لبنان
01 تشرين الثاني 2021, 10:30

العبسيّ ترأّس في جون قدّاس رسامة الأب الجاويش مطرانًا على أبرشيّة كندا

تيلي لوميار/ نورسات
رسم بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، الأب المخلّصيّ ميلاد الجاويش مطرانًا على أبرشيّة المخلّص للرّوم الكاثوليك في كندا، خلال قدّاس احتفاليّ ترأّسه في دير المخلّص- جون، عاونه فيه لفيف من المطارنة والأساقفة والآباء، بحضور وزير الشّؤون الاجتماعيّة هيكتور حجّار ممثّلاً رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، والنّائب ميشال موسى ممثّلاً رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي، والمطران جورج أسادوريان ممثّلاً البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان، ولفيف من الإكليروس، وفعاليّات ومؤمنين.

خلال الرّسامة، ألقى الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المخلّصيّة الأرشمندريت أنطوان ديب والمطران الجديد كلمة، كما كان للبطريرك العبسيّ كلمة قال فيها: "يسرّنا أن نجتمع اليوم في هذا الدّير العامر، الزّاخر بتاريخ كنيستنا الملكيّة، المعطّر بأريج الفضيلة والقداسة والعلم، لنحتفل برسامة ولدنا المحبوب الأب ميلاد الجاويش الرّاهب المخلّصيّ مطرانًا على أبرشيّة المخلّص في مونتريال- كندا، خلفًا لصاحب السّيادة المطران إبراهيم إبراهيم الّذي انتخبه السّينودس المقدّس مطرانًا على أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع خلفًا لسيادة المطران يوحنّا عصام درويش. يسرّنا أن نَزفّ اليوم إلى مؤمنينا الّذين في أبرشيّة كندا عروسًا جديدًا شابًّا فاضلاً مختبَرًا متضلعًا من الكتاب المقدّس، عازمًا على بذل ذاته من أجلهم ومتطلّعًا إلى أن يبني معهم ومع جميع الّذين يحيون بالتّقوى والإيمان كنيسةَ الله الّتي في كندا. يسرّنا أيضًا، سيادة الأخ ميلاد، أن نتأمّل معك ولو لقليل، في ما اخترت من نهج لحياتك الأسقفيّة، من خلال الرّسالة والإنجيل اللّذين انتقيتهما ليقرأ على مسامعنا، حتّى نرافقك بالعمق في الرّسالة الجديدة الّتي انتدبك الله لها ونصلّي من أجل نجاحها".

وأضاف: "التبشير رسالة موضوعة علي والويل لي إن لم أبشّر. لقد أصبت الهدف أنت المتبحّر في علم الكتاب المقدّس ووضعته نصب عينيك: أن تكمل رسالة الرّبّ يسوع بالتّبشير والشّهادة، كما عمل هو نفسه وطلب أكثر من مرّة أن نعمل نحن أيضًا، وكما فعل الرّسل حالاً بعد القيامة والعنصرة، وكما فعل بولس على مدى حياته من بعد اهتدائه. لا شكّ أنّ كلمة الله فاعلة بقوّتها الذّاتيّة كما وصفها القدّيس بولس بقوله: "إنّ كلمة الله حيّة فعّالة وأمضى من سيف ذي حدّين، تنفّذ حتّى مفرق النّفس والرّوح والأوصال والمخاخ (عبر4: 12). غير أنّ هذه الكلمة تنتظر من ينقلها من ينشرها من يبذّرها يردف بولس: كيف يؤمنون به (الرّبّ) ولم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون به بلا مبشّر؟ وكيف يبشّرون إن لم يرسلوا؟ (روم10: 14). الزّارع في مثل الإنجيل لم يلقِ الزّرع من النّافذة أو قرب الباب أو حول البيت، بل خرج إلى الحقل الواسع حيث الأرض الجيّدة والأرض الشّائكة والأرض الحجرة معًا. هكذا قضى بولس حياته على الطّرق في البرّ وفي البحر من مدينة إلى مدينة، يزرع كلمة الله مجابهًا كلّ أنواع الأخطار كما أخبر أهل كورنثس (2كور11: 22-29). نتجنّب أو نخاف أن نبشّر لأنّ في التّبشير إزعاجًا لنا، لراحتنا لعاداتنا لمكاسبنا للغار الّذي ننام عليه، لأنّ في التّبشير خروجًا من ذواتنا وحاجة إلى أن نبقى على الدّوام على أهبّة الاستعداد. علينا أن نعي أنّ الرّبّ يسوع لم يخترنا لأنفسنا فقط، لنقدّس ونخلّص أنفسنا فقط، بل ليتقدّس غيرنا ويخلّص غيرنا أيضًا: إنّ الله يريد أن جميع النّاس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يبلغون (1تيم 2: 4)، وأنا نفسي أرضي الجميع في كلّ شيء، غير طالب ما هو لمنفعتي الخاصّة بل ما هو لمنفعة الكثيرين، لكي يخلصوا (1كور10: 33). لماذا؟ يجيب بولس: لأصير شريكًا في خيرات الإنجيل. إذا أردنا أن نصير شركاء في خيرات الإنجيل علينا أن نعلن عنها فلا نكتمها".

