متفرّقات
16 أيار 2023, 11:35

المرتضى في افتتاح مؤتمر "الفن المسيحي": الفن الأسمى في لبنان هو من يعبّر عن التوق إلى عيش المعيّة

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى فعاليات مؤتمر "الفن المسيحي بين المعاصرة والتقليد" في دير سيدة البير في بقنايا - جل الديب، وألقى كلمة إستهلها بالقول: "الكنيسة والفن ترعرعا في كنف ابداعي واحد، الله هو المبدع.... وفنه في ابتداع جمالية الكون والإنسان انعكس في أنغام الطبيعة وفي الأشكال والألوان، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن المسيحية في تمظهرها الدنيوي حالة فنية تتوالد أشكالا وألوانا وانغاما في الأيقونة تارة وفي الترانيم تارة أخرى كما في سائر أشكال التعبيرات عن وحدانية الله. وبغض النظر عن الموقف العقيدي، فإنه لا بد من الاعتراف بأن الفن المسيحي أسهم في بناء الحضارة ببشرها وحجرها، بآدابها وفنونها شعرا ونثرا ورواية ورسما وموسيقى كما ببنائها السوسيولوجي والسيكولوجي والانتروبولوجي".

أضاف: "المسيحية والرسم حتمهما التجسد الذي يشكل ركنا أساسا في العقيدة المسيحية وهي إحدى الإشكاليات التي يقاربها الإسلام بمفهوم تنزيه الله عن كل صورة، لكننا لا نستطيع غض الطرف من جهة أخرى عن الدور التراكمي الذي لعبته الأيقونة في البناء المعرفي لحضارة بأكملها، ما يدعونا إلى معالجة الفن المسيحي عموما والأيقوني على وجه الخصوص من بعده الحضاري، لا من بعده الذي يفرضه علم الديانات المقارن، لذلك عندما تتوضح المنهجية يستقيم الرأي وتتبلور طبيعيا مآلات الحوار بين الأديان لأنه ليس هناك أجمل من زرع زهور التلاقي بين المسيحية والإسلام في حدائق القلب وليس هناك أخطر وأخبث من محاولات البعض البناء على الإختلاف لتأبيد الخلاف".

ورأى أن "الأيقونة مثل الشعر، مثل الموسيقى، تعبير عن مكنونات ومكونات روحية متبلورة في الألوان والأشكال والأنغام وعمق المعاني. محورها العالم العلوي والملائكة، المسيح وكرازته، مريم البتول، الأنبياء والرسل وسوى ذلك من قدس الأقداس هي مفاهيم مشتركة بين المسيحية والإسلام، فإذا ركزنا على الهدف من الأيقونة الذي يتمحور حول التقوى والتبيين، فأي فروقات نرى عندها بين جهاد التبيين عند المسلمين واجتهاد راسمي الأيقونة عند المسيحيين؟"، مستطردا: "نختلف على الأسلوب ولا نرى الجوهر الواحد وهذا وجه من وجوه قصور الرجاحة في العقل وتعلقه بالمظهر بدل تعلقه بالجوهر".

وتابع: "لن أطيل عليكم الحديث حول ما أحدثته الأيقونة من تداعيات وإشكاليات بين الثقافات الكاثوليكية من جهة والبروتستانتية والإسلامية من جهتين ثانية وثالثة، ولسنا هنا اليوم لنحدد نقاط الخلاف والاتفاق بين هذا وذاك من التيارات، انما لا بد وقبل الانتقال إلى موضع آخر من الاستشهاد بما قرره المجمع المسكوني السابع الذي اعتبر أن الأيقونة ليست بالضرورة تهمة وثنية وإسباغ هذه الصفة عليها تسرع في الحكم، وإذا كانت الشبهة المذكورة مبنية على تهمة مقاربتها بمشاعر العبادة للأشكال والألوان فهي وبحسب المجمع المذكور تكرم من المسيحيين تكريما للذين صورت من أجلهم لا لأجلها كأيقونة لأن العبادة لا تجوز للايقونة فهي لا تجوز الا لله ووحده دون غيره".

وقال: "أيّها الأحبّة، الثقافة فهم وتفهم. انفتاح لا فتح. وبانفتاحنا على المعتقد الآخر والعقيدة الأخرى نبني الانسجام ونحصن المجتمع وبلدنا هو المختبر والنموذج. مختبر لأنه يصنع الانفتاح كل يوم، انفتاح يقتضي أن يؤسس لا للتلاقي فحسب، بل للعيش معا وللمعية خصوصا فما هي قيمة الوطن إن لم نكن معا؟ وهل يرتفع له بنيان في لبنان من دون أعمدة الأساس؟"، لافتا إلى أنّ "كل ما يرتفع من دون أساس يهدم على رؤوس مؤسسيه إلا البناء المؤسس على المعية. بالمعية نكتشف حاجتنا بعضنا لبعض ونتخطى القشور فتتعانق جذورنا وتثبت وتزداد رسوخا".

وأردف: "تدخلون إلى وزارة الثقافة أيها الأخوات والإخوة فتخالون أنكم داخلون إلى متحف من اللوحات وهذا إن دل على شيء فعلى القدرة الاستثنائية التي نملكها كلبنانيين على اجتذاب الجمال في روح الآخر وليس على التسامح فحسب لأن التسامح فيه التحمل والصبر على قبول الآخر المختلف والجهد في تحمل الآخر لا يبني وطنا.  أما نحنفنؤسس كل يوم على معيتنا بكل أبعادها الوحدوية غير الانصهارية ولذلك احتفظ إلى جانبي دائما في مكتب الوزارة بأيقونة ممجدة لمريم العذراء ذي الوجه المنور المرسوم بالشعاع كبركة تحمي المسيحيين والمسلمين. وأدعوكم ختاما للتأمل في عبقرية لوحة "خلق آدم" لمايكل أنجلو على جدار ال Cappella Sistina في حاضرة الفاتيكان. تأملوا فيها فتجدوا أن لا تماس بين الخالق والمخلوق. تمتد يد آدم إلى أقصى ما يمكن ان تمتد له يد بشرية ويحاول بأصابعه مجتمعة ملامسة مطلقية الله. البعض منا يرى فيها تجسيدا والبعض الآخر تنزيها يعكس محدودية الانسان ولا محدودية الله. فلننظر إلى بعضنا البعض من حيث اننا قادرون على فعل الخلق المبدع فيما بيننا دون ان يفقد كل منا فرادته وخصوصيته وعقيدته".

وإعتبر الوزير المرتضى أن "الفن الأسمى الذي يجب على المسيحي والمسلم أن يقدمانه في لبنان، هو ذاك الذي يرسم المعية ويعزفها الحانا متكاملة... إنه الفن الذي يعبر عن توق إلى هدف منشود هو عيش المعية الذي يقتضي العمل على تجسيده بشكل أفضل على أرض الواقع وعلى ترسيخه في النصوص والنفوس".

وختم: "إذا هو جوهر المعية والعيش معا وهذا هو جوهر لبنان الذي يشكل أجمل لوحة على الإطلاق على جدار كنيسة المحبة التي تجمعنا. نسأل الله أن يسبغ علينا بالغ نعمه ومنها نعمة الوعي إلى أهمية عيش المعية، دامت الأنطونية حصنا للإيمان والوعي وخدمة الإنسانية".

 

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام