لبنان
07 كانون الأول 2020, 09:45

المطران سويف تسلّم مقاليد رعاية أبرشيّة طرابلس المارونيّة

تيلي لوميار/ نورسات
تسلّم المطران يوسف سويف مقاليد الرّعاية في أبرشيّة طرابلس المارونيّة خلفًا للمطران جورج بو جودة، وذلك خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه سويف في كنيسة مار مارون- طرابلس، بمشاركة النّائب البطريركيّ العامّ المطران حنّا علوان الّذي حضر ممثّلاً البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، المطران بو جودة، والنّائب العامّ الخورأسقف أنطوان مخايل، وخادم الرّعيّة المونسنيور نبيه معوّض.

وحضر القدّاس السّفير البابويّ في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتري ولفيف من المطارنة والإكليروس وعائلة المطران سويف.

في بداية القدّاس، سرد الخوري فادي منصور سيرة حياة الرّاعي الجديد، وتلا بعدها علوان مرسوم التّولية بإسم البطريرك الرّاعي، فقال نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "البركة الرّسوليّة تشمل أبناءنا الأعزّاء أبرشيّة طرابلس، كهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين، نحيّيكم بالرّبّ يسوع وأنتم تستقبلون اليوم راعيكم الجديد سيادة أخينا المطران يوسف سويف، إبن الأبرشيّة العزيزة، والمولود في بلدة شكّا التّابعة لها. إنّه يعرف تمامًا هذه الأبرشيّة الّتي دعي لرعايتها، وقد مارس رسالته الكهنوتيّة فيها على مدى إحدى وعشرين سنة، قبل انتخابه مطرانًا لأبرشيّة قبرص، وهذا أتاح له أن يعرفها ويحبّها بشعبها وإكليروسها ومؤسّساتها، وظلّت معرفته ومحبّته تنموان وتكبران أثناء رعايته لأبرشيّة قبرص طيلة الإثنتي عشرة سنة من خدمته الأسقفيّة فيها.

ننضمّ إليكم في الشّكر لسيادة راعيكم المطران جورج بو جودة، الّذي تفانى في خدمة الأبرشيّة العزيزة طيلة أربع عشرة سنة بروحانيّة مار منصور دي بول في رسالة المحبّة والكلمة. فأحبّ شعبها وكهنتها وتعاون مع رهبانها وراهباتها ومنظّماتها الرّسوليّة ولجان أوقافها، فازدهرت بمؤسّساتها وبالخدمة الرّاعويّة والرّسوليّة في رعاياها ومختلف قطاعاتها ومناطقها، ونسج أطيب العلاقات مع الكنائس الأخرى والطّوائف الإسلاميّة. نسأل الله أن يكافئه بفيض من نعمه في حالته الجديدة.

أمّا سيادة أخينا المطران يوسف سويف، راعيكم الجديد، فيأتيكم بخبرة أسقفيّة واسعة اكتسبها أثناء رعايته أبرشيّة قبرص، وبانتمائه إلى المجالس الأسقفيّة في أوروبا، والمسؤوليّة في مؤسّسة كاريتاس الدّوليّة، وعلاقاته مع الدّوائر الفاتيكانيّة، وبرئاسته اللّجنة البطريركيّة للشّؤون الطّقسيّة، وقد تولّى فيها وبواسطتها حركة الإصلاح اللّيتورجيّ الواسع في كنيستنا المارونيّة. هذا الإصلاح شدّد روابط وحدتها في النّطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار. وها إنّه يتّكل على مؤازرتكم من أجل خدمة ناجحة في الأبرشيّة.

يسعدنا أن نوفد إليكم سيادة أخينا المطران حنّا علوان، نائبنا البطريركيّ العامّ، وابن الأبرشيّة، ليمثّلنا في احتفال تنصيب المطران الجديد، وإجلاسه على كرسيّ أبرشيّة طرابلس العزيزة. وبذلك تبدأ توليته القانونيّة كرئيس لأساقفة طرابلس مع كامل الصّلاحيّات بموجب القوانين الكنسيّة.

نسأل الله، بشفاعة أمّنا العذراء، وأبينا القدّيس مارون، أن يبارك الأبرشيّة ومطرانها الجديد، وجميع أبنائها وبناتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها بفيض من نعمه وبركاته".

