لبنان
20 كانون الأول 2021, 12:15

بالتّفاصيل- هكذا احتفلت أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك بتولية راعيها الجديد!

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، يوم السّبت صلاة الغروب في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة، جرت خلالها رتبة تولية المطران ابراهيم ابراهيم راعيًا لأبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك خلفًا للمطران عصام يوحنّا درويش، بحضور ممثّلين عن الرّؤساء الثّلاثة في لبنان، ورسميّين وفعاليّات، والسّفير البابويّ في لبنان المونسنيور جوزف سبيتري، ومطارنة زحلة: جوزف معوّض، أنطونيوس الصّوريّ وبولس سفر، إضافة إلى لفيف من مطارنة الطّائفة: إيلي بشارة حدّاد، إدوار ضاهر، نيقولا أنتيبا، الياس دبعي وعبدو عربش، وراعي أبرشيّة صيدا للموارنة مارون العمّار، ورئيس عامّ الرّهبنة الباسيليّة المخلّصيّة الأرشمندريت طوني ديب، ورئيس عامّ الرّهبنة الباسيليّة الشّويريّة الأرشمندريت برنار توما، والرّئيسة العامّة للرّاهبات المخلّصيّات الأمّ تريز روكز، والرّئيسة العامّة للرّاهبات الباسيليّات الأمّ ندى طانيوس، والرّئيسة العامّة لراهبات سيّدة المعونة الدّائمة الأمّ نيكول حرّو، والرّئيسة العامّة لراهبات سيّدة الخدمة الصّالحة الأمّ جوسلين جمعة، ولفيف من الرّهبان والرّاهبات وأهل المطرانين الخلف والسّلف، وحشد من المؤمنين.

خلال الاحتفال، ألقى المطران درويش كلمة تمنّى فيها التّوفيق لخلفه، وشكر كلّ من ساعده خلال ولايته وقال:" في الخامس والعشرين من شهر أيلول عام 1976 دخلَ إلى مكتبي في دير المخلّص إكليريكيّ، وقد بدا عليه الهدوء والسّكينة والخجل وقال لي: "أبت الرّئيس، أشعر بأنّ الله دعاني لأكون كاهنًا في دير المخلّص وأنا الآن بين يديك". هذا الشّابّ هو اليوم أمامَكم يتولّى رعاية الأبرشيّة، إنّه المطران السّادس عشر لأبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع.

أخي سيادة المطران ابراهيم

بقلب يملأه الفرح وتغمرهُ المحبّة، أرحّبُ بك في أبرشيّتك الجديدة، أنتَ القادمُ من أبرشيّة المخلّص في كندا، وقد جعلتَ منها خلالَ أسقفيّتِك لؤلؤةَ الأبرشيّاتِ الملكيّةِ في بلاد الانتشار، وكاتدرائيّةُ المخلّص في مونتريال تشهدُ لغيرتك الرّسوليّة، كما الرّعايا الجديدةَ الّتي أسّستَها.

كلُّنا نرحّبُ بك في زحلة، في عاصمة الكثلكة في الشّرق، بينَ أهلِكَ وأبنائِكَ الزّحليّين، نرحّبُ بك في مدينة العذراء مريم ومدينةِ الإفخارستيّا ومدينةِ الكنائس. أهلاً وسهلاً بك، القلوبُ كلُّها مفتوحةٌ لك.

بيني وبينكَ تاريخٌ طويل، تاريخٌ مُشرقٌ وناصعٌ، ارتوينا من روحانيّة واحدةٍ هي روحانيّةُ أبونا بشارة أبو مراد، ونهلَنا العلمَ والفضيلة من المدرسة ذاتِها، وشرِبنا من نبعِ الرّهبانيّةِ المخلّصيّة، وترسّختْ فينا وصيّةُ المؤسّس المطران الصّيفيّ: "أسّستُكم وصيّرتُكم قربانةً رهبانيّةً مقدّسةً.. ليسَ لأمْكُثَ هنا بطالًا مُستريحًا، بلْ لكي أجُدَّ بواسطتكم في فلاحة كرمِ المسيح في رعيّتي وفي كلِّ مكان".

