سوريا
07 أيار 2018, 08:36

المتروبوليت فهد: لن أَعدكم إلَّا بأَمر واحد "أَن أكونَ خادمًا محبًّا لَكم بحسب وصايا الله"

ألقى المتروبوليت الجديد على أبرشيّة اللّاذقيّة وتوابعها للرّوم الأرثوذكس أثناسيوس فهد كلمة في قدّاس تنصيبه الّذي ترأّسه بطريرك الرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في اللّاذقيّة. وقال للمناسبة:

 

"تَكَرَّمْتُم يا صاحِبَ الغِبْطَةِ اليوم، وَأَتَيتُمْ مَعَ الإِخوَةِ أَصحابَ السِّيادَةِ لِتَنصيبـي بِـحُضورِ هذا الـمَحفلِ الكريـم
والتَّنصيبُ كَما نَفْهَمُ مِنْ كِتابِنا الـمُقَدَّسُ. هُوَ تَعليقٌ على صليب، هُوَ رَفْعٌ وارتِقاءٌ على عَرْشٍ... هُوَ عَرْشُ بَذْلٍ وَإِفناءُ ذاتٍ... ليبقى شَعْبُ الله. هُوَ صَوتُ الرَّبِّ إِلَيَّ بِتَولِيَتـي وكيلاً يَرعى وَيَـخْدُمُ وَيَـحْفَظُ خِرافَهُ
اختارَني الرَّبُّ مِنْ خِلالِكُم أُسْقُفًا على هَذِهِ الأبرشِيَّةِ الـمَحْروسَةِ بالله، أيّ ناظِرًا لـها، والرَّبُّ هُوَ حارِسُها كما يَقولُ في سِفْرِ إِشعياءَ النَّبِـيِّ (27: 2-3) عن كَرْمَتِهِ، أَيّ كَنِيسَتِه: "أنا الرَّبُّ حارِسُها. أَسقِيها كُلَّ لَـحْظَةٍ.... لِئَلَّا يُوقَعَ بِـها أَحْرُسُها ليلاً وَنَـهارًا".
عَلَينا أَنْ نَرعَى الـخِرافَ كَما قالَ (حزقيالُ النَّبيّ 34: 3-4):نُقَوِّي الضَّعيفَ وَنُداوِي الـمَريض. وَنجبر الـمَكسورَ وَنَرُدَّ الشَّارِدَ وَنَـبْحَثَ عَنِ الضَّال. وكُلُّ هذا يَـجِبُ أَنْ يَـتِمَّ بِـحَسَبِ صُورَةِ الرَّاعي الصَّالِحِ، وَهُوَ واحِدٌ، ألا وَهُوَ الـمَسيح، الّذي بَذَلَ نَفْسَهُ حَتَّـى الـمَوْتِ لأَجْلِ الـخِراف.
فالأُسْقُفُ صاحِبُ رِسالَةٍ أُمِرَ بِتَبليغِها، والوَيْلُ لـي إِنْ لَـمْ أُبَلِّغ.
الأُسْقُفُ أَوَّلاً وَأَخيرًا هُوَ غاسِلُ أَرْجُلٍ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِهِ، وَهَذِهِ الـخِدْمَةُ الكَهَنوتِيَّة، هَذِهِ الـمَسؤوليَّة، تَكونُ مُستَحيلَةً على إِنسانٍ من دُونَ مَعونَةِ الرَّبّ.
كَيْفَ نَصُمُّ الأُذُنَ والرَّبُّ يُريدُ فَعَلَةً لِكَرمِه، يريدُ وُكَلاءً لِبَيْتِه! الكَنيسَةُ تَحتاجُ أَشخاصًا يَقبَلونَ أنْ يَزُجُّوا أَنْفُسَهُمْ في أتونِ الرِّعايَةِ والـخِدْمَة، وَيَكونوا لَهُ شُهودًا في هذا العالَـم.
