لبنان
24 أيار 2019, 11:15

الرّاعي ترأّس قدّاس وقفيّة سيّدة العناية- أدونيس

ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي قدّاسًا احتفاليًّا على مذبح مزار قلب يسوع الأبرشيّ في وقفيّة سيّدة العناية- بتولية البطريرك المارونيّ- في بلدة أدونيس قضاء جبيل، عاونه فيه المطارنة ميشال عون حنّا رحمة وسمعان عطالله، كاهن الرّعيّة الخوري طانيوس ليان وخادم الوقفيّة الأب طوني خضرا.

 

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الرّاعي عظة قال فيها: "حدث الإنجيل الّذي سمعناه يرافق حياتنا كلّ يوم، السّفينة هي الكنيسة والعائلة والوطن ومؤسّساتنا، ووقفيّة سيّدة العناية هذه وكلّ واحد وواحدة منّا. المسيح فينا وبيننا، وإذا شعرنا بأنّه نائم أو غائب فلكي ننضج في إيماننا وفي الصّبر، ولكي نشعر بأنّنا بحاجة دائمة إليه، وبدونه لا نستطيع التّغلّب على عواصف الحياة ومصاعبها، ولذلك نحتاج دائمًا العودة إليه بالصّلاة والتّوبة والتماس تدخّله وهو بكلمة يهدّئ كلّ شيء تمامًا كما فعل. زجر الرّياح والعواصف فكان هدوء عظيم. يسعدني أن أكون معكم وأن نحتفل سويّة بهذه اللّيتورجيّة الإلهيّة وهي الزّيارة الأولى لهذه الوقفيّة بعد بداية خدمتي البطريركيّة والأولى بعد أن أنشئت الوقفيّة ووضعت تحت تولية البطريرك. إنّني معكم أقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة من أجل هذه الوقفيّة والقيّمين عليها والمحسنين ولجنتها الإداريّة وكلّ الّذين يؤمّونها، ويجدوا فيها الطّمأنينة والسّكينة، هي الّتي الرّبّ يسوع حاضر فيها باستمرار عبر سرّ القربان المعروض ليلاً ونهارًا لكي نأتي إليه في أيّ ساعة ووقت وأيّ ظرف. وعندما كنت في خدمتي الرّعويّة لأبرشيّة جبيل العزيزة وآتي إلى هذا المكان في مناسبات مختلفة كنت أرى عائلات وشباب وفتيان أمام الرّبّ ساجدين مصلّين، كنت أشعر أنّهم هنا يجدون الطّمأنينة تمامًا كما سمعنا في هذا الإنجيل.

هذه الذّبيحة نقدّمها معًا من أجلهم جميعًا، ونقدّمها ونحن نعيش بعد وداع أشخاص أعزّاء علينا طبعوا حياتنا، غبطة أبينا المثلّث الرّحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الّذي خدم هذه الأبرشيّة عندما كانت نيابة بطريركيّة مدة خمس وعشرين سنة، ومعه نذكر المثلّث الرّحمة المطران رولان أبو جودة الّذي تولّى هذه الخدمة معه خدمة في البطريركيّة دامت أربعًا وأربعين سنة، نذكرهم وهما يشفعان بنا من السّماء.

أدونيس تعيش أيضًا في حزن حيث لا أستطيع إلّا أن أذكر معكم المرحوم إدمون شقيق المطران سمعان عطالله، فله نلتمس الرّاحة لسيادة المطران سمعان ولأسرته العزيزة، كما لا أستطيع أن أنسى أبدًا شخصًا عزيزًا علينا جميعًا المرحومة جميلة زوجة عزيزنا المهندس إيلي باسيل، حيث كنت أراها هنا هي وابنتها وابنها ثم يأتي زوجها عند المساء، هي هنا، وكان ملفتًا كيف أنّ ابنتها وابنها راكعين أمام القربان وهي تعمل في الخدمة، نذكرها لتشفع بنا عند الله. أصلّي من أجل كلّ المرضى وكلّ الّذين يأتون هذا المكان لكي ينالوا الطّمأنينة والنّعم الّتي هم بحاجة إليها .