اليوم وأنتَ تَخلِفُني، أشعرُ بسعادةٍ عامرة، فالرّبُّ اختاركَ لتخدمَ شعبَهُ المقدّس في لبنان، بالأمانة لرسالة التّعليم والتّقديس والتّدبير. إختاركَ لتُكمِّلَ ما رسمَهُ لنا آباؤنا العظام الّذين سبقونا في رئاسة هذه الأبرشيّة المباركة، من المطران المؤسّس أفتيموس فاضل، وأغناطيوس عجوري.. فكيرلّس مغبغب وأفتيموس يواكيم إلى أندره حدّاد. هؤلاء حافظوا على وديعة الإيمانِ وكانوا قُدوةً في رعاية الأبرشيّة، وخدموا بعدل ومحبّة، وقادوا أبناءهم وبناتِهم إلى مراعي النّعمةِ المقدّسة.

وأنتَ على مثالهم تسيرُ اليومَ في هذه الكاتدرائيّة، وقلبكُ يفيضُ حبًّا وحنانًا ورحابةً ليجدَ كلُّ واحدٍ مكانًا له، فيستريحَ في عناية الله.  

أنت قادمٌ إلينا، في عيد شفيعكَ، النّبيّ ابراهيم، وفي الوقت الّذي يبشرُنا ملائكةُ الله، بالفرح والخلاص. نصلّي معكَ، ليزيلَ الرّبُّ منّا كلَّ ضعفٍ ويمحوَ جهلَنا، فالرّبُّ آتٍ، ليسكنَ بيننا ويقيمَ عندنا ويرافقَ خطواتِنا، فنعتادُ على سكناهُ بيننا. بفقره حرَّرنا وبتواضعه جدَّدنا وبتجسّدهِ أعادنا إلى البيت الأبويّ.

فيا أيّها المخلّص، بارك الرّاعي الجديد، امنحهُ الحكمةَ ليقودَ رعيّتَك إلى فقرِكَ وتواضعِكَ وحنانِكَ ومحبّتِكَ، فيكونوا رعيّة واحدة.

شكرًا لكلّ الّذين لبّوا دعوتَنا للاحتفالِ بتوليةِ المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، فقدْ حوّلتُم الاحتفالَ إلى هالةٍ من النّور والمحبّة. شكرًا لكلّ المجموعات الّتي حضّرت احتفالات التّولية.. إنّها محبّةُ الأبناء الصّافية، إنّها التفافُ الأبناءِ حولَ راعيهم، ليُقدّموا له الولاءَ والدّعمَ والصّلاة، شكرًا لوسائل الإعلام.

شكرًا فخامةِ رئيس الجمهوريّة، شكرًا دولة رئيس مجلس النّوّاب شكرًا دولة رئيس مجلس الوزراء.

أخيرًا أشكركُم، أيّها الزّحليّون ويا أبناء وبناتِ أبرشيّتنا المباركة، على هذه السّنوات الّتي قضيناها معًا. أتركُكم كراعٍ للأبرشيّة، لكنّي باقٍ معَكُم، أخًا وخادمًا لكم ولأخي راعي الأبرشيّة المطران ابراهيم، الّذي أكِلُهُ لأمّنا مريم العذراء، سيّدة زحلة والبقاع، لتغمرَه بحنانها وتَسنُدَهُ، ليكون راعيًا صالحًا لكثيرين كشفيعهِ النّبيّ ابراهيم. آمين".

من جهته، شكر البطريرك العبسيّ المطران درويش على فترة ولايته في أبرشيّة زحلة ودعا أبناءها إلى الالتفاف حول المطران الجديد ابراهيم ابراهيم. وقال :"أيّها الأحبّاء،

يسرّنا أن نقدّم لكم في هذا اليوم المبارك الرّاعيَ الجديد لأبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع، سيادةَ المطران إبراهيم إبراهيم الجزيلِ الاحترام الّذي كان قبلًا مطرانًا لكنيستنا الّتي في كندا وانتخبه من ثمّ السّينودسُ المقدّس في أثناء انعقاده في حزيران الفائت 2021 مطرانًا على أبرشيّتكم المحبوبة والمحروسة خلفًا لسيادة المطران يوحنّا عصام درويش الجزيل الوقار.