إِنْ حَـمَلْنا هذا النِّير، وَنَظَرْنا وَجْهَ الآخَرِ بِتَواضُعٍ، تَصيرُ الكَنيسَةُ سماءً، وَنُتِمُّ ناموسَ الـمَسيح.
عَلينا أَنْ نُوَجِّهَ الرَّعِيَّةَ إلى اللهِ دَومًا، وهذا يعني أَنْ نَلْتَصِقَ بالرَّبِّ على الدَّوام. "لأَنَّنا بِهِ نَـحيا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَد" (أع 17: 28) وَبِدُونِهِ لا نَسْتَطيعُ القِيامَ بِهَذا الـحِمْل. وهُوَ القائِلُ: "بِدونِي لا تَسْتَطيعُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا".
كوني تَكَلَّمْتُ عَنِ الرِّعاية، اسمَحوا لي هُنا أَنْ أَتَوَجَّهَ بِشُكْرٍ جزيلٍ لصاحِبِ السِّيادَةِ، الميتروبوليت باسيليوس منصور، لأنَّهَ فَسَحَ لي مَـجالَ الـخِدْمَةِ الرِّعائِيَّةِ كرئيسِ كَهَنةٍ، وَأَطلَقَ يَدَيَّ مَعَ إِخوَتـي الأحبَّاء ديمتريوس وإيليَّا، لِنُساعِدَهُ في حملِ أَعباءِ العَمَلِ الرِّعائيّ... فَلَهُ كُلَّ حُبٍّ وامتنان.
وَمَرَّتْ سنونٌ سَبْعٌ، وأنا في طرطوس، في عِشْرَةِ أَهْلِها، ورِفْقَةِ مؤمِنيها، وصلواتِ كنائِسِها. كُنْتُم يا أَهْلَ طرطوس، خيرَ مِثالٍ في حُبِّ الوطَن.
كانَتْ طرطوسُ وَأَهْلُها، في الأَزَمَةِ الّتي عَصَفَتْ بِبَلَدِنا... مَلْجَأً لِكُلِّ سورِيَّة.
ستبقونَ في قلبي... لكُمْ حُبِّـي واحترامي.
كَمْ لَفَتَني، وَأَذْهَلَني، أَنَّ إيـمانَنا الـمَسِيحِيَّ يَقومُ عَلى التَّلْمَذة. فالسَّيِّدُ لَهُ الـمَجْدُ دَعا التَّلاميذَ وَتَلْمَذَهُم، فَهُوَ الـمُعَلِّمُ والسَّيِّد. وَبَعْدَ أَنْ تَـمَّمَ سِرَّ الخلاصِ، صَيَّرَهُمْ مُعَلِّمينَ بَعْدَ أَنْ سَكَبَ عَلَيْهِم الرُّوحَ القُدُسَ، وَأَطْلَقَهُم وَقالَ لَـهُم: "تَلْمِذُوا كُلَّ الأُمَم" (متَّى 28: 19) والكَنيسَةُ تَقومُ على تَسَلْسُلِ هذا التَّعليم جيلاً بَعْدَ جيل.
وَكَمْ أَدْهَشَتْنـي مُنادَاةُ كَنيسَتـي للهْ... بِأَنَّهُ إِلَهُ آبائِنا.
أنا في اللّاذِقيَّةِ تَتَلْمَذْتُ... وسَأَبقى في اللّاذِقِيَّةِ تِلميذًا.
هُنا في اللّاذِقِيَّةِ انْطَبَعَتْ في ذاكِرَتي صُورَةُ جَدَتَـيَّ الـمُصَلِّيَتَين.
هُنا في اللّاذِقِيَّةِ رَبَّانـي أَبي، وَأَعطانـي مساحَةً كبيرَةً مِنَ الـحُرِّيَّةِ، كَي أُمارِسَ وَأَملأَ وَقتي في أَجواءٍ كَنَسِيَّةٍ، وَهُوَ الّذي خَدَمَ في وِكالاتِ كَنائِسِها إلى أَنْ تَوفَّاهُ الله.
