لبنان
16 تشرين الأول 2023, 13:50

الرّهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة أحيت ذكرى تغييب الأبوين الأنطونيّين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل

تيلي لوميار/ نورسات
في ذكرى تغييب الأبوين الأنطونيّين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل، احتفل الرّئيس العامّ للرّهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة الأباتي جوزف بو رعد بالذّبيحة الإلهيّة في دير مار يوحنّا القلعة- بيت مري، رُفعت خلالها الصّلاة على نيّة الأبوين المذكورين، وكلّ الّذي اختطفوا وغُيّبوا معهما بخاصّة السّيّدة فيكتوريا الدّكّاش الّتي كانت تخدم بمحبّة رهبان الدّير.

وعاون الأب العامّ الآباء المدبرّون، بحضور عدد من الرّهبان والكهنة والرّاهبات وعائلتي الأبوين المغيّبَين وحشد من الأصدقاء والمؤمنين.

وبجسب صفحة الرّهبانيّة على فيسبوك، ألقى رئيس الدّير الأب المدبّر بشارة كلمةً جاء فيها: "ثلاثة وثلاثون عامًا لم تبعدهُما عنّا سانحةً، غيابُهما حضورٌ دائمٌ، كاللّيتورجية المقدّسة حضورٌ فعليٌ وفاعل، ليست ذكرى بل احتفالًا مقدّسًا.

قدس الأباتي جوزف بو رعد السّامي الإحترام ومجلس المدبّرين الموقّر

أبيتم أن تكون زيارتكم الأولى إلى هذا الدّير المقدّس، إلّا احتفالًا بالذّبيحة الإلهيّة، ومطالبةً بالحقيقة الكاملة، عن الأبوين الذّخيرتين المغيّبين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل، ومعهما عشّيّة الدّير السّيّدة فيكتوريا الدّكّاش.

شهدت تلّة الأسياد بيت مري على عظمة هيكل أجدادنا الفينيقيّين "بعل مرقد"، كما على الحضارات العظيمة في تاريخ، مرورًا بالاحتلالات والانكسارات والانتصارات، ليبقى دير القلعة وكنيستُه ومذبحُه شهادًا، على مثال شفيعه مار يوحنّا المعمدان، الّذي ضُحِّي به من أجل رقصّةٍ، وبالحقيقة هو من ضحّى بنفسه شاهدًا وشهيدًا من أجل الكلمة والحقيقة، صوتًا صارخًا.

قدس الأب العامّ إخوتي وأخواتي أهل الأبوين الغاليين.

المسامحة تتطلّبُ معرفة، والمعرفة تتطلّبُ حقيقة، والحقيقة تتطلّبُ شجاعة، والشّجاعة تتطلّب قرارًا وإيمانًا. كانت وما زالت الحياة الرّهبانيّة موتًا وشهادةً في العالم، ومن أجل العالم. تعمل، ونتاجها تحرير الإنسان، مُقاومةً بالصّوم والتّقشّف والصّلاة ليبقى لبنان بتنوّعِه شهادةً ورسالة.  

هذا ما علّمنا إيّاه السّيّد المسيح بتجسّده على أرضنا مسيرة ثلاث وثلاثين سنةً، فمهما طالت جلجثتنا، فنحن سائرون نحو القيامة."

وألقى الأب العامّ بعد الإنجيل عظةً قال فيها: "إنّ أوجه الشّبه بين إنجيل اليوم والمناسبة الّتي نحتفل بها كثيرة وبليغة، فالرّبّ يتكلّم عن الخروف الضّالّ في وقت نجتمع فيه لنستذكر بألم وبقهر وبحزن تغييب أخوينا الأب ألبير شرفان والأب سليمان أبي خليل! أمّا الفارق الكبير بين كلمة الله الّتي نتأمّل بها والواقع الّذي نعيشه، هو أنّ قصّة الخروف الضّالّ تنتهي بفرح وقصّتنا ما زالت جرحًا مفتوحًا ينزف.  