المطران إبراهيم إبراهيم آتٍ اليوم إليكم ولكن سبقه إليكم الصّيت الحسن والتّقدير الجزيل والمحبّة الكبيرة الّتي كان يتمتّع بها في أبرشيّة كندا الّتي خدمها على مدى ما يقارب الخمسة عشر عامًا، تاركًا أثرًا طيّبًا في ما قام به من أعمال على مختلف المستويات الرّعويّة والإعماريّة والإنسانيّة والاجتماعيّة وفي ما قدّم من خدمة لأبنائنا ومن غير أبنائنا أيضًا المنتشرين في بلاد كندا. لذلك إذ نستقبله اليوم ونرحّب به مطرانًا على أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع نَعلم أنّنا نستقبل ونرحّب بمطران مختبر قادر على قيادة ورعاية شعب الله المؤمن الّذي يأتمنه عليه السّيّد المسيح اليوم في هذه المدينة العريقة في الإيمان والمتجذّرة والفاعلة في تاريخ كنيستنا الملكيّة.

أيّها الأحبّاء، المطران الجديد الّذي نستقبله اليوم هو ابن لكم وراع لكم في آن واحد، هو منكم ولكم، كما يقول بولس عن رؤساء الكهنة: "كلّ حبر يؤخذ من النّاس ويقام لأجل النّاس في ما هو من [عبادة] الله لكي يقرّب تقادم وذبائح عن الخطايا" (عب5: 1). لقد اختاره الله من أجل خدمتكم وليس من أجل خدمة نفسه. علينا أن نحضنه وأن نرعاه وأن نحبّه وأن نحصّنه وأن نمنع عنه كلّ مكروه وكلّ شرّ وكلّ أذًى. لا شكّ أنّ السّينودس المقدّس انتخبه ومسؤول عنه أوّلاً، بيد أنّنا نحن أبناءَ هذه الأبرشيّة مسؤولون عنه أيضًا. نحن مسؤولون عن هذا الابن الّذي أعطانا الرّبّ إيّاه ، مسؤولون عن صحّة عمله، عن نقاوة سلوكه، عن نجاح إدارته، عن قداسته... لذلك علينا أن نحوّطه، أن نساعده، أن نحبّه، أن نحترمه، أن نخاف على صيته. هذه المسؤوليّة الّتي علينا عن مطراننا يجب أن تكون أولويّةً في حياتنا نضحّي في سبيلها بكلّ شيء ونضعُ من أجلها جانبًا كلّ ما قد يكون بيننا من خلافات أو تباعدات أو خصومات لا سمح الله. قداسة المطران إبراهيم، نجاح المطران إبراهيم من مسؤوليّة كلّ واحد منّا بقدر ما هي بل أكثر ممّا هي مسؤوليّةُ الّذين انتخبوه. إذا أردنا أن ينجح مطراننا وأن يكون راعينا صالحًا وقدّيسًا علينا نحن أوّلاً أن نساعده على أن يكون كذلك.

يصف القدّيسُ بولس السّيّدَ المسيح بالحبر الأوّل بالمطران الأوّل. ويقول الكتاب المقدّس عن المسيح الحبر، المطران الأوّل إنّه "رئيس السّلام". كلّ خليفة للسّيّد المسيح، كلّ رئيس كهنة هو رئيس السّلام في أبرشيّته، يعني أنّه مسؤول عن إحلال السّلام فيها على مثال السّيّد المسيح. المطران هو رئيس السّلام الّذي يسالم ويصالح أبناءه ويجعل أبناءه يسالم ويصالح بعضهم بعضًا كما يطلب القدّيس بولس. المطران هو رئيس السّلام الّذي يسعى إلى هدم الحواجز الّتي من شأنها أن تباعد أو تفصل بينهم، جاعلاً منهم رعيّة واحدة في حظيرة واحدة. وكم بالحريّ في زحلة "دار السّلام"؟ السّلام في الأبرشيّة كما في الكنيسة وكما في العالم هو أكبر عطيّة من الله لأبنائه على الأرض: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام". هذه رسالة المولود الجديد الرّبّ يسوع الّذي ننتظر قدومه بعد أيّام، وهذه هي رسالة المولود لنا اليوم، لأنّ إلهنا إله السّلام، وإنجيلنا إنجيل السّلام، وسعينا سعي إلى السّلام: "طوبى لفاعلي السّلام فإنّهم يدعون أبناء الله".

