لبنان
21 آذار 2023, 06:55

العنداري: إنّنا بحاجة إلى التّربية على السّلام بعيدًا من التّشهير والتّجريح والفئويّة

تيلي لوميار/ نورسات
لبّى وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري دعوة رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران أنطوان نبيل العنداري إلى لقاء صحافيّ في المركز الكاثوليكيّ للإعلام في جلّ الدّيب بعنوان، "دور وسائل الإعلام وشبكات التّواصل في بناء ثقافة السّلام"، وشارك فيه مدير المركز الأب عبده أبو كسم، نقيب الصّحافة عوني الكعكي، نائبة رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام الأخت ندى طانيوس وأعضاء اللّجنة وإعلاميّون.

بداية رحّب المطران العنداري بالحضور وبالوزير المكاري وقال: "نودّ أن نرحّب بكم جميعًا في هذا اللّقاء الصّحفيّ، وبخاصّة معالي الوزير زياد المكاري، إبن العميد تيودور المكاري قائد الدّرك الّذي تميّز بالعنفوان والفروسيّة في رسالته الوطنيّة. ولكم منّا صاحب المعالي كلّ الشّكر والتّقدير على تلبية الدّعوة تحت عنوان: "دور وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإاجتماعيّ في بناء ثقافة السّلام ".

أضاف: "في رسالته العامّة "السلام على الأرض- Pacem in terries "سنة 1963 قال البابا القدّيس يوحنّا الثالث والعشرون: قوام السّلام في كلّ مجتمع، ألحقيقة والعدالة والمحبّة والحرّية. وفي رسالته الأولى لحبريّته، بمناسبة اليوم العالميّ للسّلام سنة 2014، قال قداسة البابا فرنسيس: "ألأخوّة هي ألأساس والطريق إلى السّلام ".

وتابع: "تعوّد الأحبار الأعظمون دعوة المؤمنات والمؤمنين إلى الصّلاة من أجل السّلام، انطلاقًا من وصيّة وعطيّة السّيّد المسيح: "سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم". ونحن اليوم، عشيّة عيد الأمّ ألمربّية على الحبّ والسّلام، بإمكاننا القول إنّ الوطن له قلب أمّ، لا بل إنّه الأمّ، فهو البيت الّذي يبصر الإنسان النّور تحت سقفه، والأرض الّتي يتغذّى بثمارها، والعائلة الّتي يطيب له العيش في كنفها. وهو قلعة الإيمان بالله، وحصن الحرّيّة، وعلم الأرز الدّائم الاخضرار، وعنوان الكرامة. وهو تربة الآباء والأجداد المضمّخة بعبير الذّكريات الضّاربة في أعماق التّاريخ. وما كان التّاريخ ذاكرة الأحداث وحسب، بل هو الحاضر النّابض بالحياة والحامل في طيّاته صورة المستقبل الّذي نرجوه، بالرّغم من الجلجلة الّتي نمرّ بها، مثقلاً بغلال الخير والسّلام".

ورأى أنّ "العولمة، كما أكّد البابا الرّاحل بندكتوس السّادس عشر، في رسالته العامّة "ألمحبّة في الحقيقة" سنة 2009 تقرّبنا لكنّها لا تجعلنا إخوة. تعلّمنا قصّة قايين وهابيل، في الكتاب المقدّس، أنّ البشريّة تحمل في داخلها ألدّعوة للأخوّة، ولكنّها تحمل أيضًا الإمكانيّة المأساويّة لخيانتها. تشهد على ذلك ألأنانيّة اليوميّة الّتي تقوم في أساس العديد من الحروب والظّلم: إذ يقتل العديد من النّاس بأيدي إخوتهم الّذين لا يعترفون بهم كإخوة لهم. إنّ خبرة الحروب المؤلمة والفساد والهيمنة والاستغلال والقمع وانتهاك كرامة الإنسان في مناطقنا وفي العالم تشكّل جرحًا خطيرًا وعميقًا يصيب الأخوّة".

وسأل العنداري: "أين نحن من ثقافة السّلام؟ أين نحن من التّربية على السّلام ومن مجموعة القيم والمواقف والتّقاليد وأنماط السّلوك وسبل الحياة الّتي تستند إلى احترام الحياة ومبادئ السّيادة، وحرّيّة التّعبير، واحترام حقوق الإنسان؟ أين نحن من التّسامح والتّنوّع الثّقافيّ والتّعدّديّة؟ واللّائحة تطول".

وشدّد على "أنّنا بحاجة إلى ثقافة سلام وتربية على السّلام بعيدًا من التّشهير والتّجريح والفئويّة واختلاق الأكاذيب دون ضوابط. ما هو دور وسائل الإعلام وشبكات التّواصل الاجتماعيّ في بناء ثقافة السّلام".

وإختتم: "عطفًا على ما سيغنبنا به معالي الوزير في هذا المجال، وحدها وصيّة الرّبّ لنا: "أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم تسمح لنا ببناء ثقافة السّلام وعيش السّلام".

ثمّ تحدّث المكاري فشكر للمطران العنداري وللأب أبو كسم "الدّعوة الكريمة إلى هذا اللّقاء المفيد في زمن التّخبّط على كلّ الصّعد، إعلاميًّا وسياسيًّا معيشيًّا".

وقال: "دور وسائل الإعلام وشبكات التّواصل في بناء ثقافة السّلام. ما أحوجنا إلى التّواصل وما أبعدنا عن السّلام. ما أحوجنا إلى التّواصل ونحن في عصر التّواصل. معادلة شديدة الغرابة في زمن كثر فيه الكلام على كلّ المنابر والمنصّات، وقلّت المسؤوليّة".

