سوريا
25 أيلول 2023, 12:30

العبسيّ في عيد مارت تقلا: حياتنا مع يسوع رحلة صيد

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ اللّيتورجيا الإلهيّة المقدّسة في الأحد السّابع عشر بعد العنصرة والأوّل بعد الصّليب، وتذكار القدّيسة تقلا أولى الشّهيدات والمعادلة الرّسل، في كاتدرائيّة سيّدة النّياح- حارة الزّيتون.

وللمناسبة، ألقى العبسيّ عظة تأمّل فيها بلوحة الصّيد العجيب على ضوء إنجيل لوقا ٥: ١-١٠، جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"في لقائنا الإفخارستيّ هذا أودّ أن أتوقّف قليلاً على الحادثة الإنجيليّة الّتي سمعناها لنرى كيف نستطيع أن نستفيد منها لحياتنا.

1- تقدّم نحو العرض

"تقدّم إلى العرض" كما في كلّ مرّة نرى يسوع يبادر إلى ملاقاة النّاس، إلى ملاقاتنا نحن، يأتي بنفسه إلى الرّسل ويطلب منهم أن يرافقهم إلى الصّيد، إلى بحر الحياة ومعتركها. وقبل أن يطلب من رسله كان يسوع كما يقول الإنجيل، يعلّم، ومن ثم نزل إلى البحر. لقد علّم يسوع بلا ريب، وعلّم كثيرًا، في خلال حياته على الأرض، وكان متفوّقًا في تعليمه، لكنّه عرف أيضًا أن يشارك النّاس حياتهم اليوميّة، وعرف أن يخالطهم ويتردّد بينهم. وها هو ينزل إلى بحر الحياة، ينزل إلى شقاء النّاس، يشاطرهم عملهم، يقاسي آلامهم ويحتمل الموت.

نحن كذلك إنّما يطلب منّا يسوع أن نرى النّاس كيف يعيشون وما هم في حاجة إليه وما هي همومهم ومشاغلهم وظروف حياتهم. إنّ النّاس في وقت من الأوقات في حاجة إلى من يشعر معهم ويعمل معهم: إنّي أتحنّن على هذا الشّعب من المزعج والمنفّر أن نظهر نحن مكتفين متكبّرين لا مبالين بالغير ولاسيّما الّذين هم أدنى منّا.

2- تعبنا اللّيل كلّه... ولم نصب شيئًا

"تعبنا الليل كلّه ولم نصب شيئًا" . وكأنّ بطرس يقول للسّيّد المسيح: "شو بدك بها الشّغلة... ما راح يطلع شي ... ما اصطدنا شيئًا في اللّيل، فكيف في النّهار؟".  

في الحياة قد تنتابنا الصّعوبات فنضع العراقيل أمام بلوغ هدفنا أو مقصدنا. لكن الطّريق مع يسوع لا تتّضح إلّا شيئًا فشيئًا، لا تنبسط وتنفرج إلّا ونحن سائرون. مشكلة الحياة المسيحيّة، إن صحّ هذا التّعبير، أنّنا نتعامل لا مع كتاب أو شريعة جامدين ومعروفين، أعني مع روحانيّة تتميم الواجب، بل مع شخص حيّ متحرّك ليس من حدود ولا من قواعد نهائيّة للتّعامل معه.

قد نصبح في بعض الأحيان وفي قلبنا يأس وقنوط، فنردّد ما قاله بطرس ليسوع: "لن يتغيّر شيء... هدول هنّي". وقد نكون صادقين في ما نقول، فغالبًا ما تبلغ بنا الحياة حدّ اليأس من كثرة ما فيها من متاعب وهموم ومشاكل من جميع الأشكال. وغالبًا ما نرى في ذواتنا من الضّعف ما يقعدنا عن الرّغبة أو القدرة على متابعة السّير والعمل. وإذا بيسوع يتحدّانا ويقول لنا تقدّموا وإلى أين؟ إلى العرض، إلى الخطر، إلى المخاطرة من دون تدرّج ولا تدرّب. يطلب منّا يسوع أن نغامر ولا يأخذ برأينا بل يأمرنا. فهل نتردّد أو نحجم؟ كلّا! بل يجب أن نثق بالسّيّد: "بأمرك ألقي الشّباك". 3- باسمك (بكلمتك) ألقي الشّباك.