أيّها الأحبّاء، هذه السّيّدة الّتي نحن في حضرتها هي سيّدة النّجاة. هكذا أرادها وسمّاها الّذين بنوها. علينا أن ننظر إليها كما كان ينظر إليها آباؤنا وأجدادنا الّذين عمّروها على هذا الإسم. السّيّدة العذراء في نظرهم، وهكذا يجب أن تكون في نظرنا نحن أيضًا، هي الّتي تنجّيهم وليس من منجٍّ آخرَ سواها، بشفاعتها إلى الرّبّ يسوع ابنها. العذراء سيّدة النّجاة تنجّينا ليس فقط من الأخطار الخارجيّة بل أيضًا من الأخطار الدّاخليّة الّتي قد تنشأ لا سمح الله وهي الأخطر. لذلك ينبغي أن نصوّب أنظارنا إلى سيّدة النّجاة أينما كنّا لأنّها هي الّتي تستطيع أن تجمعنا. كلّما ضعفنا، كلّما اختلفنا، كلّما تباعدنا، فلنأتِ إليها ونستودعها بعضنا بعضًا بضعفنا وتباعدنا واختلافنا. إنّها كفيلة بأن تضمّنا جميعًا إلى صدرها. فمن طلب النّجاة هذه هي داره. والسّاكن في هذه الدّار هذه هي رسالته، أن يقدّم النّجاة لطالبها. رسالة السّاكن في هذه الدّار أن يصلّي من أجل أبنائه، أن يحبّهم، أن يجعل منهم قدّيسين بأن يقدّم لهم يسوع المسيح ويسوع المسيح وحده دون سواه، بشهادة إنجيليّة صادقة، بسيرة مقدّسة، كما تفعل السّيّدة العذراء، سيّدة النّجاة، من أعلى المقام الّذي بناه لها آباؤنا على مَطلّ مدينتنا شكرًا لها على النّعم الّتي تنالها للجميع من ابنها الإلهيّ.

في هذه المناسبة السّعيدة أقدّم لسيادة المطران يوحنّا عصام درويش الموقّر، باسمي وباسم الأبرشيّة وباسم الكنيسة، عواطفَ التّقدير والشّكر والمحبّة على ما بذل لهذه الأبرشيّة من محبّة وتعب وعلى ما أنجز من أعمال رعويّة وعمرانيّة وخيريّة واجتماعيّة وثقافيّة وفنّيّة، رائده ازدهارها ونموّها وجعلُها فاعلة شاهدة على حضور الرّبّ يسوع في هذا البقاع المتنوّع الجمال والأطياف.

كلمتي الخاصّة إلى أبنائي الكهنة الخادمين في هذه الأبرشيّة أن يلتفّوا حول راعيهم الجديد ويحوّطوه بما يليق من الاحترام والمحبّة ويكونوا له خير أعوان، وأن يأخذوا شعارًا لخدمتهم قول الرّسول بولس إلى أهل كورنثس: "أطلب منكم، أيّها الإخوة، باسم ربّنا يسوع المسيح، أن تكونوا جميعكم على قول واحد، ولا يكونَ في ما بينكم شقاقات؛ بل تكونوا ملتئمين بفكر واحد ورأي واحد" (1كور1: 10).

سيادة الأخ إبراهيم، هوذا أنت الآن بين أبنائك، في وسْط شعبك. ها هم ينظرون إليك بوجوه باسمة متكلّمة، بعيونٍ ملأى بالفرح والثّقة والرّجاء. إرفع يمينك وباركهم. بارك هذه الكرمة الّتي غرستْها يمين الرّبّ وأوكلت إليك أن تحرسها وتنمّيها. إرفع يمينك وبارك باسم الرّبّ الآتي إلينا عمّا قليل بالخلاص طفلاً مولودًا في مذود بمغارة تنشد له السّماء وتردّد الأرض الصّدى: "إنّي أبشّركم بفرح عظيم. قد وُلِد لكم اليوم مخلّص". فمبارك الآتي باسم الرّبّ. آمين."

وفي نهاية كلمته سلّم البطريرك العبسيّ عصا الرّعاية إلى المطران ابراهيم وسط ترنيم الجوقة.

أمّا كلمة الختام فكانت للمطران ابراهيم ابراهيم قال فيها :

"مَن يدخلْ هذه الأبرشيّةَ وزحلةَ الأبيَّةَ يزدادْ على قَدرِ أهلِهَا عزمًا وعزَّةً وبطولةً وإيمانًا وصلابةً لبنانيَّةً...  