ثمّ كانت كلمة للمطران بو جودة، قال فيها: "عندما تسلّمت مقاليد الأبرشيّة في 12 شباط 2006، أعلنت في كلمتي الأولى بأنّي سأسعى أن أجعل منها ورشة رسوليّة، مستلهمًا في ذلك شعار جمعيّة الرّسالة اللّعازريّة الّتي أنتمي إليها والّتي دفعت القدّيس منصور إلى جمع عدد من الكهنة للقيام بالوعظ والإرشاد والاهتمام بالفقراء والمعوزين مستلهمًا نبوءة أشعيا وقول السّيّد المسيح: روح الرّبّ علي، أرسلني لأبشّر المساكين (لوقا 4/19). على هذه الرّوحانيّة تربّيت، وكان شعاري عند سيامتي الكهنوتيّة (1 أشعيا 11/18-19) جواب النّبيّ أشعيا على سؤال الرّبّ: من أرسل، من يكون رسولاً لنا، فقلت: ها أنذا فأرسلني. وعندما استلمت مقاليد الأبرشيّة أضفت إليها قول بولس الرّسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنثية: فإذا بشرت فلا فخر لي، لأنّ التّبشير ضرورة فرضت علي، والويل لي إن لم أبشّر (1قو 9/16).

رسالتي في الأبرشيّة كمرسل لعازاري بدأت في أيلول سنة 1977 عندما عيّنني رؤسائي رئيسًا على دير مار يوسف في مجدليّا، فقمت أوّلاً بزيارة معظم كهنة الأبرشيّة لأتعرّف إليهم وأضع نفسي مع 4 من إخوتي الكهنة في تصرّفهم، استمرارًا لما كان يقوم به من سبقونا، إذ كان مطران الأبرشيّة يرسلهم، فيمضوا عدّة أسابيع في القرى والرّعايا ثمّ يؤدّون له الحساب بعد عودتهم ذاكرين له من من المؤمنين تجاوب مع عملهم وأتمّ فصحيّته ومن منهم لم يقم بذلك. في الرّياضات الرّوحيّة الّتي كنّا نقوم بها، كان يرافقنا عدد من الشّبّان والشّابّات يهتمّون بالشّبيبة والأطفال، والّذين ما لبثوا أن نظّموا حالهم في حركة رسوليّة سمّوها حركة المرسلين العلمانيّين في أبرشيّة طرابلس، وهي ما زالت مستمرّة لغاية اليوم بعد أن أصبحت عضوًا في جمعيّة مماثلة لها تضمّ علمانيّين من مختلف أقاليم الجمعيّة MISEVI والّتي أصبح رئيسها العالميّ اليوم مهندس لبنانيّ من أبناء الأبرشيّة، وكانت قد سبقته في تحمّل مسؤوليّة الشّبيبة المريميّة المنصوريّة، كرئيسة أولى عالميّة لهذه الحركة إحدى صبايا الأبرشيّة كذلك. القدّيس منصور كان من أوّل الّذين وثقوا بالعلمانيّين، فنظّموهم وأطلقوهم للعمل في حقل الرّسالة والخدمة الاجتماعيّة.

طوال السّنوات الـ15 من أسقفيّتي حاولت أن أنفّذ هذا الشّعار يا صاحب السّيادة، فنجحت في أماكن، وكان نجاحي أقلّ في أماكن أخرى، لكن العمل مستمرّ، وللكهنة والرّهبان والرّاهبات فيه، كما للعلمانيّين الّذين عملت معهم طويلاً في المجلس الرّسوليّ العلمانيّ دور كبير. في الأبرشيّة اليوم 110 كهنة، رسمت منهم بوضع اليد تسعًا وثلاثين، البعض منهم متقاعدون بسبب المرض والتّقدّم بالسّنّ. أكثريّتهم يعملون في الرّعايا والمؤسّسات التّربويّة، في مدارسنا الخاصّة وشبه المجّانيّة، وفي بعض المدارس الخاصّة. بعضهم الآخر يعملون في خدمة الكنيسة في مختلف مؤسّساتها، ومنهم من يعمل في الجامعات الكاثوليكيّة. رعايا الأبرشيّة الـ125 كنت أزورها دوريًّا مرّات عديدة في السّنة وأحتفل فيها بالذّبيحة الإلهيّة بمناسبة أعياد شفعائها، أو بمناسبات الزّمن الطّقسيّ ورياضات الصّوم الكبير، وكنت هكذا أطّلع على أوضاعها على الأرض. إكليريكيّة مار أنطون البادوانيّ، الّتي أصرّيت على المحافظة عليها كفرع ثان للجامعة الأنطونيّة، تخرّج كهنة يحصلون على الشّهادات الرّسميّة من الكنيسة والدّولة. عدد كبير منهم حصلوا على الشّهادات العالية من جامعات روما وباريس، وعدد آخر يحصلون على الشّهادات بالمراسلة من أكبر جامعات أوروبا، وكلّ كاهن طلب منّي أن أشجّعه في دروسه، شجّعته وساهمت معه في تكاليف الدّراسة. كلّ ذلك لكي يكون الجميع مساهمين وناشطين في هذه الورشة الرّسوليّة ومؤهّلين لرفع التّحدّيات الّتي تجابههم.

