لبنان
17 تشرين الأول 2022, 13:20

المطران جورج اسكندر احتفل بقدّاسه الأوّل في بلدته عين المير

تيلي لوميار/ نورسات
بعد استقبال شعبيّ حاشد على مدخل بلدة عين المير، مسقط رأسه، احتفل راعي أبرشيّة صور وتوابعها للرّوم الملكيّين الكاثوليك المتروبوليت جورج اسكندر بقدّاسه الأوّل في بلدته، في كنيسة القدّيس نيقولاوس، بحضور البطريرك السّابق غريغوريوس الثّالث لحّام، راعي أبرشيّة صيدا ودير القمر المطران إيلي بشارة حدّاد، ورئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، وحشد من فعاليّات وأبناء البلدة والقرى المجاورة.

بعد الإنجيل المقدّس كانت كلمة للمطران ايلي بشارة حدّاد رحّب فيها بالمطران اسكندر بين أهله وأحبّائه، ونوّه بالمسيرة الطّويلة الّتي ترافق فيها مع المطران اسكندر في العمل القضائيّ الكنسيّ، وتمنّى له التّوفيق في رسالته الجديدة.

من ناحيته المتروبوليت اسكندر، كانت له كلمة قال فيها: "سمعنا في إنجيلِ اليومَ مثَلَ الزّارعِ وهو من الأمثالِ الكثيرةِ الّتي كلّم بها يسوعُ الجماهيرَ الّتي كانت ترافقُه في تجوالهِ. فالزّارعُ هو يسوعُ نفسُه، والزّرعُ هو كلمةُ الله، والّذين على جانبِ الطّريق هم الّذين يسمعون ثمّ يأتي إبليسُ فينتزعُ الكلمةَ من قلوبِهم لئلّا يخلَصوا. والّذين على الصّخرِ سمعوا الكلمةَ وتقبّلوها بفرحٍ ولكنّهم يؤمنون إلى حينٍ وعند التّجربةِ يسقطون. والّذي وقع في الشّوك يدلُّ على الّذين يغرقون في ملذّاتِ الدّنيا فتخنقُهم شهواتُهم ولا يُدرَكُ لهم ثمرٌ. وأخيرًا القمحُ الّذي وقع في الأرضِ الطّيّبةِ وهم الّذين يسمعون كلمةَ الإنجيل فتقعُ في قلوبِهم فيحفظونها وتثمرُ الثّمارَ الطّيّبة.

كثيرونَ منّا يعتقدونَ أنّهم يواظبونَ على الصّلاة ويحضرون قدّاسَ الأحدِ والأعياد ويتمّمون الوصايا ويعيشون في مخافة الله وهذه أمور حسنة، ولكنّهم عندما يخرجون إلى حياتهِم العاديّة تخنقُهم همومُ الدّنيا فيغرقون في الحسدِ والحقدِ والنّميمة، وتغيبُ عن بالِهم محبّةُ القريب الّتي هي الوصيّةُ الأعظم مِنَ وصايا المسيح. فليس كلُّ من يقف في باب الهيكل نظيرَ ذلك الفرّيسيّ المتكبّرِ ويدقُّ على صدرِه ويقولُ يا ربُّ يا ربُّ يخلصُ، لأنّ الخلاصَ يأتي من العمل وليس من الكلام، فطوبى لكم إذا سَمِعْتُم ثم عَمِلْتُم بكلمةِ الرّبِّ في حياتِكم الشّخصيّة، وفي علاقاتِكم مع القريب، فإنَّ لكم ملكوتَ السّماوات.

ها أنا بينكم اليومَ في قدّاسي الأوّل بعد سيامتي الأسقفيّة وهو تقليدٌ درجت عليه الكنيسةُ لتؤكّدَ على ارتباطِ الدّعوةِ الإكليريكيّةِ بالرّعيّةِ الّتي انبثقت منها، وقرانا بشكلٍ عامّ هي خزّانُ الدّعواتِ الرّهبانيّة والكهنوتيّة. قد ينتظرُ البعضُ منكم أن ألقيَ عليكم موعظةً تشبه مواعظَ آباءِ الكنيسةِ الأوّلين الّذين حملوا تراث الفلسفةِ واللّاهوت، ولكنّكم بالتّأكيد سمعتم الكثيرَ من المواعظِ على مدى السّنواتِ الماضيةِ لذلك اسمحوا لي اليوم أن أتحدّث إليكم بلغةِ القلبِ وبساطةِ الكلامِ الّذي يتوجّهُ فيه الإنسانُ عادة إلى إخوتهِ وأهلِ بيتهِ ومحبّيه.

