لبنان
20 أيار 2022, 06:30

المطران إبراهيم ترأّس قدّاسًا في ذكرى مولد المكرّم الأب بشارة أبو مراد

تيلي لوميار/ نورسات
في ذكرى مولد الأب بشارة أبو مراد، احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران إبراهيم مخايل إبراهيم بالذّبيحة الإلهيّة في منزل المكرّم، بمشاركة رئيس دير مار الياس المخلّصيّة الأب جورج اسكندر، الآباء: نقولا صغبيني، شربل راشد وسامي حايك، فيما خدمتها جوقة مار الياس المخلّصيّة بحضور جمهور كبير من المؤمنين.

في بداية القدّاس، رحّب الأب اسكندر بالمطران ابراهيم لحضوره في السّنوات القادمة على رأس الأبرشيّة الّذي سيكون الدّاعم الأكبر لمسيرتهم للوصول إلى تطويب أبونا بشارة.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران إبراهيم عظة قال فيها:

"نحن على مشارف عيد كبير جدًّا هو عيد حلول الرّوح القدس على التّلاميذ، عيد العنصرة، عندما كانوا مجتمعين في العلّيّة خوفًا من اليهود لكن هذا الخوف تبدّد عندما حلّ عليهم الرّوح القدس وأصبحوا ملئ من الرّوح، أيّ أصبحوا مباشرة قدّيسين، عندما نمتلئ من الرّوح القدس نصبح قدّيسين.

اليوم نحن نحتفل بذكرى مولد قدّيس امتلأ من الرّوح القدس وعاش القداسة في حياته. منذ نعومة أظافره سلّم حياته لله وهذا التّسليم تمّ في هذا البيت الّذي تحوّل بحضور الأب بشارة وأهله الأتقياء وعائلته إلى كنيسة مصغّرة، كنيسة بيتيّة. وعندما تتحوّل بيوتنا إلى كنائس، يحلّ فيها الرّوح وتمتلئ من القداسة، وفعلاً تحوّل بيت أبونا بشارة إلى كنيسة لأنّ أبونا بشارة امتلأ من الرّوح القدس ووزّع المواهب ليس فقط على ذاته لكن على كلّ من التقاه. كان محبًّا للآخر أكثر بكثير من محبّته لذاته، مع العلم أنّ محبّة الذّات ليست بالأمر السّيّء، يجب على الإنسان أن يهتمّ بذاته ويحبّها، وإذا لم يتعلّم أن يحبّ نفسه محبّة طاهرة وليس أنانيّة، محبّة معطاءة. إذا تعلّم أن يحبّ ذاته بهذه الطّريقة يمكنه أن يتعلّم كيف يحبّ الآخرين، لكن محبّة الذّات هي في خدمة الآخر وليس في خدمة الذّات. لدى القدّيسين لا أحد يحبّ ذاته من أجل ذاته، يحبّ نفسه من أجل الآخرين. أبونا بشارة أحبّ ذاته من أجل الآخرين لكي يستطيع خدمتهم. إذا أهمل ذاته يغيب عن القداسة وتغيب القداسة عنه، لذلك على الإنسان تنظيف بيته الدّاخليّ قبل كلّ شيء. هذا المنزل الّذي هو الإنسان بكلّيّته جسد وروح يتحوّل هو أيضًا إلى هيكل إلى كنيسة، أنتم هيكل الرّوح الحيّ فعندما نتحوّل إلى هياكل للرّوح القدس نقدّس ذواتنا ونقدّس معنا الآخرين، هذه هي بالمختصر قصّة أبونا بشارة، قصّة عطاء في السّير في القداسة بدون تعب، وإذا حلّ التّعب يغلبه الإيمان والثّبات ويغلبه الجهاد الرّوحيّ من أجل الوصول إلى الغاية الّتي هي خدمة النّفوس، وكان أبونا بشارة يقول "كلّ نفس تهلك، أطلب نفسك عوضًا عنها"، لهذه الدّرجة كان يعتبر الآخر مرتبطًا به، خلاص الآخر هو خلاصه، لأنّ الله سلّمه وديعة يوم سيامته الكهنوتيّة عندما دعي إلى الخدمة في الكهنوت، وهذه الخدمة في سبيل تقديس النّفوس وتقديس الذّات.

عندما دخلنا الى دير المخلص كنّا ننتبه إلى أمر مميّز، هناك درج يقود إلى قاعات الدّرس كانت درجاته محفورة أو مبريّة في المكان الّذي تطأه الأرجل، وكانوا يقولون لنا إنّ هذه الدّرجات داستها أرجل كلّ الذين سبقونا من العظماء والقدّيسين، من الآباء الّذين صنعوا تاريخ هذه الرّهبانيّة المخلّصيّة الّتي كانت ولا تزال محطّة إشعاع ومنارة في المنطقة والعالم.