أمّا العلمانيّون، فكلامي عنهم قد يطول، لأنّي منذ سنواتي الكهنوتيّة الأولى، ومنذ أكثر من خمسين سنة، قد تعاونت معهم مستلهمًا تعليم المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، فالحركات الرّسوليّة والأخويّات واللّجان الأبرشيّة تعمل بجدّ ونشاط، كلجنة العمل الرّسوليّ الّتي تنظّم سنويًّا المخيّمات الرّسوليّة، مع مثيلاتها التّابعة للرّهبانيّات، ولجنة الشّبيبة العاملة بالتّنسيق التّامّ مع مكتب الشّبيبة في البطريركيّة المارونيّة، ولجنة العائلة ولجنة المرأة، الّتي يرافقها جميعها كهنة ورهبان مختصّون، واللّجنة المسكونيّة بين الكاثوليك والطّوائف المسيحيّة الأخرى. كما أنّ في الأبرشيّة مجموعة لا أعتقد أنّ لها مثيل في غيرها من الأبرشيّات، وهي شبكة التّواصل والحوار بين رجال الدّين، مسيحيّين ومسلمين، تعقد اجتماعات وندوات دوريّة وتسعى إلى ضمّ عدد من العلمانيّين إليها، كي تنمّي الحوار القائم بين المواطنين بالتّعاون بين المطرانيّة المارونيّة، وأبرشيّتي الرّوم الكاثوليك والرّوم الأرثوذكس ودار الفتوى والمجلس العلويّ الأعلى.

هذا وصف موجز عن واقع الأبرشيّة الّتي تستلمون مقاليدها اليوم، يا صاحب السّيادة، وأنتم تعرفونه جيّدًا إذ كنتم كاهنًا في هذه الأبرشيّة، ومسؤولاً عن النّشاط الرّسوليّ فيها، على أيّام المثلّث الرّحمات المطران جبرائيل طوبيا، ونائبًا عامًّا لفترة من الزّمن قبل انتخابكم رئيسًا لأبرشيّة قبرص المارونيّة. أنا سعيد للغاية لأنّكم ستعطون لهذه الأبرشيّة نفحًا كبيرًا وزخمًا نظرًا لما عرفتم به من خبرة في الحقل الرّسوليّ، وحقل تنظيم اللّيتورجيا وحقل الخدمة الاجتماعيّة لكونكم عملتم طويلاً مع مؤسّسة كاريتاس، والحوار المسكونيّ الّذي كنتم من الرّوّاد فيه في أبرشيّة قبرص العزيزة، بارككم الرّبّ وأخذ بيدكم كي تقوموا بهذا الدّور وهذه الرّسالة على أكمل وجه.

أكرّر تعبيري عن فرحي واطمئناني لتسليمي إيّاكم مقاليد الأبرشيّة، وأقول لكم بأنّني أضع نفسي بتصرّفكم لمساعدتكم عندما تطلبون منّي ذلك، وخاصّة أنّكم ألحّيتم عليّ بأن أبقى بجانبكم بعد أن قرّرت أن آخذ مقرًّا ثانويًّا لي في دير مار يوسف الّذي أمضيت فيه سنوات طويلة بعد ترميمه، لكي أعود فأغرف من جديد من روحيّة القدّيس منصور دي بول رسول المحبّة والرّحمة وأب الفقراء. ترافقكم صلاتي ودعائي للرّبّ أن يهبكم نعمه وبركاته للقيام بهذه الرّسالة كما هو يريد".