السّفينة اليوم الّتي يتحدّث عنها الإنجيل هي مؤسّساتنا ونحن، ولكن في تلك السّفينة كانت هي تحمل بشريّة يسوع أمّا قدرته الإلهيّة فكانت تحمل السّفينة وكلّ ما فيها، لأقول إنّ الرّبّ متضامن مع كلّ إنسان وجماعة ومؤسّسة، متضامن في آلامنا وتطلّعاتنا وهمومنا وكإله هو الّذي يعضدنا ويبدد كلّ مخاوفنا. الرّياح والأمواج العاتية الّتي كانت تتقاذف تلك السّفينة تخضع للمسيح، المسيح الإله مكوّن الخلق وسيّده، أيقظوه أيّ أيقظوا الكلمة الّذي كان يبحر معهم، وللحال بكلمة واحدة زجر الرّياح والأمواج فكان سكون عظيم، هؤلاء راحوا يبشّرون بهذه الكلمة. منذ ألفي سنة والكنيسة تحمل بشرى هذه الكلمة لكلّ إنسان من أيّ دين وثقافة وعرق ولون. الغاية من نوم يسوع في تلك السّفينة كانت لكي يجعل إيمان التّلاميذ أكثر نضجًا، واليوم السّفينة هي كلّ واحد وواحدة منّا، كلّنا نختبر صعوبات في حياتنا اليوميّة من مرض وفشل ورفض وجوع وحرب واضطهاد وكلّ ما يؤلم، تجارب داخليّة وخارجيّة، أبواق وأميال منحرفة، بها نجعل المسيح نائمًا فينا، وعندما ننساه لا بدّ من العودة إليه وإيقاظه والتماس نجدته، وعندما تتقاذفنا هذه العواصف في حياتنا ونشعر بأنّ المسيح نائم أيّ غائب، إنّه في الحقيقة يراقب صبرنا وإيماننا واحتمالنا، فعندما أيقظوه في تلك السّفينة وصرخوا يا معلّم نهلك أجابهم يا قليلي الإيمان لماذا شككتم فأنا معكم؟".

هذا ليس من الماضي بل من الحاضر، يقوله لكلّ واحد منّا لماذا شككت أنا هنا معكم، فلنعد إليه باستمرار بالصّلاة والتّوبة وقراءة الإنجيل، السّفينة هي العائلة والوطن والكنيسة، كلّها تمرّ بصعوبات تتقاذفها الرّياح وهذه الآية الإنجيليّة مدعوّة لتنطبق في حياتنا. هذه السّفينة بالنّسبة إلينا بنوع خاصّ هنا،هي وقفيّة سيّدة العناية في هذه البلدة أدونيس، هي مؤمنة بيسوع ولذلك تعرض القربان وتقول هو هنا ومن يصل إلى هذا المكان يجب ألّا يخاف أو يقلق، وأن يضع خارج الباب كلّ الهموم لأنّ الرّبّ هنا وهذا هو معنى عرض القربان بشكل دائم في هذا المكان. لا أحد منّا يعرف أيّة عواصف ورياح وأمواج عاتية سكّنها في قلوب الّذين أمّوا هذا المكان، والوقفيّة نفسها اختبرت العواصف المتنوّعة والمشاكل والصّعوبات فصمدت في الإيمان والصّلاة وسماع كلام الله إيمانا بحضور الرّبّ معها يسكّن رياحها وهكذا اختبرت تهدئة العواصف والرّياح، وهذا جرى ليس في الوقفيّة بحدّ ذاتها بل جرى في كلّ من فيها ومن أمّها ويؤمّها من الشّمال والجنوب ولكن من دون شك ّعادوا لى بيوتهم وعائلاتهم وأماكن عملهم وفيهم المزيد من الإيمان والرّجاء والمحبّة. 

أجل أودّ هنا أن أعرب عن شكري لمجموعة المؤمنين الّذين أرادوا هذه الوقفيّة.

تعاونوا سخوا من ذاتهم من دون حساب أعطوا ضحّوا ساروا بإرشاد الأب أنطوان خضرا، أسّسوا الوقفيّة على اسم سيّدة العناية مدركين أنّ الأمّ السّماويّة تعتني بها وبكلّ من يأتيها وأرادوها مؤسّسة تقويّة رعويّة خيريّة لتكون بمثابة سفينة في ضوء إنجيل اليوم تبحر بالمؤمنين نحو ميناء الخلاص بيسوع المسيح.

فلنرفع قلوبنا وعقولنا إلى السّماء ونجدّد إيماننا بحضور الرّبّ يسوع في حياتنا، أنّه هو الّذي يقود سفينة حياتنا وعند المصاعب هو وحده ملجأنا، نصلّي لكي نعود هذه اللّيلة إلى بيوتنا وفينا إيمان كبير ورجاء وطيد ومحبّة عظمى أنّ الرّبّ هنا ومعنا في أيّ مكان.  له وللآب وللرّوح القدس كلّ مجد وتسبيح وإكرام الآن وإلى أبد الآبدين آمين ".