لبنان
02 تموز 2019, 09:29

العبسيّ بارك "واحة الحياة" والرّئيس عون دشّنها

دشّن مساءً رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون مشروع "واحة الحياة"Oasis De Vie في الأشرفيّة الّذي يُعنى باللّبنانيّين المرضى والمسنّين والمصابين بمرض "الزهايمر"، والتّابع للجمعيّة الخيريّة للرّوم الملكيّين الكاثوليك، بحضور بطريرك الكنيسة الملكيّة يوسف العبسيّ وبركته، وحضور مطران بيروت وجبيل وتوابعهما جورج بقعوني، ومحافظ بيروت زياد شبيب، ورئيس الجمعيّة الخيريّة للرّوم الكاثوليك في بيروت روجيه نسناس، والرّئيس التّنفيذيّ لـ"واحة الحياة" ظافر شاوي، ووجوه رسميّة وأمنيّة واجتماعيّة.

 

الرّئيس عون جال والحاضرين في أرجاء المركز، ثمّ شارك في احتفال أقيم للمناسبة، تُليت خلاله الكلمات التّرحيّبيّة والمعرّفة بالمشروع الّذي لا يبغي الرّبح. وكانت أبرزها كلمة البطريرك العبسيّ الّذي قال نقلاً عن موقع رئاسة الجمهوريّة اللّبنانيّة:

"نحتفل اليوم بتدشين "واحة الحياة"، هذا الصّرح الاجتماعيّ الخيريّ الفريد الّذي أنشأته الجمعيّة الخيريّة في أبرشيّة بيروت للرّوم الملكيّين الكاثوليك بطموح كبير ورؤية بعيدة وتعب لا يكلّ وصبر لا يستسلم ولكن خصوصًا بمحبّة فائقة وغيرة ناريّة وتضحية فرحة. نفتتح اليوم هذه الواحة الّتي ما كانت لتكون لولا أولئك الّذين وهبوا الأرض وأولئك الّذين أحسنوا بمالهم وأولئك الّذين أعطوا من وقتهم ومن تعبهم ومن تفكيرهم، لولا هؤلاء كلُّهم الّذين كانوا مقتنعين بما يعملون لأنّهم يؤمنون بالرّبّ يسوع المسيح، بذاك الّذي أعلن قدسيّة الإنسان والحياة ودعا إلى احترامهما في كلّ مراحلهما. نحن هنا اليوم في مكان حيث للإنسان والحياة قيمة مطلقة لا يُمسّ بها.

وليس من ثمّةَ عن عبث أن قد سمّي هذا الصّرح "واحة الحياة". واحة الحياة بإزاء الصّحاري الّتي يسيطر عليها الموت فيُقتلُ الإنسان وتهدر القيم بسبب الأنانيّة والمصلحة الخاصّة والمادّيّة والاستهلاكيّة. وكم من أناس هم اليوم في مثل هذه الصّحاري تائهون يتطلّعون إلى واحة يلجأون إليها، يبحثون عن يد تقودهم إليها وعن وجه باسم حنون يستقبلهم فيها. وهذه الواحة الّتي نحن واقفون فيها هي من تلك الواحات الجميلة الّتي أراد بُناتها أن يجد النّزلاء فيها الرّاحة والطّمأنينة بحيث يشعرون بأنّهم ليسوا هنا كما في معبر إلى الظّلمة والموت، ليسوا على أبواب الجحيم، بل في الطّريق إلى النّور والحياة.

"واحة الحياة"، بما صُمّم لها أن تكون، تدلّ على تطوّر العمل الخيريّ والاجتماعيّ في كنيستنا الرّوميّة الملكيّة الكاثوليكيّة، وفي كنيستنا الّتي في بيروت بنوع خاصّ. لم يعد هذا العمل يقتصر على حسنة من هنا أو خدمة من هناك أو مساعدة من هنالك، بل انتقل إلى مرحلة العمل الإنسانيّ المتكامل المتعدّد الوجوه ليلبّي الحاجات الاجتماعيّة العصريّة المتنوّعة الّتي هي أكثر من دار للأيتام أو دار للعجزة أو جمعيّة خيريّة بالمفهوم التّقليديّ. "واحة الحياة" هي حقًّا رؤية جديدة ونقلة نوعيّة تستحقّ الثّناء والتّشجيع وتدعو في الوقت عينه الّذين يهتمّون بهذا الشّأن في كنيستنا إلى التّفكير في كيف يطوّرون هم أيضًا عملهم الإنسانيّ بما يلائم الحاجات المعاصرة.