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى سويف عظة قال فيها: "يا شعب الله الحبيب، معكم أرفع آيات الشّكر لأجل هذا اليوم الّذي فيه أستهلّ خدمتي الجديدة كأب وراع لأبرشيّة طرابلس المارونيّة. رافقوني بصلواتكم حتّى أعمل كلّ ما يرضي العلي، مجد اسمه. معًا نصلّي لشفاء المرضى من جرّاء وباء كورونا الّذي يخلق القلق والخوف في النّفوس. لأجل ذلك اختصرنا الاحتفال بالعائلة الكهنوتيّة والمكرّسة حتّى لا نعرّض أحدًا للأذيّة، آملين أن نحتفل بقدّاس الشّكر عندما تتحسّن الأوضاع العامّة، عندها نلتقي مع أبناء الرّعايا والهيئات الرّسميّة والرّوحيّة والمدنيّة والعسكريّة بطمأنينة وراحة بال، فالسّهر على سلامة المواطن وخير الإنسان هما تتميمًا لإرادة الله".

وشكر سويف الرّاعي "على محبّته وثقته، وقد أوفد إلينا النّائب البطريركيّ العامّ أخانا المطران حنّا علوان مشكورًا، ومع غبطته أتّحد وإخواني المطارنة أعضاء سينودس الكنيسة المارونيّة بالصّلاة والعمل لخير الكنيسة والوطن".

كما شكر السّفير البابويّ "الّذي أرسل عبره إلى قداسة البابا فرنسيس والكرسيّ الرّسوليّ كلّ مشاعر البنوّة والأخوّة، طالبين من الرّبّ لخليفة القدّيس بطرس أن يواصل خدمة المحبّة وتثبيت الإيمان والعناية بالفقير والمجروح، هو الّذي يولي الإنسان الموقع المركزيّ في رعايته. إنّه الصّوت الصّارخ الّذي يدعو العالم، "البيت المشترك"، أن يجسّد عمق الأخوّة الشّاملة لصون كرامة الشّخص البشريّ الّذي ينظر إليه الرّبّ بحبّ وحنان (مرقس 10/21)."

ولسلفه قال: "بإسمي وبإسم الكهنة وأبناء الأبرشيّة، أتوجّه إليك بعاطفة الشّكر ليس فقط على سنوات خدمتك الأسقفيّة، بل على حضورك الكهنوتيّ والرّسوليّ الّذي أمضيت معظم سنواته في منطقة الشّمال، ستبقى معنا هنا في دار المطرانيّة، الأخ والأب والمرشد".

وإستذكر "مطارنة طرابلس، أنطون العبد المرجعيّة الحيّة في الذّاكرة الجماعيّة، أنطوان جبير رجل الأبوّة والعلم الرّاسخ، جبرائيل طوبيا رجل الأرض والتّواضع والرّؤيا البعيدة، يوحنّا فؤاد الحاج رجل الحضور وخادم المحبّة الشّاملة".

وتابع: "إخواني ممثّلي أصحاب الغبطة، والسّادة المطارنة، أشكر لكم مشاركتكم ومعًا نواصل الشّهادة للسّيّد المسيح ولإنجيله، كتاب الحياة والغفران، متّحدين مع بعضنا البعض برباط المحبّة والسّلام. أحيّي الرّؤساء العاميّن والرّئيسات العامّات والكهنة والرّعاة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين المكرّسين للخدمة الرّعويّة.

أحيّي لبنان وقبرص شعبًا وقيّمين، والمجالس الأسقفيّة الّتي كنت عضوًا فيها لاسيّما في أوروبا (CCEE- COMECE- AOCTS- CEC)، وكاريتاس الدّوليّة وعدالة وسلام ومجلس الحوار بين القادة الرّوحيّين في قبرص، والمؤسّسات والجمعيّات الّتي فعلت دورها وتلك الّتي أنشأت، والرّعايا والأديار والكوادر العلمانيّة.

