صحّة
16 أيار 2022, 07:20

الفوبيا أو ما يُعرَف بالرّهاب

تيلي لوميار/ نورسات
هو حالةٌ شديدةٌ من الخوفِ تجاهَ أشياء أو مواقف معيّنة، باعتبارها تهديداتٍ خطيرة، والاستجابة السريعة ضدها.

لا شكَّ أنَّ الفوبيا أصبحت موضعَ جدلٍ بالنسبة للعلماء لاختلاف النظريّات القائمة على تفسيرها، والتي بدأ البحثُ فيها منذُ مطلعِ العشرينات وحتى السّبعينات. 

من أوّل النظريّات التي حاولت تفسير الفوبيا، النظريةُ الكلاسيكيّة التي وضع أسسها العالمان "Watson & Rayner واتسون وراينر" في عام 1920. حيثُ اقترحا أنه يمكن تعليمُ أي شخصٍ أو حيوانٍ الاستجابة بخوف شديد تجاهَ أشياء غير مؤذية، ولا تستدعي القلقَ الشَّديد، وقد تمَّ تطويرُ هذه النظريّة على مدى الأعوامِ التي مضت، من قبل علماء آخرين، مع إضافة بعض التعديلات، كالبحثِ في علاج للفوبيا وآثارها ومسبّباتها. 

في عامِ 1996، قامَ مجموعةٌ من العلماء، بإجراءِ دراسةٍ على مجموعةٍ من الأطفال، لدراسة تأثيرِ الوالدين على أطفالهم من خلالِ العلاقةِ بينهم وارتباطها بالفوبيا، وكانت نتائجُ هذه الدراسةِ تنصُّ على أنَّ درجةَ الفوبيا لدى الأطفال متعلِّقةٌ بسلوك الوالدين معهم، فكلما أبدى الوالدان خوفاً أكثر، كلما كان الأطفالُ يظهرون خوفاً أكثرَ أيضاً. 

أمّا الأباءُ الذين كانوا يُخفون قلقهم وخوفهم أمام أطفالهم، فإنّ أطفالهم يُظهرونَ خوفاً أقل، وبالتالي يؤثِّر سلوكُ الأباءِ بشكلٍ كبيرٍ على الاستجابةِ والخوف لدى الطفل. 

في عامِ 2001، أجرى كلٌّ من العلماءِ "Field و Argyris و Knowles فيلد وأرجريس ونولز"، دراسةً على مجموعةٍ من الأطفال عددهم 40 طفلاً، أعمارهم بين 7-9 سنوات. أثبتَتْ هذه الدراسةُ أنَّ الخوفَ أو الفوبيا، قد يُكتسب من خلالِ التجارب وارتباطها بمعلوماتٍ لفظيَّةٍ أو مرئيَّةٍ، فالتجربةُ اقتصرت على مجموعةٍ من الأطفال، حيث عُرِضَ عليهم مقطعُ فيديو عن وحوش، وأُرفقت المعلوماتُ الإيجابيةُ عن الوحوشِ لدى مجموعةٍ من الأطفال، والمعلومات السّلبية لدى المجموعة الأخرى، وكانت نتيجةُ هذه التجربة، أنَّ الأطفالَ الذين شاهدوا الوحوشَ مع معلومات إيجابية، لم يبدوا خوفاً أو قلقاً من الوحوش، على عكس المجموعة الأخرى من الأطفالِ الّذين أبدوا خوفاً شديداً بعد تلقيهم المعلوماتَ السلبيّة. 

وعلى غرارِ أيّ نظريّة، لا بدَّ أن يُوجَّهَ لها النَّقد، فقد لاقت النظريّةُ الكلاسيكية نقداً واسعاً، حيثُ أنَّ هناك صعوبات في استقراءِ المخاوف والرّهابِ المشروطِ في المختبر، وأيضاً أن التجاربَ قد أُجريت على مجموعةٍ صغيرةٍ من تلك الموجودةِ في العالمِ الحقيقي، لذلك تم انتقاد نظريّة التكييف، لتعميمها على البشر والمواقف خارجَ المختبر. 

