لبنان
12 حزيران 2019, 05:00

المطران مطر يرسم للمرّة الأخيرة 3 كهنة في أبرشيّة بيروت المارونيّة

إحتفلت كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في بيروت، في يوم العنصرة، بترقية شمامسة ثلاثة إلى الكهنوت، بوضع يد رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر.

 

وفي التّفاصيل لبس كلّ من الشّمّاس جورد عازار(عرّابه الخوري شربل مسعد)، ونعمة الله رودي مكرزل (عرّابه المونسنيور عصام أبي خليل)، وأُغسطينوس إيلي بو عبدالله (عرّابه الخوري جان بول أبو غزاله)، الثّوب الكهنوتيّ، خلال الذّبيحة الإلهيّة الّتي ترأّسها مطر، عاونه فيه النّائب الأسقفيّ للشّؤون الإداريّة والماليّة في أبرشيّة بيروت المونسنيور شربل بشعلاني والنّائب الأسقفيّ للشّؤون الرّاعوية المونسنيور أنطوان عسّاف والأبوان رشيد أبي خليل وبول مطر. كما شارك في القدّاس المطران شارل مراد ولفيف من كهنة الأبرشيّة ورهبانها وراهباتها، وحضر النّائب آلان عون ورئيس المجلس العامّ المارونيّ الوزير السّابق وديع الخازن وأعضاء الهيئة التّنفيذيّة للمجلس وأهالي الكهنة الجدد وأصدقاؤهم.

وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "نشكر حضوركم ونطلب صلاتكم اليوم ، من أجل أبرشيّتنا وكهنتها وشعبها ونصلّي معكم، أيّها الإخوة، ومع سيادة المطران شارل مراد والآباء على نيّة الشّمامسة الّذين يتقدّمون من الدّرجة الكهنوتيّة المقدّسة.
منذ وصولي إلى أبرشيّة بيروت أيّ منذ 23 سنة أخذت قرارًا بأن تكون سيامة الكهنة في سبت العنصرة في عيد حلول الرّوح القدس على التّلاميذ وبداية حياتهم الإنجيليّة ونشرهم ملكوت الله. وقد أعطانا الله إلى اليوم، أن نرسم 91 كاهنًا في الأبرشيّة، على مدى 23 سنة. نشكرالله على عطاياه ونشكره على كهنتنا الأحبّة، الّذين، وبإسم المسيح ينشرون الإنجيل، يغذّون المؤمنين بالقربان المقدّس، يغفرون الخطايا ويوحّدون القلوب.
العنصرة أتت بعد القيامة وبعد الصّليب. كنيسة المسيح عروسته. يقول الآباء: وُلدت من جنبه عندما طُعن بحربة، على الصّليب فخرج للوقت دم وماء. الدّمّ رمز القربان والماء رمز المعموديّة. فكما كانت حوّاء من ضلع آدم خرجت، هكذا الكنيسة خرجت من جنب المسيح، لتكون عروسته وتكون أُمّنا جميعًا وتكون مشروع جمع للبشرية كلّها، في كيان واحد اسمه الكنيسة وعروسة الرّبّ يسوع المسيح، يأخذها على عاتقه ويقدّمها لأبيه في آخر الزّمن عروسًا مجيدة. 
بالقيامة بدأ يسوع يقوّي تلاميذه الّذين خافوا، زارهم عدّة مرّات على مدى أربعين يومًا، يشجّعهم ويؤاسيهم، يقول لهم صلّوا، أنا هو وسيأتي الرّوح القدس ويعلّمكم كلّ شيء. وبالحقيقة تغيّر الرّسل بعض الشّيء ولكن لم يتغيّروا تمامًا، إلّا بعد حلول الرّوح عليهم. وفي اليوم الخمسين، كما كُتب في أعمال الرّسل، إذا بعاصفة تهبّ وبالرّوح ينزل على التّلاميذ، والتّقليد يقول إنّ العذراء مريم كانت معهم، بألسنة من نار على كلّ واحد منهم، وفي تلك اللّحظة تغيّر الرّسل. من ضعفاء إلى أقوياء ومن خائفين إلى شجعان، من جهلة إلّا من بعض الأمور، فكان معظمهم صيادّي سمك، إلى علماء يشرحون كلمة الله. من ناس غير معدودين إلى أُناسٍ هم حجر الزّاوية، مثل بطرس في بنيان الكنيسة الجديدة. أُجوبة عظيمة تمّت بحلول الرّوح عليهم. هذا الرّوح الّذي يحلّ اليوم على الكهنة الجدد، فيتغيّروا مثل ما تغير الرّسل ويتثبوا مثل ما ثبت الرّسل. وللحال وقف بطرس، صيّاد السّمك، رأس الكنيسة الجديد وخاطب الجموع، قائلاً: أيّها اليهود، إنّ يسوع الّذي تعدّيتم عليه وسلّمتموه إلى الأشرار وقتلتموه، قام من الموت ونحن شهود على ذلك.
ويقول الكتاب: الآلاف دخلوا المسيحيّة منذ اليوم الأوّل من بشارة بطرس لهم. كم هو عظيم هذا الحدث. يعرّفنا أنّ الكنيسة هي مشروع الله. ونفهم اليوم، ماذا قال يسوع لبطرس: يا بطرس أنت الصّخرة وعلى هذه الصّخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. صحيح، الكنيسة تعرّضت إلى الموت، 300 سنة تحت الأرض، ترمى إلى الوحوش في روما، لأنّنا كنّا نشكّل تهديدًا، لعرش الإمبراطور الرّومانيّ. ويقول المعلّمون في الكنيسة، بعد ذلك: الشّهداء هم بذار الكنيسة وقيامتها الجديدة، فانتشرت كنيسة المسيح في العالم كلّه واليوم تعدّ ملياري نسمة، طبعًا من أصل 7 مليارات. وهذا ما يسائلنا، حول العمل الجديد للكنيسة وتكملة رسالتها إلى العالم كلّه.
قرأتم وقرأنا في الأيّام الأخيرة، كلامًا لقداسة البابا فرنسيس إلى الكهنة في إيطاليا، فقال لهم: "الإنجيل لا يبشّر به ونحن جالسون، بل سيرًا على الأقدام. إذهبوا إلى النّاس أينما كانوا، واحملوا لهم المسيح وكلامه ومحبّته". الكنيسة تنطلق من مكان إلى مكان، على أخر الأرض. ألم يقل الرّبّ إذهبوا إلى الدّنيا كلّها وعمّدوهم باسم الآب والإبن والرّوح القدس. علّموهم كلّ شيء وأنا معكم حتّى آخر الدّهر. هذا يعني، يا أحبّائي، أنّ المسيح الّذي بنى كنيسته، على بطرس والإثتي عشر والكهنة معاونيه، سوف يكمل مشواره حتّى آخر الدّنيا.. وكما صعد إلى السّماء يوم خميس الصّعود، سينزل إلى الأرض من جديد ليدين الأحياء والأموات، وينتهي ملكوت الله بتمامه وكماله.
