دينيّة
11 آب 2017, 05:30

القدّيسة كلارا.. المنتصرة على الجنود بالقربان المقدّس

ريتا كرم
"كم أنّها حيويّة قوّة هذا النّور وكم هو قويّ ضياء هذا المصدر المنير. في الحقيقة، كان يُقفل على هذا النّور في خفاء حياة الحبيسات وكان يشعّ في الخارج بومضات منيرة؛ كان ينفرد في دير ضيّق، وينتشر في الخارج في العالم الوسيع. كان يُحافَظ عليه في الدّاخل وينتشر في الخارج. كانت كلارا تختبئ، لكنّ حياتها كانت ظاهرة للجميع. كانت كلارا تصمت، لكنّ شهرتها كانت تصرخ"، كلمات تختصر قدّيسة اليوم كلارا الأسيزيّة، كتبها البابا ألكسندر الرّابع في مرسوم إعلان قداستها بعد عامين على وفاتها، سنة 1255.

 

نعم، هي إبنة أسيزي الإيطاليّة الّتي سلّمت حياتها للرّوح القدس وعاشت تنضح نقاءً وصفاءً وخيرًا. ترفّعت عن كلّ الجاه والتّرف ومظاهرهما مكرّسة وقتها للصّلاة وأعمال الخير، إلى أن تخلّت عن كلّ شيء لتدخل دير سيّدة الملائكة بإرشاد من مار فرنسيس الأسيزيّ، ناذرة الفقر والعفّة والطّاعة فأضحت عروس المسيح الجميلة الطّاهرة، مؤسّسة رهبنة الكلاريس الفقيرات. هي أيضًا أوّل امرأة نصّت قانونًا مكتوبًا في تاريخ الكنيسة.

تميّزت كلارا بعيشها فضائل التّواضع والتّقوى والتّوبة والإحسان طيلة حياتها من دون أن يغرّها منصبها كرئيسة للدّير، لا بل حافظت على روح خدمة أخواتها الرّاهبات وبخاصّة المريضات بينهنّ، مغلّبة المحبّة على أيّ مشاعر أخرى.

طبعن حياة القدّيسة كلارا حادثتان خارقتان، الأولى كانت يوم وقفت عروس أسيزيّ بوجه جيش من المرتزقة كان يخطّط لمهاجمة البلدة ومداهمة دير القدّيس داميانوس. حينها وقفت على أسوار الدّير على مرأى منهم وسلاحها الوحيد كأس القربان. جثت الرّاهبة المتألّمة بسبب مرضها، متوسّلة الله أن ينقذ الدّير وراهباته: "يا ربّ، مُنّ على أخواتي بالحماية وأنت تعرف أنّني عاجزة عن تأمينها لوحدي"، فأجابها صوت طمأنها: "سيبقينَ دائمًا تحت رعايتي". وفي اللّحظة نفسها، وبسرعة البرق همّ المهاجمون بالفرار خوفًا.

أمّا الثّانية، فهي تعود إلى ليلة الميلاد عام 1252، قبل وفاتها بسنة. فمع اشتداد مرضها وألمها، كانت كلارا ترغب في المشاركة بالقدّاس الإلهيّ ولكنّها لم تقوَ على الحركة، غير أنّ قدرة إلهيّة مكّنتها من المشاركة فيه، فسمعت ورأت كلّ أقسامه! وذلك كان سببًا لإعلان البابا بيوس الثّاني عشر سنة 1959 شفيعة التّلفزيون.

وفي موعد الرّحيل، لفظت كلماتها الأخيرة "مبارك أنت يا ربّ لأنّك خلقتني"، وأغمضت عينيها اللّتين ما أغمضتهما قبلاً ولا حتّى أثناء الصّلاة لكي لا تختبئ عن العالم بل لتنظر إليه بعينيّ الله. أغمضتهما وارتفعت روحها الطّاهرة إلى مسكن الآب تاركة صدى محبّتها الكبيرة، باعثة اليوم الرّجاء في هذا العالم الواقف على حافّة الحروب يجابه الشّر وأسياده، مؤكّدة أنّ كلمة الله هي الغالبة دومًا، وأنّ صوت الحبّ هو وحده المنتصر.