وفي عام 1971، أظهر العالم "Seligman سليغمان" نقداً لنظرية التكييف الكلاسيكية أيضاً، حيثُ اعتبرَ أن مخاوفَ الإنسان ليست متساوية، وأن أي حافزٍ قد يُثيرُ الاستجابةَ للخوف لدى الإنسان، فإن الانتقاءَ والتطورَ الوراثي، يخلقُ نزعات للاستجابةِ بالخوفِ لبعضِ المنّبهات المهددة، ويُفضَّلُ بقاءُ بعض خصائصِ الأنواع المعيَّنة خلال مسارِ التَّطور. 

على هذا النحو فإن المخاوفَ الأكثرَ شيوعاً هي أكثر استقراراً أو اكتسابها أكثر سهولة أو الاثنان معاً. هذا التقديرُ ليس حديثاً، حيث لاحظ "Charles Darwin تشارلز داروين" في عام 1877، أن بعضَ المخاوف قد تظهرُ عن طريقِ الانتقاءِ الطّبيعي، بعد ملاحظة أن ابنه البالغَ من العمر عامين، يخشى الحيواناتِ الكبيرةَ في حديقةِ الحيوانات، وتساءَل داروين عمّا إذا كانت مخاوفُ الأطفالِ -والتي تبدو مستقلَّةً تماماً عن التجربة- آثاراً وراثيّةً للأخطارِ الحقيقيّة خلال عصورِ ما قبل التاريخ. 

ولابدّ من ذكرِ وجود نظريّة أخرى عن الفوبيا، وضع أُُسسها كلٌّ من "Menzies and Clarke مينزيس وكلارك" في عام 1993، وهي النظريّة غير الترابطيّة، حيث أن كلّ نوعٍ يبدو أن لديه مخاوفَ معيّنة، تشكِّل جزءاً من تطورها، ومع ذلك تفترضُ النظريّة أن هذا قد يحدثُ في الأفرادِ بمجرَّد تعرضِهم لمنبّهٍ رهابي، وبالتالي فإنّ غالبيةَ أعضاءِ النوع، سيظهرون الخوفَ لمجموعةٍ من المحفِّزات ذات الصّلة منذ اللّقاء الأوّل. 

أما عن نقد هذه النظريّة، فقد انطلقَ من أنها تتجاهلُ الديناميكيات الحاسِمة لتنمية خوفِ الأطفال، والتي لها تأثيرٌ قوي على نتائج أي تجربةٍ تعليميّة، ويمكن للعديدِ من العواملِ الإضافيّة الأخرى أن تؤثّر على اكتساب الخوف. فعلى سبيلِ المثال: مستوى نمو الطفل، تتبع القلق، الخبرة السابقة بأحداثٍ لا يمكن السيطرةُ عليها، المعتقداتُ حول التحفيز، الكميَّة السابقة من التجارب غير الضّارة، والخوفُ والألم اللذان تعرَّض لهما خلالَ الحدث. 

إن هناك الكثيرَ من النظريّات والدِّراسات التي أُجريَت، بهدف دراسة معنى الفوبيا وأسبابها وتأثيرها الرجعي، وبعد التحقيق في العوامل التي أدَّت إلى تطويرِ ردود فعلِ الخوف البشري والحفاظِ عليها، مازالت نظريّة "راتشمان" هي السّائدة في اكتسابِ الخوف لدى الجنس البشري. حيث يكتسبُ الإنسانُ خوفَه من خلال التكييف، والعمليات غير المباشرة، والمعلومات اللفظيّة أو المرئيّة التي يتلقاها. 

وعلى اختلاف النظريّات والتجارب، مازالت الفوبيا مثيرةً للجدل لدى بعض العلماء، وآليَّةُ عملها التي تتم في الجسم اللوزي في الفَصِّ الجبهيّ للدماغ.

 

المصدر: ناسا بالعربي