بَدَأ تَكريسي مُنْذُ سَنَتِـي الأُولَى وأنَا طِفلٌ صَغير، بِنَذْرٍ قامَتْ بِهِ أُمِّـي إلى كَنيسَةِ السَّيِّدة. أَذْكُرُ طُفولَتـي مَعَ والِدَتي، تَـحْمِلُني إلى كَنيسَةِ السَّيِّدَة نَخدِمُها وَنُنَظِّفُها مَرَّةً في الشَّهر، حتَّى ارتَبَطَتْ رائِـحَةُ ياسَـمينِ الكَنيسَةِ في وُجدانـي... بِشَـخْصِ العذراءِ مـريَـم إلى يومي هذا.
في اللّاذِقِيَّة تَعَلَّمْتُ قِراءَةَ الأَبـجَدِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ، مِنَ الآباءِ، والـمُرشِدين، والإِخْوَةِ في حَرَكَةِ الشَّبيبَةِ الأُرثوذُكسيَّة
هَذِهِ الكاتِدرائِيَّة، كنيسةُ مار جرجس، كانَتْ لي مَدْرَسَةً في التَّأَمُّلِ والصَّلاة. على مقاعِدِها جَلَسْتُ، وفي أَيقوناتِـها تَأَمَّلْتُ، وَمَعَ أَلحانِ مُرَتِّليها سَبَّحْتُ، وعلى شخصيَّاتِ رُعاتِـها اصطُدْتُ.
كَيْفَ أَنسى الـمُثَلَّثَ الرَّحَـماتِ البطريركَ إغناطيوسَ هزيـم بِصَوتِهِ الشَّجِيِّ، الّذي دَوَّى في هَذِهِ الكَنيسة، وفي بيتِنا أَقامَ اجْتِماعاتٍ رِعائِيَّةٍ عَدَّةٍ وأنا بَعْدُ فَتىً.
كَيْفَ أَنسى سَلَفي، الـمُثَلَّثَ الرَّحَـماتِ الـمطران يوحنَّا منصور، وَهُوَ الّذي ربَّانا بابتِسامَتِهِ العَذْبَةِ، وَوَعْظِهِ، وَبَـهاءِ حُضورِهِ اللِّيتزورجِيّ، ومُشارَكَتِهِ لَنا في اجتِماعاتِنا ومُـخَيَّماتِنا، وَلِقاءَاتِنا... وَهُوَ الّذي دَفَعَني إلى دِراسَةِ اللاَّهوتِ في اليونان
هَلْ يُـمْكِنُنا نِسيانُ صورَةِ سيِّدنا بولس يازجي، وَهُوَ يُظْهِرُ وَيُقَدِّمُ لنا ما حُفِظَ في تَقليدِنا الأرثوذُكسيِّ الأصيل!
وَإِنْ غَيَّبَتْهُ الأَحداثُ عَنَّا، فَهُوَ حاضِرٌ في داخِلِنا.
كيف أَنسى في اللّاذِقِيَّةِ صُورَتَكُم أَنْتُمْ يا صاحِبَ الغِبْطَة، أَنْتَ مَنْ جَعَلَني أَركُضُ في شارِعِ هنانو لأَكْثَرِ مِنْ مائَةِ مترٍ عِندما وَقَعَتْ عَينَيَّ عَلَيكُمْ مِنْ بَعيدٍ لأَوَّلِ مَرَّةٍ بِثَوبِ الرَّهْبَنَة، كي أَنْظُرَ وَجْهَ راهِبٍ آثوسيٍّ لاذقانِيٍّ مَهيب.
ومُنْذُ تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنْتَ مَدرسَتـي في الرَّبِّ يسوع.