هنا في هذه البلدةِ العزيزة أبصرتُ النّورَ في عائلةٍ مؤمنةٍ تتألَّفُ من ثمانيةِ أولادٍ، وكانت والدتي رحِمَهَا اللهُ مسبحةَ صلاةٍ، لا يَشْغَلُ بالُها من شؤونِ الدّنياِ سوى تربيةِ أولادِها وتعليمهم وهي إن لم تكن تُحسِنُ القراءةَ والكتابةَ إلّا أنّها كانت تحفظُ الإنجيلَ في قلبِها وترفعُ الصّلاةَ مثلَ راهبٍ متعبّدٍ، وكان حضنُها الدّافئُ مذبحي الأوّلَ الّذي أحسستُ فيه بحرارةِ الإيمانِ وصُدْقِ الصّلاة. وأمَّا المرحومُ والدي فكان مزارعًا يُطعِمُ عائلتَه من تعبِ يديه وعرقِ جبينهِ، وفي كلِّ يومِ أحدٍ كان يَصْحَبُني معه إلى الكنيسةِ لحضورِ القدّاسِ وخدمةِ المذبح، كونَهُ من وكلاءِ الوقفِ في البلدة، وقد ورثَ هذه الخدمةَ عن جدّي، وقد تابع أخي البكر إميل هذه المسيرة إلى حين تهجير أبناءِ البلدةِ مع القرى المجاورة في العام 1985. وأمّا إخوتي وأخواتي فقد انشأوا مع صبايا وشبابِ البلدةِ نواةَ جوقةٍ للتّرنيم في الكنيسة بمساعدةِ المرحوم الأب ميشال واكيم، كي تخدمَ قداديسَ الآحادِ والأعيادِ والمناسباتِ الدّينيّة. وكانت شقيقتي هيلانة مسؤولة حركة الحركة الرّسوليّة للأولاد في القرية والشّبيبة الطّالبة المسيحيّة في الأبرشيّة. وإنّني أشكرُ اللهَ وأَحْمَدُهُ لأنّه اختارني في هذه العائلةِ الّتي اجتهدَ أفرادُها بالعلمِ والعملِ ومخافةِ الله، ليكونوا التّربةَ الصّالحةَ في الكنيسةِ والمجتمع.

في هذا الجوِّ الرّوحيّ والرّعويّ نشأتُ في عائلتي، وهي كنيستي الأولى، وإنّني اليومَ أرفعُ صلاتي إلى الرّبّ لكي يباركَهم مع عيالهِم بالصّحّةِ والنِّعَمِ السّماويّة.

بعدَ ذلك ذهبتُ إلى مدرسةِ الضّيعة، حيث تعرّفتُ إلى رفاقي وأترابي الّذين عِشتُ معهم زَهْوَ الطّفولةِ وبراءةَ اللَّعِبِ في باحةِ المدرسةِ وساحَةِ الكنيسة وفي الطُرقاتِ وبين الحقول. وبعد التحاقي بإكليريكيّةِ ديرِ المخلّص لم تغبْ عن بالي يومًا هذه الصّداقاتُ البريئةُ مع رفاقي الّذين نشأتُ معهم في البلدة، وقد فرَّقتْنا الظّروفُ الصّعبةُ الّتي مَرَّتْ على البلاد. أَذْكُرُهُم اليومَ جميعًا في صلاتي، الأحياءَ منهم والرّاقدين بالرّبّ.  

جئتُ اليومَ إليكُم وفي ذهني هذه الصّورةُ الجميلةُ عن بلدتنا، صورةُ الأُلْفَةِ وحُسْنِ العلاقاتِ في المناسبات والأعياد، وقد حَفِظْتُها مِنْ طفولتي بالرّغم مِنْ ابتعادي لاحقًا لأسبابٍ تتعلَّقُ برسالتي الرّهبانيّة، وعملي في أماكنَ بعيدةٍ داخلَ لبنان وخارجَه.

أرفعُ صلاتي اليومَ لكي تبقى هذه الصّورةُ محفوظةً في قلوبِكُم وأفكارِكُم وكلماتُ الإنجيل المُرشدَ لكمً في حياتِكم وأن تواظبوا على تقاليدِ المحبّةِ والتّعاونِ وحسنِ العلاقات بين بعضِكم البعض، فأنتم في النّهايةِ عائلةٌ واحدةٌ كبيرةٌ، مهما تنوَّعتْ أسماءُ عائلاتِكم وتعدّدتْ آراؤكم واتّجاهاتُكُم فهذا التّنوّعُ أمرٌ طبيعيّ في حياةِ البشر، واللّوحةُ الجميلةُ يزدادُ جمالُها إذا تعدَّدت ألوانُها وتناسقَتْ أشكالُها. ولتَكُنْ الوحدَةُ بينكم كما كانت حياةُ الجماعةِ المسيحيّةِ الأولى، وكما أنّنا كلَّنَا واحدٌ في المسيح.

