صحّة
16 أيلول 2022, 10:05

العلاج السلوكي المعرفي أبواب عدّة لمستشفى واحد

تيلي لوميار/ نورسات
"خير عادة.. ألّا تكون للإنسان عادة"! مقولة تعكس القلق من انقياد المرء وراء شيء عارض قد يصادفه في الحياة بدون ترتيب، فيشتهيه ثم ما يلبث أن يستغرق فيه ويتشبث به، ويصبح هذا العارض، بعد أن كان شيئًا خارجيًا مكتسبًا، محركًا داخليًا لنوازع المرء ومتحكمًا في مواقفه وسلوكاته اليومية، فنسميه عندئذ "عادة".

ماذا لو أن هذه العادة التي اكتسبتَها سيئة أو غير مقبولة في المحيط الاجتماعي أو الصحي أو البيئي الذي يطوّقك؟ هل حاولت يومًا أن تقلع عنها أو تغير سلوكًا تعتبره ضارًا لك (وربما لمن حولك أيضًا)؟ كثيرًا ما تحاول ذلك بحيل عدة؛ منها أن تبدأ بالقراءة عن أضرار عادة كالتدخين مثلًا، أو تعمد إلى تقليل أعداد السجائر التي تدخنها يوميًا. حسنًا، إن كنتَ فعلت هذا فقد قمتَ بعلاج سلوكي معرفي لنفسك بطريقة مبسطة للغاية وعفوية وربما غير واعية. 

العلاج السلوكي المعرفي Cognitive Behavior Therapy-CBT هو نوع من العلاج النفسي يساعد الناس على تعلّم كيفية تحديد وتغيير أنماط التفكير المدمرة أو المزعجة التي لها تأثير سلبي على السلوك والعواطف. يركز هذا العلاج على تغيير الأفكار السلبية التلقائية التي يمكن أن تسهم في تفاقم الصعوبات العاطفية والاكتئاب والقلق، والتي لها تأثير ضار على الحالة المزاجية. ومن خلال العلاج السلوكي المعرفي، يتم تحديد هذه الأفكار وتحَدّيها واستبدالها بأفكار أكثر موضوعية وواقعية، لذلك يصنّفه الكثيرون على أنه فرع من العلاج بالكلام. 

والعلاج السلوكي المعرفي هو أكثر من مجرد تحديد أنماط التفكير؛ إذ يركز على استخدام مجموعة واسعة من الاستراتيجيات لمساعدة الناس على التغلب على هذه الأفكار، وقد ظهر هذا العلاج ونشأ خلال ستينات القرن الماضي، وذلك في عمل الطبيب النفسي آرون بيك، الذي لاحظ أن أنواعًا معينة من التفكير ساهمت في حدوث مشكلات عاطفية، ووصف بيك هذه "الأفكار السلبية التلقائية"، وطور عملية العلاج. 

كيف يعمل العلاج السلوكي المعرفي؟ المفهوم الأساس وراء العلاج السلوكي المعرفي هو أن الأفكار والمشاعر تلعب دورًا أساسيًا في السلوك. 

على سبيل المثال، فإن الشخص الذي يقضي الكثير من الوقت في التفكير في حوادث الطائرات قد يتجنب السفر الجوي بسبب هذا التفكير. 

والهدف من العلاج السلوكي المعرفي هو أن نتعلم أنه على الرغم من أننا لا نستطيع التحكم في كل جانب من جوانب البيئة المحيطة بنا، فإنه يمكننا التحكم في كيفية تفسيرنا نحن لما يحدث لنا ومن ثم ردود أفعالنا تجاه هذه الحوادث . 

ومن خلال إدراكنا للأفكار السلبية (غير الواقعية في كثير من الأحيان) فإننا نخفف العبء على مشاعرنا ونحَسِّن من حالتنا المزاجية، ونكون بعدها قادرين على البدء في الانخراط في أنماط تفكير صحية.

تتمثل إحدى أعظم فوائد العلاج السلوكي المعرفي في أنه يساعدنا على تطوير مهارات التأقلم التي يمكن أن تكون مفيدة لنا الآن وفي المستقبل. 

ويتكون العلاج من جلسات عدة، ربما من 5 إلى 20 جلسة. ويعتبر أحد أهم انواع العلاج بالكلام. 

أنواع العلاج السلوكي المعرفي: 

• يركز العلاج المعرفي على تحديد وتغيير أنماط التفكير غير الدقيقة أو المشوهة والاستجابات العاطفية والسلوكيات.

• العلاج السلوكي الجدلي (DBT) Dialectic Behavior Therapy هو تحديد الأفكار والسلوكيات و النقاش حولها مع دمج استراتيجيات مثل التنظيم العاطفي واليقظة. 

• العلاج متعدد الوسائط: يستخدم سبع طرق مختلفة ولكنها مترابطة، وهي: السلوك، والتأثير، والإحساس، والتصور، والإدراك، والعوامل الشخصية، والاعتبارات الدوائية/البيولوجية. 

• العلاج السلوكي الانفعالي العقلاني Rational emotive behavior therapy (REBT) هو تحديد المعتقدات غير المنطقية، وتحدي هذه المعتقدات بنشاط، وأخيرًا تعلم التعرف على أنماط التفكير هذه وتغييرها. 

• العلاج بالتعرض Exposure Therapy: مواجهة المواقف التي تفضل تجنبها -مثل الطائرات إذا كنت تخشى الطيران، وهذا يمكن أن يؤدي إلى توتر أو قلق مؤقت. 

وفي الوقت الذي يتخذ كل نوع من أنواع العلاج السلوكي المعرفي منهجًا مختلفًا، فإنها تعمل جميعها على معالجة أنماط التفكير الأساسية التي تساهم في حدوث ضائقة نفسية. 

ويركّز معالجو العلاج السلوكي المعرفي على ما يجري في حياة الشخص الحالية، بدلًا من التركيز على العوامل التي أدت إلى الصعوبات التي يواجهها، فتكون هناك حاجة إلى قدر معين من المعلومات حول تاريخ المرء، لكن التركيز ينصَبُّ في المقام الأول على المضي قدمًا في الوقت المناسب لتطوير طرق أكثر فعالية للتعامل مع الحياة. 

متى نحتاج إلى العلاج السلوكي المعرفي: 

نلجأ عادة إليه في حالات كثيرة مثل: 

• أن يدخل ضمن علاج مشترك للسيطرة على أعراض المرض العقلي ومنع الانتكاس مثل الاكتئاب، واضطرابات القلق، والرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات النوم، واضطرابات الأكل، واضطراب الوسواس القهري، واضطرابات استخدام المواد المخدرة، والاضطرابات ثنائية القطب، والفصام، والاضطرابات الجنسية. 

• أن يكون بديلًا عن العلاج الدوائي عند الحاجة. 

• تعلم تقنيات للتعامل مع مواقف الحياة العصيبة مثل: السيطرة على المشاعر، وحَلّ المنازعات في العلاقات، وتعلم طرق أفضل للتواصل، والتعامل مع الحزن أو فقدان الأعزاء، والتغلب على الصدمات العاطفية المتعلقة بالإساءة أو العنف. 

• التدخل مع مرض آخر (غير نفسي)، وكذلك الأعراض الجسدية المزمنة. 

• تغيير الأنماط السلوكية: من حيث مواجهة المخاوف بدلًا من تجنبها، واستخدام لعب الأدوار للتحضير للتفاعلات التي قد تكون إشكالية مع الآخرين، وتعلم تهدئة عقل المرء وإرخاء جسده. 

ضوابط عامة للعلاج:

• يكون العلاج أكثر فاعليةً عندما تكون مشاركًا نشطًا وتشارك في صنع القرار. 