بين صعود المسيح إلى السّماء وعودته، الكنيسة تقوم برسالتها في كلّ الأرض، تُعلّم أنّ الله محبّة وغفران، وأنّنا إخوة مهما كنّا، ومهما كانت أدياننا. روح المسيح هي هذه، جمع النّاس إلى واحد. مشيئته منذ الأزل هي هذه. أن يجمع المتفرّقين إلى واحد.
واليوم ينضمّ ثلاثة كهنة جدد أحبّة، أقوياء ومحبّين للمسيح إلى العمل في حقل الرّبّ. هي فرحة كبيرة للمطران وللكهنة رفاقهم وللأبرشيّة وللأهل ولكلّ المؤمنين. أن يُرسل الله إلينا ثلاثة كهنة، هذه السّنة، يكملون معنا وبعدنا، العمل بإسم المسيح ونشر إنجيله حتّى آخر لحظة من حياتهم. أليست هذه نعمة عظيمة، تُعطى لكم، أوّلاً أيّها الشّباب؟ اعتبروا أنّكم وجدتم الدّرّة الثّمينة، وليس هناك أعظم منها، حافظوا عليها. والرّبّ الّذي اختاركم لن يترككم، أبدًا. الخطر يكمن في أن نتركه نحن، هو لا يترك أحدًا. سوف يرعاكم بعينيه وبقلبه وبشفاعة أمّه وشفاعة القدّيسين جميعًا. نحن وإيّاهم جسمٌ واحدٌ في كنيسة المسيح. لن تكونوا وحدكم، أبدًا. الرّبّ والعذراء معكم، العذراء سترعى كلّاً منكم وتقول لابنها: هذا أنت اخترته، قوّه، ثبّته في اختياره وإيمانه والرّبّ يستجيب لطلبات أمّه. لن تكونوا وحدكم، القدّيسون جميعًا معكم. الشّهداء الّذين علّموا الإنجيل معكم ودفعوا الدّمّ في سبيله وفي سبيل ملكوت المسيح، هم يرافقونكم في هذا المشوار العظيم. ولذلك نحن مرتاحون إلى أنّ الرّبّ قد وضع يده عليكم. يد الرّبّ هي القداسة كلّها والمحبّة كلّها.
نصلّي من أجل الكهنة الجدد ونطلب من الله أن يباركهم في يوم سيامتهم. وأنا في المناسبة، أذكر أنّي في هذه الكنيسة الكاتدرائيّة، منذ 54 سنة رُسمت كاهنًا على يد المثلّث الرّحمة المطران إغناطيوس زيادة وكان رفيقًا لي في السّيامة الكهنوتيّة الخوري بطرس أبي خليل من الكحّالة. هو يصلّي معنا ذلك المحبّ من أجل كنيسته وبلدته ووطنه وشباب لبنان والأبرشيّة. المشوار يُكمل، أيّها الأحبّاء، والكنيسة تُكمل رسالتها.
نشكر الله على هذه الهديّة الثّمينة إلى الأبرشيّة. طبعًا، التّهنئة للأهل الأحبّة، الّذين قدّموا فلذات أكبادهم إلى المسيح، بفرح وبشكر. لولا هذه العائلات المقدّسة، المُحبّة للمسيح، ما نمت دعوات في قلبها، دعوات وصلت إلى الكهنوت. لذلك أنتم وببركتكم، أتت الدّعوة فلتنسحب هذه الدّعوة بركة على عائلاتكم من جديد.
أشكر المدارس الإكليريكيّة في غزير وكفرا- عين سعادة الّتي تعهّدت هذه البذار الطّيّبة. كلّ المؤمنين المحبّين للمسيح الّذين عملوا من أجل الكهنة، من أساتذة وإداريّين ورؤساء وكهنة ومرشدين. نطلب من الله أن يوفّقهم ويباركهم في هذا العمل المبارك المقدّس.
نهنّىء بلداتكم، أيّها الأحباء، والأبرشيّة من أجلكم، ونقول: شكرًا لك يا ربّ، أعطيتنا ونحن مستعدّون أن نعطي حياتنا من أجلك ومن أجل بشارتك. وأنا كلّني اليوم صلاة من أجلكم، أذكركم في قلبي، لأنّكم كنتم فرحي، بخاصّة أنّني أرسم الرّسامة الأخيرة، كمطران لبيروت، فيكون يومًا مشهودًا في حياتي الكهنوتيّة والأسقفيّة.
وأنتم، أيّها الإخوة الأحبّاء، كونوا فرحين اليوم، وجدّدوا إيمانكم بالكنيسة والمسيح والأبرشيّة وبالوجود المسيحيّ في لبنان. خلال السّنوات الثلاثة والعشرين الماضية بنى شعبنا في الأبرشيّة 45 كنيسة جديدة. أيّة منطقة في الدّنيا في الغرب الأوروبيّ أو الأميركيّ لديها هذا العدد من الكنائس؟ لبنان ليس موضع شكّ للمسيحيّين، بل بالعكس. لبنان ثابت بقوّة أبنائه وعظمة إيمانهم. هذا ما نؤمن به وتؤمنون.
الرّبّ يرعى مسيرتنا ومسيرتكم إلى الأبد. من كلّ القلب أهنّئكم، وأقول لكم: لا تخافوا، الرّبّ معكم وأنتم معه إلى الغاية والنّهاية. ولا تنسوا أنّكم ملزمون بالصّلاة من أجلي ومن أجل أهلكم ومعلّميكم وكونوا أهل صلاة، لأنّكم بصلاتكم ستُعرَفون أنّكم أبناء المسيح وإخوته، له المجد إلى الأبد."