سلام لأبناء أبرشيّتي في قبرص كهنة وعلمانيّين، هي الّتي أحببتها وانتميت بفرح إليها وإلى شعبها وتاريخها وروحانيّتها. أنتم دومًا في صلاتي وفكري وقلبي. أحيّي اليونان الّتي أزور فيها الموارنة وأثمن ثقافتها ورسالتها".

كما توجّه إلى "أبناء أبرشيّتي الأمّ طرابلس" قائلاً: "أنا بينكم أبًا وأخًا ورفيقًا، نسير معًا ونفرح معًا، ومعًا نتضامن في الصّلاة وأمام التّحدّيات، ونقف معًا إلى جانب الفقير والمريض والمهمّش من ظلم الظّالمين أمام التّحدّيات. فيا أبناء رعايانا من عكّار والضّنّيّة وزاوية زغرتا والكورة وشكّا وطرابلس، أثمّن فيكم النّخوة العالية والسّخاء المعهود وعشق الأرض والإيمان العميق الّذي يجمع بين الرّوح والإنسانيّة.

وأنت يا طرابلس، يا فيحاء الإخاء والسّلام، يا مدينة العلم والعلماء، يا صاحبة الفضيلة المتوّجة بالمحبّة. أنت أيقونة لبنان الرّسالة، لبنان العيش الواحد، معًا مسيحيّين ومسلمين. أنت نموذج للاعتدال والتّلاقي على الخير، لحوار الحياة ونشر السلام في القلوب والعقول. فمنك أيتها المدينة الشامخة الموجوعة، نحيي بيروت المفجوعة المظلومة، راجين عدل الأرض وعدالة السماء. من هنا اتعهد ان اساهم مع ابناء المنطقة واساقفتها وسماحة مفتيي طرابلس وعكار، في تجسيد قيم الحرية وفي اخذ مبادرات انمائية ترسخ العدالة الاجتماعية وتحارب الفقر والتفقير، وتطور نوعية العيش.

هذه هي رسالتنا في الأبرشيّة وفي لبنان، هذا هو إرثنا وثروتنا في عالم تزداد فيه البغضاء، عالم فيه سباق للتّسلّح، جنون في التّلوّث، تبدّل مناخيّ يحتّم الموت، حروب عبثيّة، شعبويّة ممنهجة، هجرة مخيفة، إتجار بالبشر، استغلال للمرأة، تعنيف منزليّ، تمايز اقتصاديّ واجتماعيّ بين جنوب وشمال، أفرز أكثريّة من الفقراء وأقلّيّة من الأغنياء. عالم فيه تغذّي الإيديولوجيّات روح التّقوقع والخوف من الآخر، فلا للخوف من الآخر بل لقبوله على اختلافه، لا ننسين أبدًا أنّنا دعينا كي نصنع السّلام فنحقّق معنى إنسانيّتنا. وفي هذه الرّوحيّة، نثمّن ما دعا إليه غبطة أبينا البطريرك الرّاعي من "حياد ناشط" إيجابيّ ومنفتح وفعّال، كجسر عبور وخلاص للبنان المتألّم والمجروح. إنّها ثابتة تاريخيّة ووطنيّة لفتح باب الحوار والوصول إلى كلمة سواء بين اللّبنانيّين الشّركاء في المواطنة الحاضنة للتّنوّع والمبنيّة على لبنان رسالة العيش الواحد والحرّيّة والسّيادة، هذا هو معنى المئويّة الأولى للبنان الكبير بأبوّة البطريرك المكرّم الياس الحويّك".

ودعا الى "أن نصلّي جميعًا لأجل لبنان الغارق في الأزمة الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي ولدت أحزمة بؤس موجعة وهجرة الشّباب وسببها غياب الأخلاق في إدارة الشّأن العام وفساد في الذّهنيّة المجتمعيّة وتغييب لسلم القيم. تعالوا نجدّد معًا إيماننا بالله وبطاقة اللّبنانيّين للقيام من رماد الموت كطائر الفينيق الثّائر. فنعم لولادة لبنان الجديد! أمام الفراغ المرير والمؤذي، كلّنا مسؤول للنّهوض بالوطن، والتّعاون المثمر بين المؤسّسة المدنيّة والدّينيّة والاجتماعيّة. نقدّر هنا دعم المنتشرين لأحبّائهم المقيمين. نعم، سفينة الوطن تغرق، لكن قوّة الحبّ والإيمان والرّجاء لم تمت ولن تموت، فهي تتخطى كل إحباط ويأس لأنّ عناية الله بعباده أقوى من كلّ أنواع الموت. نعم لثقافة التّعاضد ولا لموقف اللّامبالاة. أدعو الجميع لمزيد من الوعي وتنمية الحسّ النّقديّ البنّاء لنستحق وطنًا تحلم به الأجيال الجديدة".