أجل، "باسمك ألقي الشّباك". فإن كنّا نيأس من أنفسنا، لا يحقّ لنا أن نيأس من الله. وحدنا، قد ننجح أو نفشل. إلّا أنّنا مع الله لا نفشل بل ننجح دومًا، إذ كيف الّذي يهتمّ بالعصافير والزّهور لا يهتمّ بنا؟ إنّ الله فاعل وناجح على الدّوام، لا يرسب في الامتحان. إنّه المتفوّق الأكبر، فلنتعلّم منه. بل إنّ الله يثق بنا أكثر ممّا نحن نثق بأنفسنا وأكثر ممّا نثق نحن به. لذلك غالبًا ما نرسب في الامتحان معه بل نغرق كما غرق بطرس منه. في البحر.

ثمّ إنّنا في مسيرتنا مع يسوع، مهما كانت المغامرة كبيرة، فإنّ لنا في من سبقونا أساسًا ودعامّة نستطيع الاتّكال عليهما. نحن لا ننطلق من الصّفر في الحياة مع يسوع بل من تاريخ حافل بالشّهود، أولئك الّذين ذكرهم الرّسول بولس في رسالته إلى العبرانيّين (الفصل ۱۱) مردفًا بقوله: "إذ يحدق بنا مثل هذا السّحاب الكثير الكثيف من الشّهود فلنطرح عنّا كلّ ثقل الخطيئة الّتي تكتنفنا، ولنسع بثبات إلى الميدان المفتوح أمامنا، شاخصين بأبصارنا إلى مبدأ الإيمان ومكمّله، إلى يسوع..." (عبرا 12: 1-2).

"باسمك ألقي الشّباك" قالها بطرس يومًا، ومنذ تلك الحادثة بات بطرس يعمل كلّ شيء باسم يسوع: "باسم يسوع النّاصري امش" (أع ۳ : ٦)، وبتنا نحن المسيحيّين جميعًا لا نعمل شيئًا إلّا بهذا الاسم باسم الآب...، "حتّى الآن لم تسألوا باسمي شيئًا: فاسألوا تعطوا فيكون فرحكم كاملاً" (يوحنّا ١٦: ٢٤). فلنعمل نحن أيضًا كلّ شيء باسم يسوع ولنرَ كيف ننجح في ما نعمل. ولنتذكّر دومًا أنّ النّجاح في الحياة إن كان مهمًّا فإنّ الأهمّ أن نعرف كيف نستعمله ونستثمره. ولنتذكّر أيضًا أنّ النّجاح نعمة، وبما أنّه كذلك فإنّه لا يسعنا أن نحتكره لأنفسنا بل علينا أن نضعه في خدمة الآخرين ولاسيّما المحتاجين.

4- رحلة صيد

حياتنا مع يسوع رحلة صيد. يطلب يسوع منّا أن نكون مثل الرّسل صيّادي النّاس بل يجعلنا مثلهم. وكما قال للرّسل قديمًا يقول لنا اليوم "تقدّموا إلى العرض وألقوا شباككم... ولا تخافوا". فلنلق إذن شباكنا باسمه، باسمه هو وليس باسمنا، معتمدين على قدرته هو وليس على قدرتنا وبكلّ ثقة، ولا شكّ بأنّه سوف يملأ الشّباك سمكًا كبيرًا وكثيرًا، متّكلين على شفاعة القدّيسة مريم والدة الإله وسلطانة الرّسل والقدّيسة تقلا الّتي نقيم تذكارها في هذا النّهار وللّواتي يحملن اسم تقلا نقول لهنّ جميعًا: كلّ عام وأنتنّ بخير. آمين."