لبنان
21 آذار 2023, 12:50

المطران ابراهيم في عيد مار يوسف: المسؤولون تخلّوا عن الشّعب علنًا "على عينك يا تاجر"

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد مار يوسف، احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بالذّبيحة الإلهيّة في كنيسة مار يوسف- حوش الأمراء، بمشاركة كاهني الرّعيّة الأرشمندريت أنطوان سعد والأب أنطوني أبو رجيلي، ومدير دار الصّداقة الأب جوزف جبّور والأب جورج عنتر، وبحضور جمهور كبير من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدّس رحّب الأرشمندريت بالمطران ابراهيم وشكره على كلّ جهوده، كما كانت كلمة لراعي الأبرشيّة قال فيها: "كنيسة مار يوسف في يوم عيد شفيعها تفرح بأنّ شفيعها هو حارس الفادي، هو الّذي أخذ على عاتقه أن يحرس يسوع وأمّه العذراء مريم، وهذه المهمّة هي صعبة خاصّة في البداية عندما عرف أنّ مريم حُبلى ولم يكن يعرف أنّها حُبلى من الرّوح القدس، ساورته الشّكوك وارتمى في بحرٍ من أمواج الشّكّ والقلق، وكما نسمع في الإنجيل المقدّس كان يحلم أحلامًا كالكوابيس كيف أنّ مريم أصبحت حُبلى إلى أن ظهر له ملاك الرّبّ وطمأنه وقال له "إنّ امرأتك مريم هي حُبلى من الرّوح القدس، وإنّ المولود منها سيكون اسمه يسوع أيّ الله معنا".

إذا أردنا مقارنة ذواتنا مع يوسف نرى أنّنا في أحيان كثيرة نرتمي في شكوك لا أصل لها ولا قواعد تُبنى عليها بثبات وبمعرفة للحقيقة والواقع. نصبح نشكّ في ذواتنا، في المقرّبين إلينا والمحيطين بنا، في أصدقائنا، هذا الشّكّ الهدّام الّذي يجعلنا نحلم أحلامًا مُرّة بأنّ الّذي بجانبنا لا يحبّنا وأنّه عدوّ لنا إلى آخره من الشّكوك الّتي تجعلنا نغيّر مواقفنا في الحياة تجاه ذواتنا وتجاه الآخرين."

وأضاف: "ثورة الشّكّ الّتي تصيب كلّ إنسان أصابت يوسف، ولم تهدأ هذه الثّورة إلى أن امتدّت يد الملاك ولمسته بلمسة الثّبات والثّقة ومعرفة الحقّ. هذه هي اللّمسة الّتي نحتاجها اليوم. يوسف الّذي قرّر أن يترك مريم سرًّا، واليوم هناك كثيرون يتركوننا علنًا وخصوصًا المسؤولون عنّا الّذين أعطوا هذه المسؤوليّة بأن يكونوا حرّاسًا للشّعب والنّاس، هؤلاء المسؤولون ارتموا في الشّكّ الّذي لا يبنى على الواقع، فالشّعب والنّاس هم أحقّ من هذا الشّكّ بالعيش الكريم، بالحرّيّة والازدهار والاستقرار، هذا حقّ لا نستجديه من أحد. هم لم يشكّوا فينا فقط بل شحّدونا وقرّروا أن يتخلّوا عن الشّعب علنًا "على عينك يا تاجر" كما نقول في لغتنا، دون أن يشعروا بأيّ حساسيّة على مواقفهم غير المطابقة لحقوق النّاس وكرامة الإنسان، وبالرّغم من ذلك لا يزال النّاس يلحقون بهم ويعتقدون أنّ الخلاص بيدهم وما زالوا ينتظرون جلسة لمجلس الوزراء من هنا وجلسة لمجلس النّوّاب من هناك وكأنّ كلّ التّاريخ الحديث الّذي عاشه لبنان لم يعلّمنا بأنّنا في أزمة مصيريّة، كيانيّة وجوهريّة لأنّ الّذين أولوا أمر حراستنا كشعب قرّروا أن يتخلّوا عنّا علنًا. لذلك نحن بحاجة إلى ملاك يوقظنا من ثبات الاستسلام لأوضاع تفوق طاقتنا وإرادتنا، مفروضة علينا، تأسرنا وتسجننا في وطن نحبّه ولكن لا يجوز أن يتحوّل إلى سجن، هذا الوطن هو مجال ومتّسّع للحرّيّة لكلّ أبنائه."