أتوجّهُ بالشّكرِ إلى صاحبِ الغبطةِ الحاضرِ بيننا اليوم على محبّتهِ ومشاركتِهِ معي في قدّاسي الأوّل في بلدتي عين المير، وهو قد عَرَفَ هذه البلدةَ والقرى المجاورة منذ كان كاهنًا ورسولاً وشريكًا أساسيًّا في تأسيسِ دارِ العناية إلى جانبِ المثلَّثَي الرّحمات المطرانين جورج كويتر وسليم غزال.

أتوجّهُ بالشّكر إلى راعي الأبرشيّةِ سيادةِ المطران إيلي بشارة الحدّاد أخي في الرّهبانيّة ورفيقي على دروبِ العملِ الكنسيّ والرّسوليّ والقضائيّ وما يبذلهُ من جهود ومبادرات على الأصعدة الرّاعويّة والعمرانيّة والاجتماعيّة لتحصينِ أوضاعِ الأبرشيّة بحُسْنِ تدبيرِه ورعايتِهِ للنّفوس.

أشكرُ سيادةَ المطرانَ إبراهيم مخايل إبراهيم راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع، ابنُ بلدةِ جنسنايا جارةِ عين المير، وبين بلدتينا وعائلتينا روابطُ قربى وصداقة وأخوّة داعيًا له بالتّوفيقِ والنّجاحِ في أبرشيّتهِ الجديدة.

وإنّها لمناسبةٌ سعيدةٌ أن يجتمعَ اليومَ غبطةُ البطريرك والمطارنةُ المخلّصيّون في قدّاسٍ واحدٍ في بلدتي عين المير، لنشتركَ مع المؤمنين في رفعِ الذّبيحةِ الإلهيّة على نيّةِ بلدتِنا والبلداتِ المجاورة الّتي تربطُها بدير المخلّص روابطُ وثيقة منذ عهدِ المؤسّسِ المطران أفتيميوس الصّيفي، وهنا لا يغيب عن بالي أن أشكر الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة بإدارتها الحاليّة وما تقوم به من خدمات في هذه المنطقة وفي العالم.

أشكر كاهنَ الرّعيّة الأب شارل نقولا على سهرهِ في خدمةِ المؤمنين وعلى تنظيمِ هذا الاستقبالِ مع أبناءِ البلدةِ وأبناءِ القرى المجاورة، الّذين رحّبوا بي على امتدادِ الطّريقِ إلى هذه الكنيسة.

شكري لجوقةِ المخلِّص بقيادةِ الصّديق المهندس بسّام نصرالله، هذه الجوقةُ الّتي أحيت بترانيمِها الجميلة خدمةَ الذّبيحة الإلهيّة، والّتي تسيرُ دائمًا على نهجِ الآباءِ في تجديدِ ترانيمِنا الطّقسيّة.

أشكر إدارة تلفزيون Télé lumière على نقل وقائع هذا القدّاس الإلهيّ، ووسائلَ الاعلامِ الأخرى، والأجهزة الأمنيّة والعسكريّة.

ختامًا أرفعُ صلاتي وأدعيتي كي يحفظَكُم الرّبُّ جميعًا مع عائلاتِكم ويباركَكُم بالصّحّةِ والخيراتِ السّماويّة ويرحمَ موتاكم، ورجائي الحارّ أنا المطرانَ الجديد أن تكونَ بلدتي عين المير مثالاً في التّقوى والإيمانِ والمحبّةِ وحسنِ العلاقات بين أبنائِها ومع محيطِها المتنوّع، لكي يستمرَّ هذا الوطنُ كما قال عنه قداسةُ البابا يوحنّا بولس الثّاني، وطنَ الرّسالةِ والإبداعِ والعيشِ الوطنيّ الواحد. بشفاعةِ القدّيسِ نيقولاس وجميعِ القدّيسين. آمين."

قبل البركة الختاميّة قدّم البطريرك لحّام إلى المطران اسكندر بدلة أسقفيّة عربون محبّة وتقدير.

وبعد القداس تقبّل المطران اسكندر، يحيط به المطرانين حدّاد وابراهيم والبطريرك لحّام وأفراد العائلة، التّهاني من الحضور.

يُذكر أنّ المطران اسكندر سيحتفل بقدّاسه الأوّل في مدينة زحلة يوم الأحد 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر، عند السّاعة العاشرة والنّصف قبل الظّهر، في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة، بحسب ما ذكر إعلام أبرشيّة والفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك.