الفاتيكان
24 تشرين الثاني 2018, 13:00

الرّاعي: حياتنا معًا تقتضي الاحترام المتبادل إلى جانب الثّقة، هذا كلام الاستقلال!

لليوم الخامس على التّوالي تابع البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، مُترئّسًا أساقفة الكنيسة المارونيّة، زيارة الأعتاب الرّسوليّة التي تتضمّن أيضًا زيارة المجامع والمجالس البابويّة في الفاتيكان.

واستهل الرّاعي يوم الجمعة 23 تشرين الثّاني / نوفمبر 2018، بزيارة مجمّع التّربية الكاثوليكيّة وكان لقاء أمين سرّه المطران انجلو فنشنسو زاني، الذي رحّب بالبطريرك والأساقفة عارضًا لنشاط المجمّع ولسبل التّعاون مع الكنيسة المارونيّة؛ لافتًا إلى الدّور العالميّ لهذه الكنيسة التي أصبح أبناؤها في كلّ مكان من العالم.

ثمّ توجّه الآباء إلى المجلس الحبريّ لتفسير النّصوص القانونيّة، حيث عقدوا لقاءً مع رئيس المجمّع المطران فيليبو يانوني، الذّي أعرب بدوره عن سروره بلقاء رئيس وأعضاء مجمّع الكنيسة المارونيّة، ثم عرّف بالمجلس وبمجال عمله في تفسير النّصوص القانونيّة، بحيث يقدّم كل الايضاحات والأجوبة حولها. وكما في كلّ لقاء طرح الآباء أسئلتهم وجرت حولها نقاشات وحوارات معمّقة وتبادل للخبرات، خلُصت إلى كثير من التّوضيحات والاستنتاجات.

وفي سياق زيارة الأعتاب الرّسوليّة ولقاءه بالرّهبانيّات، لبّى غبطته والأساقفة دعوة الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة إلى لقاء تكريميّ لرئيس المؤسّسة المارونيّة للانتشار، بحضور السّفيرين فريد الخازن وميرا الضّاهر، والنّواب علي بزي، ياسين جابر، الان عون، نقولا نحاس، نديم الجميل، طوني فرنجيه، شوقي الدكاش، نعمت افرام، رولا طبش وجان تالوزيان، اضافةً الى أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري، ووكيل الرّهبانيّة الأب ميلاد طربيه، وعدد من الكهنة والرّهبان ومن أبناء الجالية اللّبنانيّة في روما.

إستهلّ اللّقاء بكلمة لرئيس عام الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الأباتي نعمةالله هاشم؛ وصف فيها اللّقاء بالعائليّ حول أب العائلة صاحب الغبطة؛ فقال: "إنّ عائلتنا المارونيّة بمختلف مكوّناتها تجتمع اليوم حولك لتعبّر عن محبّتها لشخصك وعن ثقتها بقيادتك الحكيمة للعائلة. تجتمع العائلة الكنسية المارونيّة بأساقفتها من لبنان والعالم حول رأسها لتعبّر عن وحدتها مع روما ونحن نفتخر بالاستقبال الحارّ الذي لقيه غبطة البطريرك والأساقفة، أكان من قداسة البابا أم من مختلف المجامع والمجالس البابويّة. نحن أيضاً كرؤساء عامّين أردنا أن نكون إلى جانب غبطتكم في هذه الزّيارة التّاريخيّة مع المؤسّسة المارونيّة للانتشار، وأصحاب السّعادة النّواب، لنقول إنّنا نفرح بقيادتكم لكنيستنا المقدّسة وندعم جهودكم كافّة، على الصّعيد الوطنيّ، من أجل خلاص وطننا الحبيب لبنان الذي نحتفل اليوم بعيد استقلاله."     