في هذه الرّهبانيّة مرّ فيها أجيال من الأشخاص الّذين كانوا يفتّشون عن الحقيقة الّتي هي الله، عن الخلاص، وأحدهم كان أبونا بشارة أبو مراد. القداسة لا تأتي من الحجر بل تهدمه، ولذلك فتح الحجر في حائط كنيسة دير المخلّص واحتضن جسد الأب بشارة أبو مراد، علامة على أنّ هذا الكاهن هو قدّيس لأنّه لا أحد غيره في حائط الكنيسة، من قبل مماته والنّاس يطلقون على الأب بشارة لقب "أبونا القدّيس"، أعلنوه قدّيسًا قبل وقت كثير من إعلان الكنيسة، ومسيرة إعلان القداسة تبدأ من النّاس، من الشّعب، من نظرة النّاس إلى الكاهن، من إيمانهم بأنّه صاحب رسالة صادقة وعظيمة. أبونا بشارة عندما كان يمرّ ليس فقط بين المسيحيّين، بل أيضًا بين غير المسيحيّين كانوا يشيرون إليه بأصابعهم قائلين "هذا هو الكاهن القدّيس". القداسة مشعّة، لا أحد يضيء سراجًا ويضعه تحت المكيال، أبونا بشارة لم يكن قادرًا أبدًا أن يخبّئ قداسته مهما كان يجرّب أن يظهر في الصّور متواضعًا أو متخفّيًا، هذا الإختفاء الإراديّ لكي يكون في حضرة الله وحده، كان أبونا بشارة لا يبتغي مجدًا من النّاس ولا سلطانًا ولا شهرة، أبونا بشارة كان يفتّش عن شيء واحد هو رضا الله ومحبّة القريب، وقد أعطاه الله أن يعيش هذه المحبّة بثبات حتّى آخر لحظة من حياته."

وفي مقاربة مميّزة عن علاقة الأب بشارة أبو مراد ومار الياس قال المطران إبراهيم: "هذه الرّعيّة هي رعيّة مباركة بحضور أبونا بشارة الدّائم، من تاريخ عائلته ومن وجود منزله الوالديّ في هذه الرّعيّة المباركة والمقدّسة الّتي تحمل إسم النّبيّ إيليّا، مار الياس، ومن الممكن أنّ أبونا بشارة على طريقته كان يتّخذ مار الياس مثالاً له، فعندما قرأت ما هو مدوّن في أسفل الصّورة الموضوعة أمام المذبح "الخبزة بإيدك صارت ورد" وكما سمعنا في إنجيل اليوم عن تكثير الخبزات، نتأكّد أنّ أبونا بشارة كان من خطّ الإنجيل خطّ يسوع المسيح في فعل العجائب وتكثير الخبزات. وفي جملة ثانية "بشارة اللّي فينا شرع بإنجيلو عن الأرض ارتفع، نزّل المطر من العلى والحرّ عن الخليقة رفع" هذه من صفات مار الياس، ومن هنا نتأكّد أنّ هناك ارتباط قويّ جدًّا بين أبونا بشارة وكنيسة مار الياس. ليس بالصّدفة ولد في حيّ تتواجد فيه كنيسة مار الياس هذه إرادة وعناية إلهيّة، الرّبّ يعرف كيف يزرع في الأشخاص روحانيّة آباء قدّيسين وأنبياء كرّسوا حياتهم لخدمة الكنيسة والنّفوس."

وإختتم قائلاً: "أنا سعيد جدًّا بوجودي معكم اليوم، نسلّم بعضنا البعض للأب بشارة لنكون وديعة جديدة بين يديه لكي يحمينا في هذا الزّمن الصّعب، يزرع فينا الأمل، يرفع عنّا اليأس والإحباط الّذي ممكن أن يحطّم الإنسان مهما كان قويًّا. اليأس والإحباط أقوى سلاح يستطيع أن يفتك بنا، لذلك أحيانًا بعض النّاس يفقدون معنى الحياة عندما ييأسون ويصيبهم الإحباط ويقرّروا إنهاء حياتهم، اليأس خطير جدًّا لذلك نطلب اليوم من أبونا بشارة في ظلّ هذه الأزمة الصّعبة الّتي يمرّ بها أهل هذا البلد، في هذا النّفق المظلم، إن شاء الله بنعمة أبونا بشارة نخرج منه سويًّا باتّجاه النّور الّذي يعطينا الحياة ويزرع فينا الأمل الكبير بأنّ الغد هو لنا، نعمة مجّانيّة من الرّبّ".