وتوجه الى الكهنة قائلًا: "أنتم يا أحبّائي الكهنة، وأنا كاهن مثلكم وأسقف لأجلكم ومعًا لأجل الرّعيّة. فعلى مثال يسوع، رئيس أحبار اعترافنا، تعالوا نخدم بأمانة وننشر إنجيله بفرح ونكسر قربانه خبزًا للبشريّة التّائقة إلى الحياة. أنا معكم لأنظر أوّلًا إلى وجوهكم وإلى عيونكم الفارحة والدّامعة، أزوركم في بيوتكم وأصغي إليكم، و"قلاية الصّليب"، دار المطرانيّة، هي بيتكم. فيها نكون عائلة كهنوتيّة، نفكّر معًا، نبرمج، نخطّط، نضع الأولويّات ومعًا نصلّي لئلّا نجرّب في تسلّط وانقسام فيتشوّه جمال البشارة. ومع المكرّسين والعلمانيّين وذوي الإرادات الطّيّبة، نعمل لنصرة الضّعيف، والوطن يعبر زمنًا قاهرًا. معا نتابع التّدبير والشّركة والخدمة، شعار خدمتي الأسقفيّة لنشر الفرح وتوطيد الرّجاء".

كذلك توجّه إلى المكرّسين قائلًا: "وهبتم حياتكم للمسيح وأردتم أن تحملوا صليبه بنذور رهبانيّة وفضائل مسيحيّة تعكس جمال ملكوت الله على الأرض. أنتم في قلب الأبرشيّة، ومعكم يتكامل مشروع الرّسالة لخير الإنسان وكلّ الإنسان، روحيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا وصحّيًّا، في جهوزيّة دائمة للعناية بكلّ شخص دون السّؤال عن عرقه ودينه كالسّامريّ الصّالح. تعالوا نقوم معًا بمبادرات جريئة ونبويّة أمام معاناة شعبنا وأمام الإهمال المميت في الإدارة العامّة للقضيّة الإنسانيّة. أبوابنا دومًا مفتوحة كما القلوب حتى لا يبقى إنسان ملقى على قارعة الطّريق".

وقال: "أصلّي مع العائلة ولأجلها، وأشكر الله على عيالنا التي ما زالت تصمد أمام تيّارات الإغراءات والانقسامات، وأدعوها إلى ممارسة فنّ اللّقاء والإصغاء والحوار. فكلّ بهرجات الدّنيا تزول والفرح الحقيقيّ يسكن في القلب ويحوّل البيت بفعل إيمان أبنائه إلى كنيسة حيّة تتجدّد بالكلمة والرّوح".

أضاف: "ويا شبيبتنا المقهورة المناضلة والرّؤيويّة، إنّي أتوجّع لوجعكم وأشعر بقلقكم أمام المستقبل المجهول. فلا تفقدوا الرّجاء بل رسّخوا انتماءكم للرّبّ وللوطن الحبيب لبنان، الّذي إذا خسرناه، لا سمح الله، فالخسارة لا تعوّض. فأنتم ملح هذه الأرض، وأنتم نورها (متى 5/ 13-14)، الكنيسة بحاجة إليكم، ولبنان بحاجة إليكم، بحاجة إلى ذهنيّة جديدة وأداء جديد ينبذ الأنانيّة وينهج "العمل الفريقيّ" بشفافيّة عالية ومحاسبة جريئة وديمقراطيّة ناضجة. يا شبيبة الكنيسة، يا أصدقاء يسوع، افتحوا له قلوبكم، فهو الّذي يرافقكم في الطّريق كتلميذي عمّاوس، وفي قلب المحنة والفراغ، يصغي ويرافق ويكسر الخبز معكم ولأجلكم محوّلاً طاقة الحبّ الكامنة فيكم إلى شجاعة التّلاميذ- شهود القيامة. أرى فيكم أيّها الشّباب خليّة وطنيّة رسوليّة تغييريّة، منها تعدّ الكوادر لتعمل في الشّأن الرّاعويّ والثّقافيّ والاجتماعيّ، فنثبّت القيم الرّوحيّة والإنسانيّة على قاعدة احترام حقوق الإنسان.