ثم كانت كلمات لرئيس المؤسّسة المارونيّة للانتشار المهندس شارل الحاج، ولعدد من النّواب جاءت على التّوالي:

المهندس شارل الحاج أشار إلى أنّه يتحدّر من عائلة معروفة بالتزامها الكنسيّ، ومنها خرج راهب وخوري كرّسا نفسيهما لخدمة الرّبّ، تمامًا كما الكثيرين. وقال الحاج: "نحن نشعر أنّه مع حدوث أيّة أزمة، فإنّ الحلّ يكون عند الكنيسة المارونيّة. المؤسّسة المارونيّة هي لخدمة المجتمع اللّبنانيّ، ونحن من خلال مكاتبنا في العالم نقوم بعمليّات التّسجيل التي بلغت أكثر من 50 ألف ملف. لقد تحقّق للبنان تكريم كبير بفضل شخص وحكمة أبينا البطريرك الرّاعي. وحديث قداسة البابا ونظرته إلى لبنان وتقديره للبطريركيّة يجعلنا متأكّدين أنّه ما من خوف على لبنان، لأنّ الكنيسة متجذّرة في الأرض، ولأنّ اللّبنانيّين، غير المسيحيّين، مؤمنين بدور الكنيسة. لقد تجلّت صورة لبنان الحقيقيّة في هذه الزيارة، بما جمعت من طوائف وانتماءات حزبيّة وسياسيّة حول قيم ومبادىء إنسانيّة ووطنيّة، كما تألّق مشهد كنيستنا المارونيّة حول رأسها. نحن ننحني أمامك سيّدنا ولتبقى كنيستنا والرّهبانيّات المارونيّة بخير."

النّائب ياسين جابر، قال: "نحن في أجواء الألفة اللّبنانيّة الحقيقيّة. واللّقاء مع قداسة البابا هو لقاء محبّة ومشجّع يدفعنا إلى أن نتوحّد أكثر فأكثر. مشاركتنا في هذه الزّيارة، هي تعبير عن وحدة لبنان وضرورة تكاتف اللّبنانيّين في هذه المرحلة الخطيرة. من الضّروري تشكيل حكومة غدًا صباحًا، لأنّ لبنان بحاجة لتضافر جهود الجميع للخروج من الأزمة. لقاؤنا يعطي المزيد من الأمل للّبنانيّين، وقدومنا معًا إلى هذا المكان المميّز، من حيث القداسة والأهميّة يعطي انطباعًا ايجابيًّا للخارج بأنّ خلافاتنا ليست جذريّة، وإنّما نحن أصدقاء ونتمسّك بلبنان القويّ الذي نرغب به. وأتوجّه بالشّكر الى صاحب الغبطة البطريرك الرّاعي لتشجيعه على هذه الخطوة ومشاركتنا في مناسباتكم، هذه هي الرّوح التي نودّ أن نعمّمها في لبنان، وهذه هي الصّورة الجميلة التي يجب أن تستمر."   

النّائب علي بزّي، قال: "هذه هي اللّوحة اللّبنانيّة مع ما تحمله من تنوّع، ولا قيمة لها إن تمّ نزع أحد ألوانها. أنا المسلم لا أعرف إسلامي إلًا من خلال مسيحيّة الآخر؛ والمسيحيّ لا يعرف مسيحيّته إلّا من خلال إسلام الآخر. الوطن هو سرّ الأسرار، وجميعنا في هذا العالم عاش الاضطهاد الذي حفّزنا للتّمسّك أكثر بمبادئنا وعاداتنا وعقيدتنا، والمسيحيّون هم أوّل من زادهم الاضطّهاد تمسّكًا بمسيحيّتهم وعقيدتهم وأصالتهم. تشرّفت بوجودي معكم في الفاتيكان، بدعوة من رئيس المؤسّسة المارونيّة للانتشار شارل الحاج، وكان هذا تجسيد لشعارات ومواقف شخصيّتين في هذا العالم، شخصيّة يوحنّا بولس الثّاني، وشخصيّة الإمام موسى الصّدر؛ وقد تحدّثا عن الرّسالة والدّور، وأنا أقول أنتم الرّسالة وأنتم الدّور."

أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري، قال: "إنّ الدّور الذي يقوم به البطريرك الرّاعي ليس دوراً دينيّاً، بقدر ما هو دور دنيويّ أيضاً، فمساعيه الدّائمة لا تقتصر فقط على تضميد جراح الحرب الأهليّة، بل إنّ دوره أكبر من ذلك بكثير، في ظلّ ما يقوم به من ردّ على مخطّط تهجير المسيحيّين من الشّرق، للتّأكيد أنّ عودة المسيحيّين إلى الشّرق ستكون من خلال لبنان ودور المسيحيّين فيه". وتوجّه الحريري إلى البطريرك الرّاعي بالقول: "نُقدّر دورك، ونعرف كم تمرّ بصعاب حتى تتمكّن من المحافظة على أمن المجتمع المسيحيّ في لبنان واستقراره، ويمكن أن نقول أنّنا نطمئن ببعضنا، ونقوى ببعضنا، ونحمي بعضنا، وليس لدينا أكثريّة ولا أقليّة في لبنان، فقد قال الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري انّنا أوقفنا العدّ. وانّ مخطط تهجير المسيحيّين من الشّرق ليس جديداً، وشهدناه في العراق وسوريا وفي كلّ المنطقة العربيّة، ولا يزال لبنان هو البلد الذي يحمى فيه المسلم بالمسيحيّ ويحمى المسيحيّ فيه بالمسلم. وأنا لا أقول هذا الكلام إلا عن قناعة وايمان بهذه القيم التي كرّسها فينا الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري، في عائلتنا أوّلاً، وفي تيّار المستقبل ثانياً، وهي نابعة من ايمان واضح بأنّ خير الأمور الوسط، والاعتدال هو الأساس، لأنّ أي تطرّف دينيّ أو عرقيّ أو عقائديّ لا يؤدّي الى نتيجة، بل يؤدّي الى خراب".

النّائب نقولا نحاس، قال في كلمته: "غريب أمرنا عندما نكون خارج لبنان ما من شيء يفرّقنا. وهذا يعني أنّه ما من شيء جوهريّ يستدعي أن نتخاصم. نحن لا نختلف الا في السّياسة بسبب التّدخلات. اللّبنانيّ، مهما كانت طائفته، يتأثّر بنفس الأحداث وبنفس الطّريقة، وهذا يخلق ارتباطاً عضويّاً. ما من خلاف بين أي مذهب، داخل أي مؤسّسة؛ لذلك نحن نختلف بسبب التّأثيرات الخارجيّة، ولكن ما رأيته جعلني أثق بأنّ هناك أمل بـأنّه مهما كانت الظّروف صعبة نحن نتغلّب عليها. أنتم سيّدنا قدوة في ما تقومون به. وليأتي السّياسيّون الى هنا، علّهم يشكّلون حكومة. أملنا كبير طالما أنّ الكنيسة موجودة."

النّائب نعمت افرام، قال "انّ نعمة الرّوح القدس كانت معنا اليوم، ومعها أدركنا كم أنّ المصالحات تقرّب الأخ من أخيه، وتبعدهم عن التّدخلات الخارجيّة. اليوم رأينا الإخوة اللّبنانيّين مقرّبين من بعضهم البعض. غبطتك ما زرعته في مسيرة المصالحات، نتمنّى أن يكون عابراً للطّوائف، فهكذا يقوى لبنان ويبني مستقبله. ما من شيء يمنع رؤية مثل هذه الصّورة في لبنان الذي يتّجه نحو المئويّة الثّانية. علينا النّجاح اقتصاديّاً وسياسيّاً وحضاريّاً على أرض لبنان. نستلهم اليوم أباءنا الذين أسّسوا لكي نستنير منهم في أيّامنا الصّعبة القادمة، لكي نقوم من جديد. نموت كي نقوم كما قام يسوع المسيح. فالأيّام الصّعبة تقتضي النّظر بعقلانيّة وواقعيّة للتّوجّه الى مئويّة جديدة، والأمل الذي سمعناه من قداسة البابا يجعلنا على ثقة تامّة بأنّنا سنعبر الى لبنان الوحدة والعيش المشترك."