صَوتُ الرَّبِّ في أُذُنَـيَّ، حِكْمَةِ يشوعَ بنِ سيراخ (45: 26)، يُخاطِبُ سِلْكَ الكَهَنوتِ ويَقول: "لِيَمْنَحَكُم الرَّبُّ الـحِكْمَةَ...حَتَّـى تَـحْكُمُوا بالعَدْلِ في شَعْبِه. فَتَسْتَمِرَّ خَيراتُ آبائِكُمْ وَمَـجْدُهُم مَدى الأجيال".
واجِبُنا كَبيرٌ يا أحِبَّائي تُـجاهَ كَنيسَتِنا، وَتُـجاهَ بَلَدِنا وَوَطَنِنا، وتُـجاهَ أَرْضِنا ووُجودِنا، تُـجاهَ إِيـمانِنا، كي نبقى كما كُنَّا وسَنَكون.

العالَـمُ يُـحاوِلُ أنْ يُظْهِرَنا بِعَكْسِ ما نَـحْنُ عليه، أَمَّا نَـحْنُ، مَنْ نَـحْنُ؟ 
نَحْنُ شَعْبٌ مُـحِبٌّ... أُمَّةٌ سلامِيَّةٌ حَضارِيَّة... أبناءُ نورٍ وَهِدايَةٍ... أصحابُ عِلْمٍ وثقافة... نِبراسٌ للإيـمان
هَذِهِ الـجِبالُ الـخَضراءُ الـخلَّابَةُ والشَّامِـخَةُ شُـموخَ الـجَبَلِ الأَقْرَع، وهذا الشَّاطِئُ السَّاحِرُ، يشهَدانِ عَلينا نَـحْنُ شَعْبُ سوريَّة.
نُـحِبُّ أَرضَنا حَـتَّـى الـمَوت، وكيف لا! ومسيحُنا لُقِّبَ بالنَّاصِري. هكذا خاطَبَ ملاكُ السَّماءِ النِّسوَةَ قائِلاً لَـهُنَّ: "أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يسوعَ النَّاصِريّ" مر (16: 6)، لأَنَّهُ تَرَبَّـى وعاشَ في مدينَةٍ اسـمُها ناصِرَة.
كيفَ لا نَتَعَلَّمُ الإخلاصَ للأَرْضِ الّتي فيها وُلِدنا وَعِشْنا، نَشرَبُ ماءَها... نَلْبَسُ لِباسَها... نَتَكَلَّمُ لُغَتَها... ونَبنـي حَضارَةً على أَرْضِها... نُدافِعُ عَنْ كَرامَتِها... وَنُدْفَنُ في تُرابِـها.
ها هُوَ شَهيدُنا العظيمُ جول جمَّال، وقَبرُهُ في فاروسَ اللّاذِقِيَّة... مِثالاً شاهِدًا وَمُـجاوِبًا لَـهُم على مَنْ نَـحْنُ
كَنيسَتُنا مَتَجَذِّرَةٌ في تاريخِ بِلادِنا، وَتَـحْمِلُ على مِنْكَبَيْها آلامَ وأحزانَ هذا البَلَدِ، وَتُشارِكُ في صُنْعِ أَمـجادِه
ما زِلنا، وسَنَبقى، نشارِكُ إِخوَتَنا في الوَطَنِ، في الـحِفاظِ على كرامَةِ أَرْضِنا، وَخِدْمَةِ شَعْبِنا بِكُلِّ أَطيافِهِ وأَلوانِهِ
إنْـجِيلُنا يُعَلِّمُنا أَنَّهُ لا حُبَّ للهِ من دونَ حُبِّ الإنسان، "مَنْ قالَ أإنِّي أُحِبُّ اللهَ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخاهُ فَهُوَ كاذِبٌ" (1يو 4: 20). يقولُ يوحنَّا الإنجيليّ، وبالتَّالي لا نَفْهَمُ العِبادَةَ للهِ إِلَّا مِنْ مَنظورِ خِدْمَةِ الإنسانِ، وَخلاصِ نَفْسِهِ، لِيَصِلَ كَما أرادَهُ اللهُ إلى الـمَجْدِ والنُّور.
