أوروبا
20 أيار 2019, 10:36

المطران تابت لأبناء أبرشيّة مونتريال: البطريرك صفير صورة عن لبنانكم ولبناني

ترأّس مطران كندا للموارنة بول مروان تابت قدّاس مرافقة لراحة نفس المثلّث الرّحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، في كاتدرائيّة مار مارون- مونتريال- كندا، عاونه فيه مدير الكاتدرائيّة الأب شربل جعجع، والمونسنيور جوزف سلامة ولفيف من الكهنة والشّمامسة، بحضور رئيس أساقفة المدينة المطران كريستيان ليبين، ومطران الأرثوذكس ألكسندر مفرّج، ومطران السّريان الكاثوليك بول أنطوان ناصيف، والأرشمندريت مكاريوس وهبة ممثّلاً مطران الملكيّين ابراهيم ابراهيم، والنّائب الأسقفيّ في الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة جورج زابريان، مطران الكلدان ريمون موصلي، والشّيخ سعيد فوّاز ممثّلاً دار الفتوى، والشّيخ نبيل عبّاس ممثّلاً المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى، والشّيخ عادل حاطوم ممثّلاً مشيخة عقل طائفة "الموحّدون الدروز"، وممثّلين عن الأحزاب اللّبنانيّة والجمعيّات، وحشد من أبناء الجالية اللّبنانيّة.

