن، في الكيان العميق. هيّا بنا إذًا نرجو ونعمل ليتجدّد هذا الكيان بفعل محبّة الله وتواضعه، فيتجدّد معه العالم!

في هذا العيد، هديّة نعطيها ونأخذها بآن. إنّهما المولود وولادتنا به. هيّا بنا إذًا نحتفل بهما!

لا يمكن أن يكون العيد أكبر من هذا. هو الكِبَـر كلّه ممدودًا إلى البشريّة كلّها.

ألا باركْ يا ربّ، في هذا العيد، سعينا إليك، وسعي أن نمدّك إلى أترابنا كما أوصيتَ!".