وأَنْتُم يا إخوتي الـمُسْلِمين، يا رِفاقًا في الـمُواطَنةِ والأرضِ والعَيشِ الـمُشتَرَك، نَـحنُ مَعَكُم مُسلِّمونَ أمرنَا... ووادِعونَ حياتَنا لرَبِّ العرش، للّرّحمنِ الرَّحيم... للهِ العلِيِّ العظيم.
هذا ما يقولُهُ كِتابُكُم الكريمُ في سورَةِ العَنكبوت 46: "إِلَـهُنا وإِلـهُكُم واحِدٌ وَلَهُ نَـحْنُ مُسلِمون". قُربُنا وَمَوَدَّتُنا لِبَعْضِنا البعضِ شُهِدَ لَـها في القرآنِ الكريم في سورة الـمائدة 82: "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ".

وأقوى ما يـجْمَعُنا معًا مِنْ بَعْدِ اللهِ... رمزُ الطُّهْرِ والنَّقاءِ... مريمُ العذراء... الّتي اصطفاها اللهُ على نساءِ الـعالَـمين (آل عمران 42).
يا شَعْبَ الله الـمؤمِن، كيفَ لا نَتَقوَّى! ونَـحْنُ نَـجيءُ مِنْ مَـجْدٍ عَظيمٍ، فيهِ بـَهاءُ الرُّوحِ والـحِكْمَة، عاشَتْهُ أجيالُ الشُّهداءِ والأبرارِ والنُّساكِ والآباءِ القِدِّيسين، وما زِلنا نَـحْفَظُهُ إلى الآن.
كَيفَ لا نَتَقَوَّى وَصَوتُ الرَّبِّ إِلَـهِنا إلينا: "ها أَنا مَعَكُمْ إلى انقِضاءِ الدَّهر" (متَّى 28: 20). كيفَ لا وَأُمُّهُ مريمُ تَستُرُ اللّاذِقِيَّةَ بِسِتْرِها.
ها هي أُمُّنا العذراء في شمالِ اللّاذِقِيَّةِ... في الـجَوزِيَّة... تُفيضُ علينا بِنِعَمِها العجائِبِيَّة.
وها هُوَ دَيرُ سَيِّدَةِ بلمَّانا في جنوبِ اللّاذِقيَّةِ، يتلألأُ بِقناديلِ صلواتِ الرَّاهِبات... ويعبقُ ببخورِ التَّسبيحِ ليلاً ونهارًا... بِسَهَرِ أُمٍّ يَقِظَةٍ دؤوب... الّتي تتابِعُ بِنُسْكِها وَتُوقِدُ بِـمَحَبَّتِها أخويَّتَها، لِكَي يُرَوِّيَ الدَّيرُ قلوبَ الـمُؤمِنين العَطشى.
كيفَ لا وَأُمُّنا العذراءُ مَلْجَأُ الـمَحزونينَ والـمُتْعَبين! وسطَ اللّاذِقِيَّةِ... في ساحَةِ أوغاريت... كنيسة السّيِّدة...... هي قَلْبُ الأبرشِيَّةِ النَّابِضِ بالرُّوح.
إخوتي الكَهَنة، أنا أَخٌ خادِمٌ مَعَكُم لـهذا الشَّعبِ الغيُّورِ الـمُحِبِّ لله... وَيقولُ لَنا الكِتاب: "مِنْ فِمِ الكاهِنِ تُطْلُبُ الـمَعْرِفَةُ والشَّريعَة، لأَنَّهُ رَسولُ رَبِّ الـجُنُود" ملاخي (2: 7)، فَلْنَحفَظ مَعًا وَديعَةَ الإيـمان، وَلْنُقِمِ الـخِدَمَ اللّيتورجِيَّةَ الأسراريَّةَ بِـخَوفِ الله، لِتَفيضَ على أيديكم كُنوزَ النِّعمَةِ في العالَـم.
