الفاتيكان
13 تموز 2020, 11:50

الكاردينال توركسون: للعيش في تضامن مع البحّارة

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد البحر، كتب عميد الدّائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بخدمة التّنمية البشريّة المتكاملة الكاردينال بيتر توركسون رسالة حثّ فيها على التّضامن مع البحّارة، وجاء في نصّها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"كان من المفترض أن يكون أحد البحر هذا العام احتفالاً مبهجًا في ضوء الذّكرى المئويّة الّتي كان من المقرّر عقدها في تشرين الأوّل أكتوبر المقبل في غلاسكو في اسكتلندا، ولكن تمَّ إلغاؤها لأنّها تصادف في مرحلة غير عاديّة وصعبة عبّر عنها البابا فرنسيس بهذه الكلمات: "على مثال التّلاميذ في الإنجيل فاجأتنا عاصفة غير متوقَّعة وشديدة. لقد تيقنّا بأنّنا موجودون على السّفينة عينها، ضعفاء ومضطربين ولكنّنا في الوقت عينه مهمّين وضروريّين وجميعنا مدعوّون لكي نجذِّف معًا ومعوزون لتعزية بعضنا البعض. جميعنا موجودون على هذه السّفينة". نفكّر في أقارب وأصدقاء ضحايا فيروس الكورونا الّتي لا تعدّ ولا تحصى (بما في ذلك العديد من البحّارة) ونشعر بالضّيق والارتباك بسبب غياب اليقين للمستقبل.

لقد أجبر وباء فيروس الكورونا العديد من البلدان على فرض إغلاق كامل وإغلاق العديد من الشّركات في محاولة لمنع انتشار الفيروس. ومع ذلك، استمرّت الصّناعة البحريّة في العمل، ممّا أضاف العديد من التّحدّيات إلى حياة البحّارة المليئة بالمشاكل، ووضعهم في الطّليعة في الكفاح ضدّ فيروس الكورونا. إنَّ السّفن الّتي تحمل حوالي تسعين بالمائة من المنتجات الّتي نحتاجها لمواصلة العيش بشكل طبيعيّ في هذه الظّروف الصّعبة، مثل الأدوية والمعدّات الطّبّيّة، قد واصلت إبحارها؛ وقبل أن تتوقّف بشكل كامل، كافحت صناعة الرّحلات البحريّة لإقناع الحكومات وسلطات الموانئ لإبقاء الموانئ مفتوحة لكي تتمكّن من إنزال ضيوفها بأمان. وفي الوقت عينه، حاولت إيجاد طرق لاحتواء انتشار العدوى بين الرّكّاب وطواقم السّفن الّتي أصبحت حاضنات لوباء فيروس الكورونا.

على الرّغم من الدّور الأساسيّ الّذي يلعبه البحّارة في الاقتصاد العالميّ، دور ذو أهمّيّة وضرورة كبيرتين حاولت المنظّمات والمؤسّسات التّأكيد عليه خلال أزمة وباء فيروس الكورونا، إلّا أنّ التّشريعات والسّياسات الحاليّة والسّائدة لمّحت ببساطة إليهما. لهذا السّبب، فإنَّ أحد البحر هو فرصة لكي نعيد تقييم دور البحّارة ونتذكّر بعض المشاكل الّتي تؤثر سلبًا على حياتهم، والّتي تفاقمت الآن بسبب الشّكّ والخوف من العدوى. في هذه الحالة الّتي لم يسبق لها مثيل، كان على أعضاء الطّاقم الّذين قضوا ما بين ستّة إلى عشرة أشهر على متن السّفينة، أن يواجهوا مشقّة تمديد فترة عملهم، مع ما يترتّب على ذلك من زيادة في الإجهاد الشّخصيّ والغياب المطوّل عن أحبّائهم وراحة منازلهم. تشير التّقديرات إلى أنَّ المائة ألف بحّار الّذين ينهون شهريًّا عقودهم ويتطلّعون إلى العودة إلى ديارهم، لم يتمكّنوا من العودة بسبب انتشار وباء فيروس الكورونا وما نتج عنه من إغلاق الحدود الوطنيّة وإلغاء الرّحلات. وبالتّالي، بقي آلاف البحّارة الّذين كانوا على استعداد لتبادل أدوار العمل في الفنادق حول العالم، وأُجبروا على الاعتماد على المؤسّسات الخيريّة من أجل احتياجاتهم الأساسيّة مثل الأطعمة ومستلزمات النّظافة وغيرها... بسبب عدم القدرة على النّزول إلى البرّ ومحدوديّة الوصول إلى الميناء للقيام بزيارات على متن السّفن، يعاني البحّارة على متن السّفينة من العزلة والضّغط الجسديّ والعقليّ يحمل العديد من أفراد الطّاقم إلى حافّة اليأس ممّا قد يوصلهم، لسوء الحظّ، إلى الانتحار.