يركز الإنجيل لا على قصّة الخروف الضّالّ وإنّما على الرّاعي الّذي أضلّ خروفه. فقد ترك الـ٩٩ خروفًا في البرّيّة ليفتّش عنه. هو ليس "كمالة عدد"، إنّه فريد في عينيه. يعرفه بإسمه. فقدانه يشكّل خسارة كبيرة وليس نقصًا في العدد وحسب. همّه ليس في تحديد ما خسر هو أو ممكن أن يخسر، وإنّما همّه عند الخروف الضّالّ؛ كيف يعيش في تيهه؟ ما الّذي يشعر به في وحدته؟ معتبرًا نفسه الضّمانة الوحيدة لعودته. وقد تحوّل قلق وخوف الرّاعي إلى فرح كبير بعد أن وجد خروفه الضّائع.  

واقعنا اليوم مؤلم جدًّا، ونهايته لم تكتمل. لقد أضعنا راهبين لكليهما قيمة كبيرة في قلوبنا. نعرفهما باسميهما، لهما تاريخًا وأصدقاء ومحبّين. فضلهما كبير على الرّهبانيّة وعلى أهلهما. ذكراهما ما زالت محفورة في قلب الرّهبانيّة الأنطونيّة رغم الحزن والقهر. ونحن مثل راحيل الّتي تبكي أولادها، نأبى أن نتعزّى.

في المرحلة الأولى من غيابهما، قامت الرّهبانيّة بمبادرات عديدة للتّفتيش عنهما دون أيّ جدوى. خارت قوانا مع مرور الزّمن، ولم يبق لدينا اليوم سوى طلب وحيد يشبه طلب مريم المجدليّة عندما زارت قبر يسوع الفارغ سائلةً البستانيّ: "أين وضعتموه؟". هذا هو جرحنا الأكبر الّذي يمنعنا من البكاء ويحبس غصّةً عميقةً في نفوسنا، هو أن نعرف أين هما أبوينا؟ أين وضعوهما؟  

أين وضعوا الأب ألبير، الّذي كان يتحلّى برهافة الحسّ والّذي عبّر عنه وساعدنا لنعبّر عنه من خلال مؤلّفاته الموسيقيّة. أين هو ذاك الّذي تميّز بلطافته، وتهذيبه، بخفّته وعدم أذيّته لأيّ إنسان.  

أين وضعوا رفيق مصيره الأب سليمان أبي خليل، الّذي ما زال ذكراه يرافقنا في جلساتنا الرّهبانيّة، والحديث عنه ينتهي دائمًا بابتسامة وضحكة، لأنّه عرف كيف يزرع الفرح والبهجة في حياته أينما وُجد.  

هذا كلّه دون أن ننسى أتعابهما وفضلهما على الرّهبانيّة وصلواتهما لها ولنا.  

يا ربّ أصغ إلينا! إليه وحده أرفع معكم صرختنا ووجعنا. فالمسؤولون والمعنيّون قد صمّوا آذانهم عن أصواتنا ومطالباتنا المتكرّرة. ولكن الرّبّ هو الوحيد الّذي يصغي كما أصغى لبكاء راحيل في الرّامة وطمأنها بأنّ أولادها سيرجعون وأعطاها رجاء لآخرتها. على هذا الرّجاء ما زلنا نعيش منذ ٣٣ سنة، ونئنّ منتظرين راحة البال والفؤاد، وها هو الرّبّ يدعونا اليوم من خلال سفر الرّؤيا الّذي تُلي على مسامعنا، لنستلهم يوحنّا الرّائي الّذي رأى مدينة الله، حيث سنرجع كلّنا، حيث نحلم أن نسكن، وهي مدينة لا هيكل فيها ولا موطئ قدم لله فيها لأنّها سُكنى الله حيث ثبّت عرشه. فيها سنلتقي به وجهًا لوجه، وفيها تنبت شجرة الحياة الّتي حُرّمت على بني آدم والّتي تحيي الآن الجميع دون استثناء. عزاؤنا الوحيد، أنّنا سنلتقي مجدّدًا بأبوينا في تلك المدينة، أينما وُجدا أو وُضعا على هذه الأرض.

أدعوكم لنصلّي اليوم من أجل راحتهما، وإلى جانب رغباتنا الحثيثة والمستمرّة أن نجدهما ونكشف مصيرهما مع جميع من غُيّبوا في هذا اليوم، أن نرفع أنظارنا وأهدافنا إلى ما هو أرقى وأجمل، إلى مدينة الله ومسكنه السّماويّ حيث سنجتمع كلّنا في الآخرة معهما صحبة الأبرار والصّدّيقين أمثالهما في لقاء كامل بحضور الرّبّ له المجد إلى الأبد."