من جهته، ألقى البطريرك الرّاعي كلمة شُكر؛ جاء فيها: "لفتني في كلماتكم المرحّبة تقاطع الأفكار فيما بينكم. الجميع تحدّث عن العائلة اللّبنانيّة، وعن الغنى الثّقافي، وعن لبنان المسلم والمسيحيّ. واليوم جريدة الفاتيكان حملت مانشيت "قويّ كأرز لبنان" انّها جملة من خطاب البابا فرنسيس الذي قال انّ "التّوازن الخلاق في لبنان بين المسلمين والمسيحيّين هو قويّ كالأرز". من خلال كلماتكم أدركنا أنّ الإستقلال يخاطبنا، قائلاً أنتم اللّبنانيّون على تنوّعكم وعلى مذاهبكم تغتنون بتعدّديّة ثقافيّة ودينيّة وحضاريّة تمثّل قيمة لبنان، فحافظوا عليها. لقد انطلق الإستقلال مع الميثاق الوطنيّ أي مع الثقة. الميثاق لم يكتب، وعاشه اللّبنانيّون وفق ثقة تامّة. واليوم علينا العيش سويّاً، مسلمين ومسيحيّين، وفق هذه الثّقة، فنعيش الفصل بين الدّين والدّولة ونحترم الله وكلّ الدّيانات، ونعيش جمال الحريّات المتنوّعة، ونعترف بالحريّات المدنيّة العامّة، ونعتمد النّظام الدّيمقراطيّ. الميثاق لم يُكتب ولم يُوقّع، ولكن اللّبنانيّين عاشوه واستقلالنا اليوم يقول لنا أعيدوا هذه الثّقة فيما بينكم. أنا لا أحبّ استعمال كلمة مصالحة، وأودّ استبدالها بعبارة استعادة الثّقة، لأنّه من دون ثقة لا تسير الحياة كما يجب.  لسنا بحاجة الى مصالحة وانّما الى الثقة. يقول لنا الإستقلال أيضاً، أنتم عائلة واحدة ومنوّعة بطوائفكم على تنوّعها، أنتم أحجار حيّة في هذا البيت اللّبنانيّ. نحن مدعوّون للحفاظ على شخصيّتنا للإنسجام مع بقيّة الحجارة. هذا جمال لبنان. امّا الكلمة الثّالثة التي يقولها لنا الإستقلال فهي، لا تفرّد ولا اقصاء واذا اردنا فعلاً تكوين عائلة واحدة، لا أحد منّا يمكنه أن يتفرّد بأي شيء، هذا جمال نظامنا اللّبنانيّ. التّفرّد يعني خراب البلد ثم لا ثنائيّات ولا ثلاثيّات أو رباعيّات أو غيرها. هناك ثنائيّة واحدة هي الطّائر اللّبنانيّ، بجناحيه المسلم والمسيحيّ، الذي استقرّ فوق جبال الأرز وفق رؤيا حزقيال، وهذا الطّائر يستمدّ قوّته من هذا التّنوّع، وضعف أحد الجناحين يعني سقوط الطائر. حياتناً معاً تقتضي الإحترام المتبادل الى جانب الثقة. هذا كلام الإستقلال.

وبحقّ دماء شهدائنا الذين سقطوا، ونذكر اليوم شهيدين الغاليين والعزيزين علينا، الرّئيس رنيه معوّض والنّائب والوزير الشّيخ بيار الجميل، نذكرهما مع كلّ شهدائنا لنقول انّ دماء شهداء لبنان من دون استثناء تستصرخنا كي لا يجرؤ أحد على التّلاعب بهذا الوطن، ولكي نحافظ على تنوّعه الجميل والقويّ، بعيداً عن أي تفرّد أو استقصاء."