المتروبوليت سلوان يوجّه رسالة رعائيّة في الذّكرى الثّالثة والخمسين لخدمة المتروبوليت جاورجيوس خضر الأسقفيّة
ثمّ كتب: "في مثل هذا اليوم، أيّ يوم الخامس عشر من شهر شباط 1970، نال سلفي صاحب السّيادة المتروبوليت جاورجيوس نعمة رئاسة الكهنوت. في كلمة سيامته الأسقفيّة، اختار أن يتّخذ لنفسه، ولخدمته الجديدة، كلمة السّيّد الّتي توجّه بها إلى الآب أمام تلاميذه قبيل الآلام: "لأجلهم أقدّس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضًا مقدَّسين في الحقّ" (يوحنّا 17: 19).
قام هذا الرّاعي بخدمة القيروانيّ الّذي حمل مع المسيح صليبه، فكان يسوع في المقدّمة وهو في المؤخّرة، يسيران في الطّريق المؤدّي إلى الجلجلة. دخول هذا الرّاعي إلى الخدمة وحمل صليب المسيح لم يكن طارئًا كما حصل مع سمعان القيروانيّ حينها، ولا كان على سبيل مساعدة عرضيّة لمحكوم عليه بالموت صلبًا، بل أتت وليدة رغبة صادقة بتكريس الذّات، وتقديم طوعيّ لها في خدمة الكلمة، ومعرفة متجذّرة بمَن يخدم، وإدراك للغاية من خدمته، وتمرّس في بذل نفسه فيها يومًا بعد يوم، ورجاء ثابت في اتّباع معلّمه. بات قيروانيّ السّيرة.
هذا كلّه أتاه عن إيمان حقيقيّ بيسوع، وعن قناعة محّصها بالدّراسة والصّلاة، وعن أمانة للوديعة الّتي سُلّمتْ إليه، وعن إفناء للذّات في محبّة الله والقريب. بهذه العناصر الأربعة، الإيمان والقناعة والأمانة والبذل، استبان سعيه في تحقيق ما التزمه يوم سيامته الأسقفيّة، سعيه لتقديس ذاته في الحقّ، فصبّت خدمته الرّسوليّة في أن يتقدَّس بدورهم الّذين يخدمهم بالحقّ. هذا كلّه أتاه اتّباعًا ثابتًا ومستمرًّا ليسوع ولكلمته بحمله صليب الالتزام حتّى النّهاية.
في الذّكرى الثّالثة والخمسين على خدمته الأسقفيّة، يستوقفني في شهادة هذا القيروانيّ السّيرة كيف يجسّد في خدمته وشهادته، في مواقفه وأحاديثه، وبالأخصّ في شيخوخته الصّالحة، ما أعلنه بولس الرّسول يومًا: "لذلك نحن أيضًا، إذ لنا سحابة من الشّهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرحْ كلّ ثقل، والخطيئة المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضرْ بالصّبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمِّله يسوع، الّذي من أجل السّرور الموضوع أمامه، احتمل الصّليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله. فتفكّروا في الذذي احتمل من الخطأة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلّا تكلّوا وتخوروا في نفوسكم" (عبرانيّين 12: 1-3).
نشكر الله على شهادته المعزّية. تلمس بها حقّ الله وحقّك فيها، أيّ حقّ الإنجيل والتزامك به، فلا يسعك بعدها أن تبقى فاترًا، بل عليك أن تأخذ موقفًا، إمّا تكون حارًّا أو باردًا، وتتحمّل مسؤوليّة خيارك. عمومًا هذا الأمر لا يكلّفه شيئًا، بل يصدر عنه بشكل طبيعيّ وتلقائيّ وأنت في حضرته. ولكن يكلّفك أنت أن تتبعه، أيّ أن ترغب في أن تصير بدورك قيروانيّ السّيرة، على غراره، في خدمة الإنجيل.
من صاحب الذّكرى، التفت الآن إلى مَن يشاركونه نعمة رئاسة الكهنوت في كنيستنا الأنطاكيّة، لأحيّي فيهم أيضًا بذلهم لذواتهم في خدمتهم الرّسوليّة، لاسيّما في ظروف استثنائيّة، كلّ في مكان خدمته. وهذا أثمّنه كثيرًا فيهم، بتقدير أتعابهم وظروفهم، راجيًا أن يمنّ الرّبّ على كلّ منهم بالنّعمة أن يمتدّوا بدورهم مع أبناء رعاياهم إلى قامة ملء المسيح، فتكون المحن الحاضرة والمتتالية سبيلًا للتّقديس في الحقّ.
إذ أطلب صلوات المحتفى به وصلوات آبائنا وإخوتنا في المسيح في كنيستنا الأنطاكيّة، أشكر الله معهم، ومع إكليروس هذه الأبرشيّة وأبنائها، على شهادة راعينا الحبيب في ذكرى سيامته الأسقفيّة.
ألا بارك يا ربّ القيروانيّين الخادمين إيّاك، وزدْ نعمتك حيث كثرت الخطيئة، وامنحْ صبرًا حيث توالت التّجارب، واعطِ نورًا حيث حلّت الظّلمة، وافتحْ الذّهن حيث انعدم الفهم لمقاصدك ومحبّتك وتدبيرك.
هوذا قلبنا إليك يا ربّ، فاملأه من محبّتك!".