وتابع: "التّبشير واجب بيد أنّ له متطلّباته، خصائصه. المطلوب أوّلاً من المرسل أن يكون قدوة صالحة، أن يعيش ما يبشّر به، ما يدعو إليه. أن يطابق القول والعمل: من يعلم ويعمل يدعى عظيمًا في ملكوت السّماوت (متّى5: 19). غالبًا ما كان بولس يذكر المؤمنين بأنّه في حياته قدوة لهم، معتبرًا ذلك برهانًا على صحّة رسالته وداعيًا إيّاهم إلى الاقتداء به: لم نأكل خبز أحد مجّانًا، بل كنّا نشتغل بتعب وكدّ ليل نهار، لكي لا نثقل على أحد منكم، لا لأنّه ليس لنا سلطان بل لنجعل لكم من أنفسنا مثالاً تقتدون به (2تسا3: 8-9). فأرجو أن نكون ظاهرين في ضمائركم أيضًا. ولسنا نعود فنوصي بأنفسنا عندكم، وإنّما نقدّم لكم مندوحة للافتخار بنا (2كور5: 11-12). فإذن اقتدوا بي كما أنّي أنا أقتدي بالمسيح (1كور11: 1). من يجرؤ ويقول هذا الكلام عن نفسه ما لم يكن واثقًا؟ من أراد أن يكون قائدًا عليه أن يكون قدوة. القيادة من دون القدوة رياء وتسلّط واستغلال. وما فعله بولس في حياته ما كان إلّا تتميمًا لوصيّة معلّمه الّذي قال لرسله: لقد جعلت لكم من نفسي قدوة لكي تصنعوا كما صنعت بكم (يوحنّا13: 15). التّبشير الأوّل هو الاقتداء بالمسيح.  ثمّ إنّ المرسل مدعوّ إلى أن يتحلّى بالمجّانيّة. المجّانيّة في نظر بولس أنّك نلت مجّانًا الموهبة الّتي نلتها الآن وأنّ التّبشير صار من واجبك ولا فضل لك فيه. أمّا إذا كان لك فضل فهو أنّك إذا بشّرت بالإنجيل تبشّر بالإنجيل مجّانًا غير مستوف حقّك في الإنجيل. هذه قاعدة إنجيليّة وضعها الرّبّ يسوع: مجّانًا أخذتم مجّانًا أعطوا. أن نعطي ذواتنا: ليس من حبّ أعظم من أن يبذل المرء حياته عن أحبّائه. المجّانيّة هي أن لا تستأثر بذاتك لذاتك، بمواهبك، بعلمك، بقداستك، بفرحك، بهنائك... أنت لست ملكًا لك بل للّذي جنّدك. "الكاهن كائن يؤكل" أعلن يومًا الأب أنطوان شوفرييه. تمامًا كالمسيح الّذي أعطانا جسده لنأكله: إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي فلا حياة لكم. المجّانيّة هي أن يكون في وسع النّاس الاقتراب منك، كما فعل قائد المئة في إنجيل اليوم، وكما فعلت النّازفة الدّمّ، وكما فعل الأعمى الّذي كان على حافّة الطّريق، وكما فعلت الزّانية في بيت سمعان، وكما فعل زكّا العشّار، وكما فعل البرص، وكما فعل المقعد على السّرير، وكما فعل الأطفال. المجّانيّة هي أن يرتاح النّاس إليك، أن يعود إلى أحضانك الابن الشّاطر وبطرس النّاكر واللّصّ الكافر. بل المجّانيّة أن تذهب أنت إليهم. أنا أذهب وأشفيه أجاب يسوع قائد المئة في إنجيل اليوم، وذهب إليه كما ذهب إلى ابن امرأة يائين وإلى لعازر وإلى زكّا العشّار وإلى غيرهم. المجّانيّة في معناها الواسع ليست فقط أن لا يتقاضى المرء أجره، رغم أنّ القدّيس بولس يقول إنّ العامل يستحقّ أجرته وأنّ دائس العنب يشرب من عصيره. المجّانيّة الواسعة، الّتي مثالها في الرّبّ يسوع، هي أن نضمّ النّاس جميعًا إلى صدرنا كما فعل الرّبّ يسوع في إنجيل اليوم مع قائد المئة الغريب في محيطه، فلا انتقائيّة ولا مزاجيّة ولا اعتباطيّة في العمل الرّسوليّ".