نجدّد اليوم انتماءنا إلى المسيح وإلى الكنيسة في لبنان، عروس المشرق ومحطّ أنظاره، نواصل درب الشّهداء من وحي إرث قنّوبين، صلاة وبخّور وزهد وذهاب إلى عمق الكلمة والحياة الإنسانيّة. إنّه اختبار "الكنز الحيّ" مصدر إيحاء لقدّيسي الزّمن المعاصر. يتجدّد هذا الالتزام في لقائنا الشّخصيّ بكلمة الله، روح الخليقة بأسرها، فنعلن الإيمان من على المذبح وأمام القربان، في اعترافنا بالمسيح القائم الّذي يرسلنا لنتقاسم خبز المحبّة مع الإخوة في عالم يعاني من أنانيّة البشر. فيكمن التزامنا الإنسانيّ والمسيحيّ في تحقيق العدالة وترسيخ السّلام.

أيّها الأحبّاء، معكم أجدّد الشّكر للرّبّ على نعمه الّتي لا توصف، على حضوره في بشريّتنا وهو الكلمة الإله الّذي حل فينا (يوحنّا 1/ 14). فمع العذراء مريم نجدّد العهد قائلين: "نعم" نحن خدّام لك وللإنسان. ومع المعمدان نعدّ طريق الرّبّ إلى القلوب صارخين في برّيّة هذا العالم أنّ "هذا هو حمل الله" الّذي يحمل خطايانا (يوحنّا 1/29). برحمته يشفي كلّ جرح ويعزّي الفؤاد. نحن نؤمن أنّه معنا، مع أبرشيّتنا ومع وطننا لبنان، فلا يدع رجلنا تزل، الرّبّ يحفظنا، الرّبّ ستر لنا (مزمور 121). فكلّ ما نقوم به وما نحن عليه ليس منّا بل عطيّة منه ولا يعود لمجدنا بل لمجد اسمه القدّوس، إلى الأبد آمين".

وكانت في الختام كلمة بإسم كهنة أبرشيّة طرابلس المارونيّة ألقاها خادم الرّعيّة معوّض مرحّبًا فيها بسويف في أبرشيّته، وقال: "أبرشيّتنا اليوم تتنفّس الصّعداء، وقد لمست لمسا ثمار الثّبات والإيمان والحكمة وتتحسّس مدى النّعمة الّتي دفّقتها عليها السّماء. فعلى منائر القلوب تضع أبرشيّتنا سراجها الّذي أوقده الله وأرسله هداية وهدى. أبرشيّة طرابلس قد هزّتها بشرى انتخابكم يا صاحب السّيادة. لذا لا بدّ من رفع آيات الشّكر إلى صاحب الغبطة والنّيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى على هذه البادرة الّتي شاءها تقديرًا ومكافأة على حياة حافلة بالمآثر الطّيّبة ومثقلة بالأعمال الرّسوليّة في حقل الرّبّ. أبرشيّتنا فخورة بهذا المجد الّذي يضاف إلى أمجادها وتقاليدها وامتيازاتها وجهادها في سبيل الخراف المشتراة بالدّمّ الإلهيّ. الشّكر أيضًا لعائلتكم الّتي علّمتكم محبّة الله والوطن. فقد تربّيتم في كنف عائلة شهد لها عارفوها باستقامة الضّمير والعناد في الحقّ. فباسمي الشّخصيّ وبإسم كهنة الأبرشيًة والحضور جميعًا، نتقدّم منكم يا صاحب السّيادة بالتّهاني القلبيّة الصّادقة، وأنتم تعرفون ذلك. وإلى ربّ الحصاد، صلواتنا نرفعها على يدي سيّدة لبنان ومار مارون شفيع هذه الرّعيّة، لكي يحفظ سيادتكم ويعضدكم لما فيه خير لبنان والكنيسة".