نَعَم، الكَنيسَةُ تَعيشُ في العالَـمِ بدونَ أَنْ تتماهى مَعَهُ، تَـخْدِمُهُ بدونَ أَنْ تَـخْضَعَ لَهُ، تَستَخْدِمُهُ بدونَ أَنْ يَـمْلُكَ عَلَيها. تَنْحَني وَتَنْزِلُ في الـخِدْمَةِ لِكَي تَرْفَع.
يا أبناءَ هَذِهِ الأَبرشِيَّةِ الـمَحروسَةِ بالله، في الـمَدينَةِ وفي الرِّيف، كِبارًا وصِغارًا، أفرادًا وعائلات، مؤسَّساتٍ وجَمعِيَّات، ووكالاتٍ ولِـجانًا وهيئاتٍ إداريَّةٍ أو اعتبارِيَّة.
الكَنيسَةُ للجميع. لَيسَ مِنْ واحِدٍ قريبٍ وآخرٍ بعيد. سَأَبْذُلُ كُلَّ جهدٍ حَتَّـى لا يَشْعُرَ أَحَدٌ أَنَّهُ مَقْصِيٌّ، فَنَحْـنُ بِـحاجَةٍ لِكُلِّ الـمواهِبِ، لِنَضفِرَها بالتَّعاضُدِ، باقَةَ عَمَلٍ مُثْمِرٍ.
علينا أَنْ نُرَوْحِنَ العالَـم، أيّ أَنْ يستَنيرَ بِنورِ الـمَعْرِفَةِ الإِلَـهِيَّة. أَنْ نَبذُرَ بُذورَ القُوَّةِ الرُّوحِيَّةِ، النَّابِعَةِ مِنْ نِعْمَةِ الرُّوحِ القُدُس، ونَزرَعَها في الـمُجْتَمَعِ والإنسان، لِكَي لا نَغرَقَ في وُحُولِ الدُّنيا... بَلْ لِكَي نَـحْفَظَ الـحياة.
سَنَعمَلُ كُلَّ شيءٍ معًا... لِكَي نُـحَقِّقَ ما نَصبو إلَيْهِ، وَتَفْخَرَ أجيالُنا بِنا.
لَنْ أَعِدَكُم بِشَيءٍ، إلَّا بأَمرٍ واحِدٍ: أَنْ أكونَ خادِمًا مُـحِبًّا لَكُمْ بِـحَسَبِ وصايا الله.
أنا لَسْتُ أُسقُفًا على شَعْبِ الـمسيحِ فَقَط. بَلْ سَأَكونُ حامِلاً لسلامِ ومَـحَبَّةِ الـمسيحِ لِكُلِّ الشَّعب.
لِـهَذا يا أَحِبَّائي أَطلُبُ صَلواتِكُم جَـميعًا، لِكَي يُقَوِّيَنِـي الرَّبُّ الإِلَهُ في حِفْظِ هَذِهِ الأمانة.
أختُمُ بآياتٍ مِنْ سِفْرِ الـحِكْمَةِ (11: 23): "أَنْتَ يا رَبُّ تَرْحَمُ الـجَميع... أَنْتَ يا رَبُّ تُـحِبُّ الوجودَ كُلَّهُ ولا تُبْغِضُ شيئًا مِنْهُ، وإِلَّا لَما كُنْتَ أوجِدْتَهُ. فَكُلُّ بَشَرٍ في رِعايَتِكَ يا رَبُّ. أَنْتَ إِلَـهُنا رَؤوفٌ وصادِقٌ... تُدَبِّرُ كُلَّ شَيءٍ بالرَّحْـمَةِ"، آمين".