قال الرّبُّ: " إبراهيمُ إبراهيمُ، انطلقْ من أرضك وعشيرتِك وبيتِ أبيك إلى الأرض التي أُريكَ" (تك 12/1). في عشية أحد النسبة وعيد أبي الآباء ابراهيم، أسمع من جديدٍ هذا النداءَ الإلهيَّ. يأمرني اللهُ أن أحفظَ عهدَهُ، وهو شعاري الأسقفيُّ الذي لن يتغيَّرَ: إحفظْ عهدي. الربُّ يدعوني، وها أنذا بأمرهِ، تركتُ كندا، البلدَ الرائعَ الذي قضيتُ فيه ثماني عشرةَ سنةً في الخدمةٍ الأسقفيَّةٍ، وأتيت إلى لبنانَ؛ بلدي ومسقَطِ رأسي. أسيرُ عكسَ كثيرين هذهِ الأيَّامَ. كلٌّ يرغبُ في رحيلٍ! أمَّا أنا فبعوْدَةٍ. رِحلتي الإبراهيميَّةُ لم تعدْ نحوَ مجهولٍ. فبالإيمانِ يصيرُ المجهولُ معلومًا، لأنِّنِي مؤمنٌ بلبنانَ، بماضيهِ وحاضرِهِ ومستقبلهِ. من ذَا يقدرُ أَن يمنعَ الشمسَ من أن تشرقَ عَلَى ربوعِه معظمَ أيَّامِ السنةِ! لا ظلمٌ ولا فسادٌ ولا ويلاتٌ. إنَّه لشرفٌ كبير لي أن أكون بين أهلي الطيِّبينَ في زمنِ محنتهم المضنيةِ. لو كان لبنانُ بخيرٍ لبقيتُ في كندا. لكنني آثرتُ أن أكون معكم في وطني لبنانَ، وطنِ الإنسانِ وترابِ الذين سبقونا.

تعالَوا أيها الأحباء نستيقظ من غفوة يأسنا فنصحوا بالأمل والرجاء إلى غد جديد وآفاق مشرقة. لبنانُ يا إخوتي، وإن كان يسير اليوم على درب الآلام، إلّا أنه يسيرُ إِلى قيامةٍ! لذا عدتُ بانتخاب إخوتي آباء السينودس المقدس.. عدتُ، لا لأنّي أسعى وراء التحديات... بلْ لأَنِّي أشعر في صميمي بأنَّ قيامة وطني آتيةٌ وبأن لي شهادةٌ أؤدِّيْها في هذه الأبرشيَّةِ المزروعةِ بيدِ الله، المغروسةِ بيمينهِ، المحبوبةِ منه ومنَّا. المكرَّسُ لا تحرِّك دعوَتَهُ المغامراتُ البشريِّةُ ولا الرغباتُ الطائشةُ، بل روحُ الربِّ. لذلك أقولُ واثِقًا مع النبيِّ أشعيا: "روح السيَّدِ الربِّ عليَّ، لأنَّ الربّ مسحني، وأرسلني لأُبشِّرَ الفقراءَ وأُجبُرَ منكسري القلوبِ، وأنادي بإفراجٍ عن المسبيِّينَ، وبتخليةٍ للمأْسورينَ، لأُعلن سنة رضًا عندَ الربِّ". (أش 61/1-2). هذا هو برنامَجي، والربُّ يسوع مُعيني!  

في كندا حيثُ كنتُ، أم في لبنانَ حيثُ أنا، سِيَّانِ. رغبتي كانت ولمَّا تزلْ بناءُ الإنسانِ. لأنَّ الإنسانَ هو همِّي الأَوَّل والأخِيرُ. كلٌّ، أيًّا كانَ، يساوي عندي رعيَّة كاملةً، وأبرشيَّة كاملةً ووطنا كاملًا. إِنْ بُنيَ الإنسانُ في لبنانَ أوَّلًا، فكلُّ شيء يُزاد لنا ويُبنى من بَعْدِهِ... لِيكنِ الدينُ بعدَ الله عندنا هو الإنسانُ. زحلةُ عَلَى مَدَى تاريخِها كانت وما تزالُ ملاذَ طالبي الحريَّةِ، وأهلُها الكرامُ يُشاركونَني في هذا اللاهوتِ العملي، وهم يردِّدونَ في تخاطبهم الآخرَ: "يا ديني". كم جميلٌ هذا البعدُ اللاهوتي والإنساني الذي يتضمَّنهُ هذا النداءُ! خطابٌ سامٍ رائعٌ: " يا ديني"... "يا أخي الإنسانُ، أنت بعدَ الله ديني". هناك في الإنجيلِ مشهدٌ على قساوتِه بديعٌ. ما أن سلَّم بيلاطسُ يسوعَ للجلدِ والتعذيب، أتى به وعرضه أمام الجمهور قائلًا: "هو ذَا الإنسانُ" (يو 19/5). وهذا هو حالُ الإنسانِ اليومَ في لبنانَ، هو مُدمًّى مِثلُ يسوع، من جرَّاءِ الأزماتِ، مجروحٌ، يَنزِفُ ويتأَلَّمُ. "هو ذَا الإنسانُ" ديني ونذري وهدفي وعملي وخدمتي ومَيدانُ نضالي.  