في كلام القدّيس بولس عن المواهب المتنوّعة الّتي يُنعم الله بها على كلّ واحد منّا كيف يستثمر موهبته يقول لأهل رومة: "فليلازم المتصدّق سلامة النيّة والمدبّر الاجتهاد والرّاحم البشاشة" (روم 12: 8). الصّدقة والتّدبير والرّحمة مع سلامة النّيّة والاجتهاد والبشاشة. هذه هي الصّفات الّتي رافقت مشروع "واحة الحياة" عند القائمين عليه منذ انطلاقته إلى إنجازه. وهل بعدُ من عجب إن رأيتهم يتكلّمون عن "واحة الحياة" كلامهم عن بيتهم وعائلتهم وعملهم باعتزاز وخصوصًا ببشاشة تنمّ عن رضىً داخليّ وفرح داخليّ وكأنّهم حصلوا على مُنية حياتهم. هؤلاء هم حياة هذه الواحة. "واحة الحياة" ما كانت لتكون لو لم يكونوا هم ولن تكون في المستقبل إن لم يكن فيها أمثالهم. من أجل ذلك علينا نحن أن نربّي أولادنا على ما تربّينا عليه حتّى تستمرّ كنيستنا كما عُرفت وبما عُرفت أن تكون بل أكثر. كنيستنا مسؤوليّتنا جميعًا.

إنّ تخصيص كنيسة في هذا الصّرح للصّلاة يطمئن إذ يدلّ على أنّ لله مطرحًا، يدلّ على ثقتنا بالله الّذي لن يتركنا بل سوف يسهر علينا ويعتني بنا، يلبسنا كما يلبس زنابق الحقل ويرزقنا كما يرزق طير السّماء على ما علّمنا الرّبّ يسوع. ثقتنا بالله هي ضمانة لهذا المشروع. أرجو أن لا يغيب الله عنه كما غاب عن مؤسّسات مشابهة كثيرة في الغرب فغاب معه وجهها الإنسانيّ. إلّا أنّ حديثنا عن "واحة الحياة" المؤسّسة الخيريّة الطّليعيّة بتكاملها الخدماتيّ لا يمنع من أن نقول هنا كلمة حقّ وهي أنّ في كنيستنا واحات أخرى، مؤسّسات إنسانيّة كثيرة متنوّعة قدّمت وما زالت تقدّم خدمات جلّى ثمينة تدلّ على محبّة الكنيسة ومن خلالها على محبّة السّيّد المسيح للنّاس المحتاجين. لهذه الواحات أيضًا كلّ التّقدير والشّكر والتّشجيع والدّعاء بأن يكافئهم الرّبّ الإله وبأن يبارك عمل أيديهم وأن ينمّيه ويجعل ثماره كثيرة. هذا يزيدنا قناعة ويحثّنا على توجيه الاهتمام أكثر فأكثر بالنّاس الأكثرِ حاجة على مثال السّيّد المسيح.

باسمكم جميعًا، باسم الّذين سوف يردّون هذه الواحة، باسم الكنيسة، باسمي الشّخصيّ أشكر وأهنّئ، شكرًا وتهنئة مقرونين بالصّلاة، أخي سيادة المطران يوسف الكلّاس الّذي أطلق المشروع ورافقه، وأخي سيادة المطران كيرلّس سليم بسترس الّذي تابعه من بعده، وأخي سيادة المطران جورج بقعوني الّذي سوف يتابع. أشكر وأهنّئ الجمعيّة الخيريّة البيروتيّة ورئيسها السّيّد روجيه نسناس ومعاونيه. أشكر وأهنّئ اللّجنة الّتي أشرفت على العمل من كلّ جوانبه منذ البداية إلى هذا اليوم وربّما إلى ما بعدَ اليوم. أشكر وأهنّئ جميع الّذين شاركوا في إنشاء هذه الواحة على تنوّع مشاركاتهم. أشكر وأهنّئ المحسنين وأصلّي من أجل الّذين انتقلوا منهم إلى الملكوت السّماويّ ولاسيّما المرحوم باسيل يارد والمرحومة ماري هبّي. أسأل الله تعالى أن يبارك عليهم وعلى عيالهم وأن يعوّض عليهم أضعافًا. إنّهم من أبناء عائلاتنا الرّوم الكاثوليك الّذين عُرفوا خلال تاريخ كنيستنا كلّه بقربهم من الكنيسة وغيرتهم عليها وحنوّهم على المعوزين والمهمّشين والضّعيفين والنّاسِ الأكثرِ هشاشة. العطاء والتّضامن والتّكافل جزء من كيان كنيستنا وتاريخها، كان وسوف يبقى. فالشكر لله.

وإذا ما نحن تكلّمنا اليوم عن "واحة الحياة" فإنّنا لا ننسى أنّ لبنان كلّه هو واحة الحياة الكبيرة لأبنائه أوّلاً ولكلّ من يقصده ثانيًا. هذه هي رسالة لبنان أو بالحريّ هذا هو لبنان الرّسالة الّتي تكلّم عنها البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني والّتي نتحدّث عنها ونتغنّى بها. وهذا هو لبنان الّذي يتكلّم عنه ويدعو إليه فخامة الرّئيس ميشال عون، بلد تتعانق فيه الأديان وتتلاقى الثّقافات وترتفع الحوارات، بلد شعاره الحياة، عملاً بقول السّيّد المسيح:"إنّما أنا أتيت لتكون لهم الحياة، والحياة بوفرة". مبروك وإلى مشاريع أخرى".