الفاتيكان
16 آذار 2020, 11:30

العاملون في مجال تأمين الخدمات الأساسيّة في زمن كورونا محور صلاة البابا

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد الثّالث من الصّوم المبارك، صلّى البابا فرنسيس من أجل المرضى والمتألّمين والعاملين لتأمين الخدمات الأساسيّة في المجتمع في حالة الطّوارئ الّتي فرضها وباء كورونا، كالعاملين في الصّيدليّات ومحلّات المشتريات وفي قطاع النّقل والشّرطة، وذلك خلال ترؤّسه القدّاس الإلهيّ صباح أمس في كابيلا القدّيسة مرتا.

وفي تأمّله، توقّف الأب الأقدس عند إنجيل القدّيس يوحنّا حول لقاء يسوع بالمرأة السّامريّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "يقدّم لنا إنجيل اليوم حوارًا تاريخيًّا في لقاء يسوع مع امرأة خاطئة. إنّها المرّة الأولى في الإنجيل الّذي يعلن فيها يسوع عن هويّته، ويعلنها لخاطئة تجرّأت على أن تقول له الحقيقة: "جميع الّذين اتّخذتهم ليسوا أزواجي"، وبهذه الحقيقة ذهبت بعدها لتبشّر بيسوع: "هَلُمُّوا فَانْظُروا رَجُلاً قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ". لم تذهب ببراهين وجدالات لاهوتيّة وإنّما بحقيقتها، وحقيقتها قد قدّستها وبرّرتها وهذا ما استعمله الرّبّ، حقيقته، لكي يعلن الإنجيل: لا يمكننا أن نكون تلاميذًا ليسوع بدون حقيقتنا وبدون ما نحن عليه. لا يمكننا أن نكون تلاميذ يسوع من خلال الجدالات والمناقشات اللّاهوتيّة فقط. لقد تحلّت هذه المرأة بالشّجاعة لكي تحاور يسوع– لِأَنَّ اليَهودَ لا يُخالِطونَ السّامِرِيِّين– وتحلّت بالشّجاعة للاعتراف بضعفها وخطاياها لا بل بشجاعة أن تستعمل قصّة حياتها كضمانة بأنّ يسوع نبيّ: "لقد قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ".

إنّ الرّبّ يريد أن يحاورنا بشفافيّة على الدّوام بدون أن نخفي الأمور وبدون نوايا مزدوجة: "هذا ما أنا عليه"، لذلك يجب عليّ أن أتحدّث مع الرّبّ كما أنا في حقيقتي، وهكذا من حقيقتي وبقوّة الرّوح القدس أجد الحقيقة بأنّ الرّبّ هو المخلّص الّذي جاء ليخلّصني ويخلّصنا. هذا الحوار الشّفّاف بين يسوع والمرأة ينتهي باعتراف بالواقع المسيحانيّ ليسوع وبتوبة أولئك السّامريّين الّذين آمنوا به.

ليعطنا الرّبّ نعمة أن نصلّي على الدّوام في الحقيقة وبأن نتوجّه إلى الرّبّ بحقيقتنا وليس بحقيقة الآخرين ولا من خلال الحقائق المقطّرة من الجدالات، وإنّما على مثال المرأة السّامريّة الّتي قالت ليسوع: "جميع الّذين اتّخذتهم ليسوا أزواجي، وهذه حقيقتي".  

أمّا ظهرًا فأطلّ البابا فرنسيس على المؤمنين عبر البثّ الإلكترونيّ من مكتبة القصر الرّسوليّ، لصلاة التّبشير الملائكيّ كما هو مقرّر في ظلّ التّدابير الوقائيّة لتجنّب انتشار وباء كورونا، وتوجّه إليهم بكلمة قبل الصّلاة قال فيها بسحب "فاتيكان نيوز":

"في هذه اللّحظات يُختتم القدّاس الإلهيّ الّذي يحتفل به رئيس أساقفة ميلانو في المستشفى على نيّة المرضى والأطبّاء والممرّضين والمتطوِّعين؛ هذا الأسقف هو قريب من شعبه ومن الله أيضًا في الصّلاة، وتعود الآن إلى ذهني صورته الأسبوع الماضي عندما كان وحده يصلّي إلى العذراء من على سطح الكاتدرائيّة. أريد أشكر أيضًا جميع الكهنة وإبداعهم، إذ تصلني أخبار كثيرة من منطقة لومبارديا حول هذا الإبداع لأنّ مقاطعة لومبارديا هي من أكثر الأماكن الّتي تضرّرت بسبب هذا الفيروس، وبالتّالي هناك كهنة يفكّرون بآلاف الأساليب لكي يكونوا قريبين من الشّعب ولكي لا يشعر الشّعب بأنّه متروك، إنّهم كهنة يتحلّون بحماس رسوليّ وقد فهموا جيّدًا أنّه في زمن الأوبئة لا ينبغي أبدًا أن نترك النّاس ونهرب إزاء الصّعوبات والمشاكل. أشكركم جميعًا أيّها الكهنة.

يقدّم لنا إنجيل الأحد الثّالث من زمن الصّوم لقاء يسوع مع امرأة سامريّة. كان يسوع يسير مع تلاميذه فتوقّفوا ليستريحوا عند بئر في السّامرة. وكان اليهود يعتبرون السّامريّين هراطقة ويحتقرونهم كثيرًا، كما ولو كانوا مواطنين من الدّرجة الثّانية. كان يسوع قد تعب من المسير وعطش، فجاءَتِ امرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقي. فقالَ لَها يسوع: "إسْقيني". وهكذا إذ كسر جميع الحواجز بدا يسوع حوارًا أظهر من خلاله لتلك المرأة سرّ الماء الحيّ، أيّ الرّوح القدس عطيّة الله. وإزاء ردّة فعل المرأة المتفاجئة أجاب يسوع: "لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطاءَ الله ومَن هوَ الَّذي يقولُ لَكِ: اسقيني، لَسَأَلِته أَنتِ فأَعطاكِ ماءً حَيًّا".

نجد الماء في محور هذا الحوار، الماء من جهة كالعنصر الأساسيّ للحياة والّذي يروي عطش الجسد ويعضد الحياة، ومن جهة أخرى كعلامة للنّعمة الإلهيّة الّتي تعطي الحياة الأبديّة. في التّقليد البيبليّ الله هو مصدر الماء الحيّ والابتعاد عنه وعن شريعته يحمل إلى أسوأ أنواع الجفاف. إنّها خبرة شعب إسرائيل في الصّحراء. فخلال مسيرته نحو الحرّيّة وإذ عَطِشَ الشَّعبُ إِلى الماء وتَذَمَّروا على موسى وعلى الله، لذلك وبطلب من الله أخرج موسى الماء من الصّخرة كعلامة لعناية الله الّذي يرافق شعبه ويعطيه الحياة. ويفسّر بولس الرّسول هذه الصّخرة كعلامة للمسيح، وسيقول إنَّ هذه الصّخرة هي المسيح. إنّها صورة سرّيّة لحضوره وسط شعب الله الّذي يسير. إنّ المسيح في الواقع هو الهيكل الّذي وبحسب رؤية الأنبياء ينبعث منه الرّوح القدس الّذي يطهّر ويعطي الحياة؛ والّذي يعطش للخلاص يمكنه أن يستقي مجّانًا من يسوع وسيصبح الرّوح القدس فيه ينبوع حياة كاملة وأبديّة. إنّ وعد الماء الحيّ الّذي قطعه يسوع للمرأة السّامريّة قد أصبح حقيقة في فصحه: إذ خرج من جنبه المطعون بالحربة دم وماء. إنّ المسيح، الحمل المذبوح والقائم من الموت، هو الينبوع الّذي ينبثق منه الرّوح القدس الّذي يغفر الخطايا ويلد لحياة جديدة.

هذه العطيّة هي أيضًا مصدر الشّهادة. وعلى مثال السّامريّة كلّ شخص يلتقي شخصيًّا بيسوع الحيّ يشعر بالحاجة لأن يخبر الآخرين عن هذا اللّقاء، فيعترف الجميع هكذا أنّ يسوع هو "مُخَلّصُ العالَمِ حَقًّا"، كما قال أهل السّامرة. نحن أيضًا، وإذ ولدنا لحياة جديدة من خلال المعموديّة، قد دُعينا لنشهد للحياة والرّجاء اللّذين يقيمان فينا. وإن وجد بحثُنا وعطشنا في المسيح تمامهما، سنُظهر أنَّ الخلاص ليس في "أمور" هذا العالم وإنّما في الّذي أحبّنا وسيحبّنا على الدّوام: يسوع مخلّصنا.

لتساعدنا مريم الكلّيّة القداسة لكي نعزّز الرّغبة في المسيح، ينبوع الماء الحيّ، والوحيد القادر على إرواء عطش الحياة والحبّ الّذي نحمله في قلوبنا".