لا إحباطَ، لَا خَوَفَ ولا يأسَ ما دُمنا في كنف سيِّدةِ النجاةِ. إنَّها مُتجلِّيةٌ تعرفُ طريقَ خروجِنا من هذا النفقِ وخلاصَنا. ووصيَّتها لنا أن نفعلَ كلَّ ما يقولُه لنا يسوعُ كيْ تتمَّ المعجزة: إملأوا الأَجاجبنَ همومًا وجراحًا. املأوها آلامًا ودموعًا. يسوعُ يحوِّلها كلَّها إلى فرحٍ وشفاءٍ. فلنؤمن فكلُّ شيءٍ مُستطاعٌ للمؤمن. فلنتواضعْ في كنفِ العذراءِ لِتبتهِجَ أرواحُنا بالله مخلِّصِنا. فلنتَّق الربَّ على مِثالها كي يصنعَ القديرُ بنا العظائمَ كما صنعَ بها، فاسمُه قدُّوس. فليصنعِ الربُّ في سيِّدة النجاةِ عزًّا بساعده وليرفعِ المتواضعين... عند سيِّدةِ النجاةِ مَؤِلٌ ومجالٌ للجميعِ: أولئك الذين يختارون- على قلَّته- الإيمانَ، والصلاةَ على ضعفِها، والوَحدةَ على هشاشتِها، والسلامَ والانفتاحَ والحوارَ والغفرانَ والتلاقي والعملَ على صونِ كرامةِ الإنسانِ.

سيِّدةَ النجاةِ، أُقدِّمُ لكِ عمري وما بقي منه بكلِّ مواهبي المتواضعة وطاقاتي... من اليوم فصاعدًا صرت ابنَكِ البقاعيَ، ابنَ قراك وغرسةً في تراب هذا السهل الخصيب بأهله وزرعه. سأعمل لخير هذه الأبرشيَّة بقدْرِ ما يمنحُني الربُّ الإلهُ من قوَّةٍ وعزمٍ. سأنفتحُ على الجميعِ، وسيكون في قلبي متَّسعٌ للجميعِ. سأعمل مع الذين يرغبون في العمل، وسأحفِّزُ الذين تثاقلتْ هِمَمُهُمْ. أُدركُ مسبقًا أنَّ الحِملَ ثقيلٌ لشدَّة الأعباءِ والهمومِ في هذا البلد الجريح. لكنَّ نعمةَ الله التي آزرتني طوالَ غُربتي، لا رَيْبَ ستؤازرُني في وطني أيضًا. الربُّ لا يترُكُ أحدًا وحيدا، الذين يعملون في كرمِهِ خاصَّةً. يمنحُ كلًّا منَّا نعمةً حسبَ حاجته. في كندا كانت لي نعمةٌ، وهنا في زحلة لي نعمةٌ مأَكَّدةٌ مخبَّأةٌ. إيماني بالله قويمٌ وثابتٌ، وبكم لا شكَّ أكيدٌ، وعلى الله الاتِّكالُ!

أوجِّه الشكرَ إلى صاحبِ الغبطةِ البطريركِ يوسفَ العبسي الكليِّ الطوبى الذي باركنا بحضورِه، ونوَّرنا بكلماتِهِ وغمرنا بمحبَّتهِ. أعاهدُهُ التعاونَ والاحترامَ المتبادلَ والدعمَ الُمطلقَ لما فيه خيرُ كنيستِنا الملكيَّةِ المفدَّاةِ وخيرُ أبرشيَّةِ الفرزل وزحلةَ والبقاعِ، الوديعةِ الغاليةِ جدًّا، التي بها وعنها سأحاسَبُ الجزاءَ الأوفى.

