لبنان
11 تشرين الثاني 2018, 13:45

الرّاعي: نحن مدعوّون لنجدّد هويّتنا كعائلة الله المؤمنة

في بداية هذه السّنة الطّقسيّة، واحتفالاً بأحد تجديد البيعة، وذكرى عيد التّأسيس السّنويّ العاشر لمؤسّسةApostolica الّتي تُطلق من خلال مشروعها "لإنجيل، آفاق جديدة"، "عيد الإنجيل" لهذا العام، ترأّس البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الاحتفاليّ من الصّرح البطريركيّ في بكركي، بحضور أعضاء مؤسّسة Apostolica وعلى رأسها مؤسّسها مطران سيدني سابقًا، المطران عاد أبي كرم، الطلّاب الستّين من المدارس الكاثوليكيّة الذين تكرّمهم جمعيّة الكتاب المقدّس لنجاحهم في المسابقة الكتابيّة، أولاد المرحومَين صبحي ونديمه الفخري، والوفد المرافق من رؤساء بلديّات ومخاتير من بشرّي ودير الأحمر، وحشد من المؤمنين. وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظةً بعنوان "الأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي: أنّي المسيح" (يو 25:10)، وقد جاء فيها:

إنّ الأناجيل التي كتبها بإلهام إلهيّ متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، تتضمّن كلّ أعمال المسيح النّابعة من محبّة قلبه الرّحوم. فلم يصنع إلاّ الخير في كلّ مكان. هذه الأعمال شهدت أنّه هو المسيح المنتظر والمرسل من الآب، وإنّه ابن الله الذي تجسّد من مريم العذراء بقوّة الرّوح القدس، ومات فداءً عن خطايا الجنس البشريّ بأسره، وقام من الموت ليبثّ في البشريّة الحياة الجديدة بالرّوح القدس، وأنّه أسّس الكنيسة لتكون أداة الخلاص الشّامل. وقد استودعها وسائل الخلاص وهي: كلمة الحياة، وذبيحته القربانيّة للفداء والمصالحة، ووليمة جسده ودمه للحياة الجديدة فينا.

 نحن مدعوّون كمسيحيّين لنشهد للمسيح ولمسيحيّتنا بأعمالنا ومواقفنا ومبادراتنا، أكان في العائلة، أم في الكنيسة أم في المجتمع أم في الدّولة. وبذلك نعيش الاحتفال بتجديد البيعة التي تحييه ليتورجيّتنا المارونيّة في هذا الأحد.

لفظة بيعة تعني الكنيسة كجماعة المؤمنين. أمّا الكنيسة فتُسمّى "بيت الله" الذي يسكنه مع المؤمنين المعروفين بعائلة الله (1طيم 15:3؛ أفسس 2: 19-22؛ رؤيا 3:21). نحن مدعوّون لنجدّد هويّتنا كعائلة الله المؤمنة والمخلَّصة بنعمة الفداء وحلول الرّوح القدس.

وتُسمّى الكنيسة "جسد المسيح السّرّيّ" فالرّبّ يسوع بموته وقيامته، افتدى الإنسان، وحوّله إلى خليقة جديدة (غلا 15:6؛ 2كور 17:5)، وبنقله الرّوح القدس إلينا يجعلنا، بواسطة المعموديّة والميرون، جسده السّرّيّ. في أحد تجديد البيعة نحن مدعوّون لنجدّد انتماءنا الحيّ والنّقيّ إلى هذا الجسد السّرّيّ.

الكنيسة المتجّددة بهويّتها فينا تجعل منّا كمسيحيّين خميرة تخمّر المجتمع المدنيّ بالقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة، وتخمّر الوزارات والإدارات العامّة فتتنقّى من الفساد والرّشوات والخوات، وتخمّر السّياسة كفنّ نبيل لخدمة الخير العام فتصالح السّياسيّين معها، كي يعتمدوا نبل رسالتها العامّة في ممارسة مسؤوليّاتهم.

لقد أنهينا بالأمس مؤتمر بكركي الاجتماعيّ-الاقتصاديّ الأوّل الذي دام يومي الجمعة والسّبت، وشارك أساقفة أبرشيّاتنا المارونيّة في بلدان الانتشار، ومئة شخصيّة من اقتصاديّين ورجال أعمال من هذه البلدان، وانضمّ إليهم عدد أكبر من أمثالهم في مختلف القطاعات من لبنان. فكان هذا المؤتمر علامة رجاء ساطعة. وقد انطوى على ثلاثة أبعاد:

الأوّل، إبراز قيمة لبنان والإيمان بقدرات أبنائه، وغناه التّاريخيّ. وهذا الأمر يقتضي المحافظة على الوجود المسيحيّ الفاعل فيه، من أجل حماية هويّته المميّزة بالعيش معًا بين المسيحيّين والمسلمين، وبفصل الدّين عن الدّولة مع احترام جميع الأديان ومعتقداتها، وباعتماد النّظام الدّيموقراطيّ المتعدّد الثّقافات والأتنيّات والدّيانات، وبإقرار جميع الحرّيّات المدنيّة العامّة.

البعد الثّاني، النّقاش حول أفكار ومشاريع اجتماعيّة وإنمائيّة وتربويّة وصحيّة تدعم بقاء المسيحيّين على الأرض اللّبنانيّة لهذه الغاية، وتوجِد فرص عمل لشبابنا المتخرّج من الجامعات ولقوانا الحيّة.

البعد الثّالث، استعراض مشاريع عمليّة للتّمويل من أجل هذه الغاية.

كم نتمنّى أن يجلس السّياسيّون معًا في النّدوة البرلمانيّة، بدلاً من تبادل التّهم على وسائل الإعلام، ويستعرضوا بإيجابيّة ومسؤوليّة الحالة المرضيّة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة والانمائيّة التي يعاني منها اليوم الشّعب والدّولة، ويبحثوا بروح من المسؤوليّة والتّجرّد عن الحلول النّاجعة، ويستعدّوا للاحتفال بالذّكرى المئويّة الأولى لإنشاء دولة لبنان بالشّكل الذي يليق.

وإنّنا بقلوب متجدِّدة بمناسبة الاحتفال بأحد تجديد البيعة، نرفع نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."