• كن منفتحًا وصادقًا، فالنجاح في العلاج يعتمد على استعدادك لمشاركة أفكارك ومشاعرك وتجاربك مع آخرين وعلى الانفتاح على رؤى وطرق جديدة لفعل الأشياء، أما إذا كنت مترددًا في التحدث عن أشياء معينة لأي سبب فأخبر معالجك بتحفظاتك. 

• التزِم خطةَ العلاج الخاصة بك، واحضر جميع الجلسات، وفكّر في ما تريد مناقشته. 

• لا تتوقع نتائج فورية؛ قد تحتاج إلى عدة جلسات قبل أن تبدأ بملاحظة التحسن. 

• أدِّ واجبك بين الجلسات؛ كأن يطلب منك معالجك مثلاً القراءة في كتاب معين أو الاحتفاظ بكراسة يوميات خاصة بك والتي تكون خارج جلسات العلاج المعتادة. 

• تطبيق ما تعلمته في جلسات العلاج. 

• عدم الشعور بالتحسن: إن كنت لا تشعر أنك تستفيد من العلاج المعرفي السلوكي بعد عدة جلسات، فتحدث إلى معالجك.

جلسة العلاج الأولى:

في جلستك الأولى، سيجمع معالجك عادةً معلومات عنك ويسأل عن المخاوف التي ترغب في العمل عليها. 

من المحتمل أن يسألك المعالج عن صحتك الجسدية والعاطفية الحالية والماضية لاكتساب فهم أعمق لموقفك. 

قد يناقش معالجك ما إذا كان بوسعك الاستفادة من العلاجات الأخرى أيضًا، مثل الأدوية. 

الجلسة الأولى هي أيضًا فرصة لك لمقابلة معالجك لمعرفة إن كان ذلك سيكون سيناسبك. 

تأكد من أنك تفهم: طريقته العلاجية، أيَّ أساليب العلاج المعرفي السلوكي ستتبعها معه، ما هي أهدافك العلاجية وكيفية تقييم التقدم في العلاج طوال كل جلسة وعدد جلسات العلاج التي قد تحتاجها. 

أثناء العلاج السلوكي المعرفي سيشجعك معالجك على التحدث عن أفكارك ومشاعرك وما يزعجك. 

لا تقلق إذا وجدت صعوبة في الانفتاح على مشاعرك؛ يمكن أن يساعدك المعالج على اكتساب المزيد من الثقة والراحة. حدد المواقف أو الظروف المقلقة في حياتك. 

بعض التنبيهات العامة

• تحقق من صحة المؤهلات العلمية المعالج النفسي: مثل الحصول على التدريب الخاص في الإرشاد النفسي وكذلك التخصص الفرعي مثل اضطرابات الأكل أو اضطراب ما بعد الصدمة. 

• السرية: يتخوف البعض من اللجوء إلى العلاج السلوكي المعرفي خشية البوح بتفاصيل شخصية للآخرين، ولكن باستثناء ظروف محددة للغاية، تكون المحادثات مع المعالج الخاص بك سرية و كل المعالجين قد أقسموا على ذلك . 

• ليس للمرضى فقط: العلاج السلوكي المعرفي أداة فعالة لمساعدة أي شخص على تعلم كيفية إدارة مواقف الحياة المجهدة بشكل أفضل، فلا يقتصر على مساعدة المرضى فقط. 

• وصف الأدوية: لا يمكن للأطباء النفسيين وصف الأدوية، فلن يصف لك المعالج النفسي أيًا من الأدوية الكيميائية.

• في بعض الحالات، يكون العلاج السلوكي المعرفي أكثر فعالية عندما يُدمَج مع العلاجات الدوائية. 

• يمكن إجراء العلاج السلوكي المعرفي بشكل فردي أو ضمن مجموعات مع أفراد الأسرة أو مع الأشخاص الذين لديهم مشاكل مماثلة.

 

المصدر: ناسا بالعربي