وتابع العبسيّ:"صفة أخرى متلازمة مع المجّانيّة على المرسل أن يتحلّى بها. إنّها ما نسمّيه اليوم الانفتاح: صرت كلّاً للكلّ، عبدت نفسي للجميع. أن يشعر كلّ من يتعامل معنا أنّنا كلّنا له. أن لا نضع الحواجز ولا نرفع الأسوار ولا نحفر الخنادق. أن لا نستثني ولا نصنّف. إشربوا من هذا كلّكم. قال الرّبّ يسوع. الكلّ مدعوّ إلى وليمة الرّبّ. خدمتنا هي أن نسهّل للجميع الدّخول إليها، أن نفتح للجميع الأبواب فلا نصدّهم. عدوّ المجّانيّة الإنجيليّة العصبيّة والتّقوقع والانعزال. المجّانيّة حياة وحرّيّة والانكماش موت وعبوديّة: إذ كنت حرًّا عبّدت نفسي للجميع. أنت منطلق إلى كندا المحبوبة، إلى بلاد الانتشار. وكنت قبلاً في بلاد الانتشار، في رعيّتنا في بروكسيل. أنت مالك خبرة. هناك في بلاد الانتشار أولادك من بلدان متنوّعة وتقاليد متنوّعة ومناشئ متنوّعة ومناهج متنوّعة، إلخ... إلّا أنّهم في الكنيسة واحد، يسري في جسدهم السّرّيّ الواحد دم المسيح الواحد. باختيارك الرّسالة والإنجيل اللّذين سمعناهما أردت أن ترسل رسالة تسبقك إلى حيث أنت ذاهب لتقول لأبنائك هناك أنت حرّ لأنّك كلّ للكلّ. فلا حزبيّة ولا مناطقيّة ولا فئويّة ولا... كلّنا إخوة: هذه رسالة البابا فرنسيس الأخيرة لنا، إذ إنّ الرّبّ واحد والإيمان واحد والمعموديّة واحدة (أف4: 5). كنيستنا كنيسة جامعة في الكنيسة الواحدة الجامعة. كنيسة تجمع المتفرّقات على مثال سيّدها. هذا جمالها وغناها. هذه رسالتها. هذه هي الشّهادة المطلوبة منّا. وكما في الدّاخل كذلك في الخارج. لسنا في بلاد الاغتراب لننكمش على أنفسنا ككنيسة، لنعيش في غيتوات. نحن كنيسة تغني وتغتني. عندنا أشياء كثيرة لنقدّمها لإخوتنا المسيحيّين في بلاد الاغتراب وعندهم الكثير ليقدّموا لنا. لسنا في بلاد الاغتراب لنقيم صلواتنا الطّقسيّة الخاصّة وحسب. لا نجعلن من الطّقوس فقط علامتنا الفارقة. لتكن هذه العلامة الفارقة في روحانيّتنا في لاهوتنا في أدبيّاتنا في تقاليدنا في محبّتنا بعضنا لبعض، في تعاضدنا... ".