وللمناسبة، ألقى تابت عظة تحدّث فيها عن مسيرة الرّاحل وعطاءاته في لبنان وخارجه، وقال بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "لا أعلم إذا كان لقاؤنا اليوم لقاء فرح أو حزن، لكن ما أعرفه أنّه لقاء حول القربان نصلّي خلاله ونستذكر شخصًا من بيننا يشبهنا، نرى فيه أو في حياته وكلامه ومواقفه ونضاله قطعة منّا، جزءًا من قناعاتنا، صورة عن لبنانكم ولبناني، فاستحقّ لقب بطاركة أنطاكية: "مجد لبنان أعطي له".
البطريرك صفير، قرن زمن عمره، شذى فيه يمنًا قداسة سيرة كرائحة الورد والعطور والياسمين، ويسرًا مواقف ونضال وإنجازات كعرس قانا وصليب الجلجلة والعنصرة.
إنّه الدّائم الكبير، "السّادس والسّبعون" إبن التّسعة والتّسعين سنة. كاهن احترامه جزيل، وأسقف صاحب سيادة، وبطريرك كاردينال صاحب غبطة، استحقّ "مجد لبنان" الّذي أعطي له.
وأقرأ التّاريخ، رزم سنين، إنّها لعبة القدر، لا ينتظر المرء منها رحمة أو اعتبار. هكذا قاربها هذا البطريرك الصّميم، هو هو لم يتغيّر أو يتبدل، لم يساوم أو يهادن، لم يراوغ ويتلوّن... كان موقفه واحدًا في أمسه ويومه.
وعلّمتني الحياة أن أترك للزّمن زمنًا وللمكان مكانًا، فالزّمن لم يكن صديقه أو حليفه، ولا المكان كان أفضل... حرب ودمار حيّنا، احتلال وامر واقع حينًا آخر، ومساومات ومشاريع حلول مدفوع ثمنها بإخراج إقليميّ أو دوليّ، وهو لم يطو ولم ينطو. أبقى في الشّأن العامّ على الدّور الوطنيّ، وترك السّياسة لأهلها، لا مساومة على المبدئيّات، ولا مفاضلة في التّقنيّات، فاحتكم إليه كلّ قاص ودان، ولم يتخطّاه من توافق معه على الموقف، كما فرض احترامه على من خالفه الرّأي أو عاداه.
داخل البيت الكنسيّ، مجمع مارونيّ جديد منذ عام 1736، وإنجازات على صعيد اللّيتورجيا والتّنظيم الإداريّ والمؤسّسات الكنسيّة الجديدة، والمحاكم والعمل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام وغيرها.
وعلى دروب الانتشار ومحطّات الاغتراب أبرشيّات جديدة وزيارات حيث يدعو الواجب والضّرورة. مرّ على القارّات الخمس أكثر من مرّة، لكن الأساس بقي حيث يجب أن يبقى: لبنان.
تعلّم البطريرك صفير في مدارس أربعة:
- مدرسة العائلة: فيها نمى في النّعمة والقامة، وتعلّم الصّلاة والتّأمّل والقيم ولغة القلب.
- مدرسة الضّيعة: فيها انصبّ على المعرفة وأتقن اللّغة العربيّة ولغة المنطق الصّحيح والعقل.
-  مدرسة الكهنوت: فيها عمل على نحت شخصه وشخصيّته وانسحاق قلبه وعيش الفضائل الإلهيّة والإنسانيّة والتّحضير للخدمة الرّعويّة والبشارة بالإنجيل وتعلّم الأصول. 
- مدرسة الحياة: فيها تدرّج على العمل في الظّلّ والصّمت، وإتقان واجب السّاعة الحاضرة، والإقدام دونه الخوف، والكلام البليغ عندما تدعو الحاجة.
وعلّم في أربعة أخرى:
- مدرسة الوعظ: في خدمته الكهنوتيّة والرّعويّة حين خدم رعايا كسروان الوسطى.
- مدرسة اللّغة العربيّة: مع تلاميذه وفي ترجماته لكتب اللّاهوت الدّسمة، لتكون بمتناول أهل الاهتمام.
- مدرسة البطريركيّة: أمين للسّرّ أصيل فاستحق اللّقب الصّفة ونائب عامّ للبطريرك لا تعلم يمينه ما فعلت شماله.
- مدرسة القيادة: من الصّفّ الثّاني إلى الصّفّ الأوّل، مناضل شرس لا يستكين. سلاحه "الكلمة"، وترسه الموقف الّذي لا يتراجع عنه، حليفه حليف وخصمه خصم.
قرأ البطريرك صفير سير أسلافه وظروف حياتهم وخدمتهم ومعاناتهم، ووضع لنفسه منظومة قيم عمل بوحيها، وخطّة طريق مشى عليها، كي لا يضلّل من جهة ولا يتعثّر من جهة أخرى. أبعد عنه أصحاب النّفوس الصّغيرة، كنسيّين ومدنيّين، وصادق كتاب الصّلاة والقدّاس اليوميّ والتّأمّل والكتابة، والأحبّ إليه دفتر "مجارياته" وفيه كتابة ملخّص كلّ يوم عمّا كان "يجري معه أو من حوله".
لم يكن أكولاً ولا شروبًا، ولا شغوف موائد كبيرة، بل كان يكتفي بما يقدّم له.
أحبّ الأرض وعشقها وعاش معها مغامرة حبّ، فمشاها بفرح وشغف: قنّوبين وجبالها ووديانها. عرفها وعرفته، ضمّها وضمّته، انتظرته كل سنة وهو لم يبخل عليها. ساهم في الحفاظ عليها وبادلته، فأعطته "صحّة" ونشاطًا ونضارة وجه وصفاء ذهن وأنجبت له "عين البطريرك صفير" على ارتفاع حوالي ألفي متر في جرود الدّيمان المطلّة على أعماق الوادي المقدّس. إنّه "الدّائم الكبير"... هكذا وصفه خلفه "السّابع والسّبعون" البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى.
هو يرتاح بعد كلّ هذه السّنين المحمّلة بالخيور والغلال... سنبلة انحنت لكنّها لم تنكسر. نسر عاد إلى حجره... حاضر في فكرنا، حاضر في كلامنا، حاضر في وجداننا. أيّها الأحبّاء، إنّ الرّجال العظام هم الّذين لبّوا نداء التّاريخ... وها هنا عظيم آخر في تاريخنا.
نم قرير العين أيّها الدّائم الكبير، لقد أنهيت الشّوط وحفظت الوديعة على ما قال القدّيس بولس: "جاهدت جهادًا حسنا، وأكملت السّعي وحافظت على الإيمان، وقد أعدّ لي إكليل البرّ الّذي يجزّيني به الرّبّ الدّيّان العادل في ذلك اليوم" (2 تيم 7/4-8)".