وتابع: "من يستطيع اليوم أن يعيش حرًّا في لبنان؟ مهما علا شأنه ومهما كان مسؤولاً عليه أن يتنفّس الهواء الملوّث، ويتناول الدّواء المنتهية صلاحيّته، وعليه أن يقع في كلّ أنواع المخاطر الّتي تنتج عن الفساد. لا أحد في لبنان يستطيع أن يقول إنّ الأزمة لا تطاله مهما كان يملك من المليارات من الأموال، لا يوجد سيّارات تنقّي الهواء من مدينة إلى أخرى، والتّلوّث لا يقتصر فقط على التّلوّث البيئيّ الّذي يشكّل خطرًا على كلّ النّاس، بل التّلوّث الّذي يأتي من داخلهم بحاجة إلى الكثير من الصّلاة، وهم بحاجة إلى ملاك يوقظهم ويعيدهم إلى رسالتهم الأصيلة، والأمل أن يأتي أشخاص جدد على قدر المسؤوليّة بشكل يناسب كرامة النّاس في لبنان.  

كلامي نابع من حرقة قلب أنّه لا يجوز أن نُسلَّم لهكذا مسؤولين يرتكبون الجرائم بحقّنا جميعًا كلّ يوم ويتنقلون بيننا ويحصلون على احترام أكثر بكثير من الإنسان الّذي يظلمونه. نحن بحاجة إلى أشخاص صادقين، أشخاص يحبّون النّاس. لماذا وصلنا إلى هذه الحال وهم مرتاحون؟ هل هناك واحد منهم يحمل همّ سعر صرف الدّولار؟ هل هناك واحد منهم يحمل همّ شراء المواد الغذائيّة من السّوبرماركت؟ وإذا اشترى كمّيّة صغيرة يبلغ سعرها ضعفين أو ثلاثة راتبه الشّهريّ؟ وإذا أراد أن يملأ سيّاراته بالوقود يبلغ خمسة أضعاف راتبه الشّهريّ؟ وكيف للحياة أن تستمرّ إذا كان هناك مسؤولون مثبّتون بالمسامير في كراسيهم وممنوع على أحد أن يلمسهم وكلّهم خطوط حمراء!

في ظلّ الواقع الرّاهن لا يسعنا إلّا أن نعلن الحقيقة بجرأة ونصلّي لكي يوقظ ملاك الرّبّ المسؤولين عندنا، ويوقظ كلّ اللّبنانيّين بأنّ الوضع الحاليّ لا يجوز أن يستمرّ. نحن لسنا دعاة عنف ولا دعاة جرائم لكن نحن دعاة استعادة الحقوق المسلوبة داخل الوطن من مسؤولي الوطن. واليوم أتوجّه بتحيّة كبيرة إلى الجيش اللّبنانيّ الموجود على باب هذه الكنيسة ليحرسنا، هولاء هم على مثال القدّيس يوسف، حرّاسًا حقيقيّين للّبنانيّين وللوطن، لولا الجيش اللّبنانيّ لما بقي لبنان، لذلك نحن نحيّي الجيش اللّبنانيّ ونقول لشبابنا لا تفقدوا الثّقة بجيشنا، التّطوّع في الجيش اللّبنانيّ بالرّغم من كلّ المصاعب الحاليّة يبقى واجبًا وطنيًّا مهمًّا."

وإختتم المطران ابراهيم عظته قائلاً: "أتمنّى لهذه الرّعيّة استمرار الإشراق والنّشاط برعاية كهنتها، الأرشمندريت أنطوان سعد والأب أنطوني أبو رجيلي. الأب أنطوان أعرفه جيّدًا وأعرف غيرته ومحبّته وصدقه وشفافيّته، والأب أنطوني كان لي الشّرف أن أعطيه سرّ الكهنوت بوضع اليد. إن شاء الله الرّبّ يبارككم دائمًا بالقوّة والنّشاط لمتابعة مسيرة الخدمة . وبيننا اليوم كاهن يحتفل بعيد شفيعه، الأب جوزف جبّور مدير دار الصّداقة، يحمل على أكتافه صليبًا كبيرًا في مسؤوليّته في الدّار، وهي مسؤوليّة ليست سهلة لأنّها تختصّ بالإنسان وتلمسه في عمق مشاكله وعمق احتياجاته، لذلك دار الصّداقة هي اليوم بأمان في يد كاهن ممتاز جدًّا نتمنّى له طول العمر.

أتوجّه بالمعايدة من كلّ الّذين يحتفلون بعيد القدّيس يوسف ويتّخذونه شفيعًا لهم واسأل الرّبّ أن يبارككم ويبارك هذه الرّعيّة لسنين طويلة آمين."  

وبعد القدّاس التقى المطران ابراهيم وكهنة الرّعيّة المهنّئين بالعيد وتفقّد كرمس الشّبيبة.