أضاف: "عندما يكثر الكلام يكثر معه الخطأ، وقد يتأتّى هذا الخطأ من حماسة زائدة أو من ردّ فعل تلقائيّ أو حتّى من دافع حبّ الظّهور والنّشاط المفرط على وسائل التّواصل الاجتماعيّ. وما إن نقع في الخطأ حتّى نصل سريعًا إلى الخطيئة، وهكذا تتحوّل شبكات التّواصل إلى أدوات انفصال اجتماعيّ بفعل الشّحن الدّائم واللّحظويّ النّاتج من النّشر المتسرّع والمرتجل والانفعاليّ. وهنا يبرز السّؤال: هل هذا من الإعلام في شيء؟ ومتى كان دور الإعلام جانحًا إلى الخفّة في التّعليق والبذاءة في الرّدّ والتّوتّر في النّشر؟ أين ثقافة بناء السّلام من هذا المشهد المظلم؟".

وقال: "أمام هذا الواقع المأزوم نجد أنفسنا منحازين إلى القول القديم المأثور: إذا كان لديك كلام حلو فقله سريعًا قبل أن يفقد حلاوته، وإذا كان لديك كلام مرّ فاحتفظ به إلى أن يزول مرّه!

إنّها قاعدة بسيطة تجنّب فضاءنا الإعلاميّ التّوتّر وتساهم أفضل مساهمة في بناء ثقافة السّلام الّتي تنمّي العقول وتبني الأوطان، بعيدًا من خطاب الكراهيّة والشّحن والحقد. وغنيّ عن القول إنّ السّلام هو وليد الهدوء والرّصانة والتّسامح والتّفاعل الإيجابيّ، ولم يكن يومًا ولن يكون غير ذلك. أمّا خطاب التّحريض والكراهيّة واستثارة الغرائز فلا يولّد إلّا الحروب والدّمار".

وتابع: "قد يسأل أحدكم ماذا عن حرّيّة الرّأي؟ وأجيب بسؤال استتباعًا: متى كانت الحرّيّة إساءةً إلى الآخرين؟ متى كانت تحرّرًا من المسؤوليّة والوعي والعقل والحكمة؟".

وشدّد على أنّ "الحرّيّة قيمة يجدر بنا صونها من كلّ إساءة استخدام، وتنزيهها عن كلّ إسفاف في التّعبير أو خفّة في التّصريح. ولعلّ ما ينبغي أن يحفّزنا في أيّامنا هذه على التّأنّي في النّشر هو السّرعة الهائلة في تناقل مضمون الكلام ثمّ السّرعة الأكبر في الرّدّ والرّدّ على الرّدّ والاشتباك إلى ما لا نهاية، بأساليب لا ترقى إلى رسالة الإعلام الواعي والمتّزن".

وختم المكاري قائلاً: "في بداية كلمتي قلت إنّ الخطأ يكثر كلّما كثر الكلام. وتماشيًا مع هذه القاعدة لن أطيل عليكم، وأترك لإعلامنا الرّائد والحكيم أن يضبط ما قد يفلت من السّياسة ويصحّح مساره، فيكون خير جنديّ في بناء ثقافة السّلام".

وختامًا كانت كلمة للأب أبو كسم قال فيها: "نلتقي اليوم في رحاب المركز الكاثوليكيّ للإعلام مع من نذروا أنفسهم في خدمة الحقيقة، لا بل في خدمة الإنسان من خلال تمكينه للوصول إلى الحقيقة، من خلال وسائل الاتّصال والإعلام.

والسّؤال الّذي يطرح نفسه في ظلّ الثّورة الرّقميّة، وإذا صحّ التّعبير، غير المنضبطة، ما هو تأثيرها على المجتمع؟ وما تأثيرها على الرّأي العامّ؟ وفي المقابل، أين يكمن دورنا كصحافيّين وإعلاميّين يمتهنون الصّحافة كسلطة رابعة مسؤولة عن تنوير الرّأي العامّ، خاصّة في ظلّ الظّروف الّتي نعيشها اليوم في لبنان؟".

أضاف: "النّاشطون على وسائل التّواصل، وتحت ستار الحرّيّة الإعلاميّة يشتمون ويحرّضون ويضلّلون الرّأي العامّ بأخبار كاذبة لا صحّة لها، يسوّقون لسياسات ودعايات تساهم في تقبّل فكرة الانهيار وإثارة النّعرات الطّائفيّة والمذهبيّة".

وسأل: "هل المطلوب أن يستخدموا هذه الوسائل لضرب صورة لبنان الرّسالة؟ هل المقصود أن نسلّم ونستسلم؟ أم تحمّل مسؤوليّاتنا الإعلاميّة السّامية لإنقاذ لبنان من خلال تمتين جسور التّلاقي والحوار والنّقاش، وبناء ثقافة المحبّة والسّلام؟".

وشدّد أبو كسم على أنّه "آن الأوان، واليوم قبل الغد، أن نتحمّل مسؤوليّاتنا الإعلاميّة بجرأة وإقدام لنقف في وجه من يستثمرون في وسائل الإعلام من أجل تحقيق مكاسب خسيسة.

إنها معركة البقاء، بقاء لبنان، نكون أو لا نكون".

وإختتم قائلاً: "كلّ السّلطات في لبنان تعطّلت واستقالت من دورها، تبقى السّلطة الرّابعة، وهي السّلطة الأقوى، إذا ما حافظت على رسالتها، هي السّلطة المهمّة الّتي تلعب دورها في الحرب والسّلم، تحافظ على لبنان وطن الحرّيّة والسّلام".