أضاف: "يا دليل الإيمان القويم ومعلّم التّقوى والسّيرة الحميدة. بهذا النّشيد تخاطبك اليوم الكنيسة كما تخاطب رؤساء الكهنة. إيمان شعبك من إيمانك. تقوى شعبك من تقواك. سيرة شعبك من سيرتك. هكذا الخدمة الّتي تنتظرك أيّها الأخ المطران ميلاد كبيرة، إلّا أنّك على مثال القدّيس بولس قويّ بالّذي يقويّك، وتصنع كلّ ما تصنع  لأجل الإنجيل لتصير شريكًا في خيراته، وتنال أجر الوكلاء الأمناء والإكليل الّذي يجزي به الله تعالى الّذين يحملون صليبهم ويتبعونه".

 

وشكر العبسيّ بإسم آباء السّينودس المقدّس وبإسمه الشّخصيّ "الاخ المحبوب سيادة المطران إبراهيم إبراهيم، مطرانِ كندا السّابق، على الخدمة الأسقفيّة الّتي خدم بها هذه الأبرشيّة سنوات طويلة، والّتي اتّسمت بالمحبّة والانفتاح وطول الأناة والعطاء والنّشاط والحماسة والعمران، ولاسيّما بناء كاتدرائيّة المخلّص الّتي تعدّ معلمًا دينيًّا عظيمًا. نسأل الله تعالى أن يمنّ عليه بالعافية والعمر الطّويل وأن يقدّسه ويبارك حياته في خدمته الجديدة في أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع".

وقال: "أشكر وأهنّئ في وقت واحد الرّهبانيّة المخلّصيّة الكريمة على أنّها أعطت للكنيسة كاهنًا راهبًا نقشت فيه حبّ الرّسالة على خطى مؤسّسها وزرعت فيه الفضائل الرّهبانيّة والإكليريكيّة. أنعم الله عليها برهبان يتّشحون بالله، شهودٍ على إنجيل الرّبّ يسوع ورسلٍ له في العالم أجمع. أهنّئ أولادنا المحبوبين في الكنيسة الّتي في كندا كهنة ورهبانًا وراهبات وعلمانيّين براعيهم الجديد وأدعوهم إلى أن يلتفّوا حوله ويعضدوه في خدمته وإلى أن يعيشوا معًا بمحبّة واحترام وانفتاح وتواضع فتكون رعيّة واحدة وراع واحد."  

وإختتم العبسيّ: "أهنّئكم أيّها الأحبّة الّذين تشاركون أخانا ميلاد في هذا الاحتفال الكنسيّ المقدّس ولاسيّما أهله الّذين ربّوه وقدّموه للرّبّ. وكلّنا معًا نصلّي من أجل المرتسم الجديد وننشد مع الكنيسة قائلين: اليوم الكنيسة تتزيّن. اليوم كوكب الكنيسة يتزيّن لابسًا حلّة رئاسة الكهنوت. أنت على مثال هارون المشترع وموسى قائد شعب الله. وكطيب عطر افرح أيّها السّيّد. يا من تبعت المسيح منذ صباك افرح أيّها السّيّد. يا عمود أمّك الكنيسة الحسنة العبادة افرح أيّها السّيّد. افرح يا راعي أبرشيّة المخلّص في كندا. فيا ربّ احفظه لسنين كثيرة!".

وكان العبسيّ رفع والمشتركان معه الإنجيل عن رأس المرتسم، من ثمّ أغلق ووضع على المائدة المقدّسة، ثمّ خلع العبسيّ عن الأسقف المرتسم الحلّة الكهنوتيّة وألبسه الحلّة الأسقفيّة.

وفي ختام الرّسامة، وبعد المناولة سلّم البطريرك العبسيّ المطران الجديد العصا الرّعائيّة.