لدينا تقارير عن العديد من البحّارة الّذين يعانون من حالات طبّيّة خطيرة ومميتة لا علاقة لها بفيروس الكورونا. ومع ذلك، هم يحتاجون إلى عناية طبّيّة عاجلة تمّ رفضها أو تأخيرها للأسف إلى أن تمَّ نقلهم على الحِدَاجَات. بالإضافة إلى ذلك، كان على البحّارة العائدين إلى ديارهم بعد رحلة طويلة ومأساويّة أن يخضعوا للعزل، أو أن يتعرّضوا للتّمييز في بلادهم لأنّهم يعتبرون حاملين لفيروس الكورونا. لسوء الحظّ، يتعيّن علينا أن نتحسّر على واقع أنّه بينما يسعى البحّارة، بتفانٍ وتضحيات شخصيّة كبيرة، لكي تستمرّ سلاسل التّوريد في العمل، يستخدم بعض ملاك السّفن ووكالات الاستقدام والمدراء عذر الوباء لإلغاء التزامهم تجاه هؤلاء البحّارة، ورفض ضمان حقوقهم في العمل، والأجور الكافية، وتعزيز بيئات عمل آمنة للجميع.

وفقًا لأحد التّقارير إنَّ الأشهر الثّلاثة الأولى لعام 2020 قد شهدت على زيادة بنسبة 24% للاعتداءات ومحاولات السّطو من قبل القراصنة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. على ما يبدو، إنَّ فيروس الكورونا لم يوقف عمليّات السّطوّ المسلّح الّتي لا تزال تشكّل تهديدًا للبحّارة ممّا يزيد القلق والفزع على حياة تتعرّض للضّغط بسبب الشّكّ النّاجم عن فيروس الكورونا. بالإضافة إلى خبرات البحّارة هذه الّتي تصف شكلًا خطيرًا لكسب العيش، يجب علينا الآن أن نفكّر في التّهديد الحقيقيّ لفقدان هذا النّوع غير المستقرّ من الدّخل، لأنّه بالنّسبة لكثيرين سيعني هذا الأمر الخسارة الكاملة للرّبح وعدم القدرة على تحمّل المسؤوليّات الاجتماعيّة والمحلّيّة، مثل دفع الفواتير وتعليم الأشخاص الّذين يعيلونهم ورفاهيّة الأسرة.

في هذا الإطار، يجب أن يدعونا الاحتفال بيوم أحد البحر، وخاصة نحن المسيحيّين إلى ممارسة خيار تفضيليّ من أجل البحّارة، خيار العيش في تضامن معهم. لقد وصف القدّيس يوحنا بولس الثّاني التّضامن بأنّه "فضيلة" وبأنّه "التزام لا غنى عنه من أجل خير الآخرين".

يجب أن يكون هذا موقفنا تجاه هؤلاء البحّارة، لأنّ الأشخاص الّذين ليسوا فقراء فقط لأنّهم يعرّضون حياتهم للخطر باستمرار، ولكنّهم يقومون بذلك من أجل ضمان حركة البضائع من أجل اقتصاد عالميّ صحّيّ، يستحقّون حقًّا تقديرنا وامتناننا. لستم وحدكم: إنّ المرشدين والمتطوّعين في "Stella Maris" هم معكم أينما كنتم، ليس بالضّرورة في الجزء العلويّ من المنصّة ولكن من خلال "كنيسة افتراضيّة" تبقى على اتّصال بكم عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ومستعدّة دائمًا للرّدّ على دعوتكم، وتقديم أذن رحيمة والصّلاة من أجل سلامتكم وسلامة عائلاتكم. لن يتخلّى عنكم أحد: سيكون المرشدون والمتطوّعون في "Stella Maris" معكم خلال الأشهر القادمة، عندما سيتمّ اختبار مرونتكم، وسيحاولون الاستجابة لاحتياجاتكم المادّيّة والرّوحيّة. سيكونون دائمًا إلى جانبكم، وسيخفّفون من مخاوفكم ويدافعون عن عملكم وحقوقكم ويكافحون التّمييز.

لستم وحدكم؛ لن يتخلّى عنكم أحد. إنَّ نيّة الصّلاة العالميّة لشهر آب أغسطس المقبل والّتي تعبّر عن قلق البابا فرنسيس إزاء البشريّة ورسالة الكنيسة هي مخصّصة لعالم البحار. وبالتّالي ستُدعى جميع الجماعات الكاثوليكيّة في العالم لكي تصلّي من أجل جميع الّذين يعملون في البحر ويعيشون منه ومن بينهم البحّارة وصيّادي السّمك وعائلاتهم. لنوكل إلى مريم، نجمة البحر رفاهيّة أناس البحر والتزام وتفان المرشدين والمتطوّعين ولنرفع صلاتنا إلى العذراء لكي تحمينا من جميع المخاطر ولاسيّما من الكوارث ومن وباء فيروس الكورونا."