ما يخفِّفُ عِبءَ الحِملِ هو أنِّني أدخلُ أبرشيَّةً عامرةً، بذل فيها أخي سيادةُ المطرانِ عصامُ يوحنا درويشُ كلَّ جهدٍ فجعلَها أبرشيَّة رائدةً شابَّةً نضرةٍ. وما من عجبٍ أو استغْرَابٍ، فهو أتى ليُكمِلَ عملَ من سبقوهُ من أساقفة هذه الأبرشية العظام، وأخص بالذكر المثلثَ الرحماتِ المطران القائد اندره حداد. ولأنَّ العمل الكنسيَّ، يا أحبّتي، تواصلٌ وتتابعٌ... نبني على ما بناهُ السَّلفُ، لا نبدأُ من صفرٍ. سيِّدنا عصام لم يترك لي الكثيرَ لأعملَهُ. يسوعُ عملَ معه وباركهُ بالاتِّزانِ والتعقُّلِ واللطفِ والوداعةِ في زمن رديء. قد تبدو شهادتي مجروحةً في سيِّدنا عصامِ، فقد كانَ نِعْمَ الأبِ والصديقِ والرفيقِ والمشيرِ، وسيبقى لي كذلك.  

أقدّم لفخامة رئيس الجمهورية، ودولة رئيس مجلس النواب، ودولة رئيس مجلس الوزراء، أجملَ عبارات الشكر والامتنان من قلب فاض بالتقدير لمشاركتهم الغالية.

أشكرُ إِخوتي أصحابَ السيادةِ المطارنةَ والرؤساءِ العامِّين، والرئيساتِ العامَّاتِ، وكلَّ الكهنةِ والرهبانِ والراهباتِ والشمامسةَ الحاضرين معنا. لهم، أقدِّمُ عهد الشراكةِ والمحبَّةِ والتعاونِ.

أشكر أيضًا أصحاب المعالي والسادة النواب وكلَّ المسؤولين الرسميِّين، مدنيِّين وعسكريِّين، والأحزابِ والهيئاتِ والفعاليات، لمشاركتِنا في إحتفالِ التولية هذا."

وإختتم موجّهًا التّحية إلى المغتربين في الولايات المتّحدة وكندا وقال: "أما وقد صرتُ حيثُ أنا الآن، أرسل التحيَّة خالصةً من خلف البحار والمحيطاتِ لأبنائي وبناتي وأصدقائي في الولايات المتَّحدةِ الأميركية وكندا حيث على مدى ثلاثين عامًا كنت فيهما خادمًا للربِّ وللكنيسة هناكَ. لم يكن سهلًا عليَّ وَداعُ أحبَّائي، ومعهم بنيتُ جسورَ صداقةٍ متينةٍ ومحبَّةً مُتبادلَةً. وَمن زحلةَ العريقةِ والزَّاخِرَةِ بِمَنْ قَدَّمَتْ وَبِمَا أسهَمتْ، أوجِّه لهم محبَّتي وفائقَ تقديري واحترامي. لقد تركتهُم بحسرةٍ كبيرةٍ وبألمٍ عميقٍ، لكنَّني واثقٌ من أنَّ صلاتَهم ترافقني في أبرشيَّتي الجديدةٍ، وتكونُ قوَّةً وعونًا لي، وَليبقوا بصلواتي في فكري وخاطري.

Je souhaite exprimer mes sincères remerciements au Nonce Apostolique, Son Excellence, Mgr Joseph Spiteri. Je tiens à vous assurer, Excellence, que je serai toujours prêt à travailler avec vous pour le bien de toutes nos églises et tous les libanais.

Je vous serais très reconnaissant de bien vouloir transmettre au Saint-Père le Pape François mes vives remerciements pour la confirmation de mon élection. Je vous prie de bien vouloir l'assurer de mon dévouement filial à son égard et de mon soutien inconditionnel à ses efforts inlassables pour la restauration de l'Église indivise. Aujourd'hui, nous lui recommandons tous les chrétiens d'Orient qui voient en lui le garant de l'unité ecclésiale, et nous demandons à Sa Sainteté de garder spécialement dans ses prières paternelles notre Église grecque- melkite catholique. Que toutes les communautés chrétiennes du Moyen-Orient entendent et répondent à son appel à rester fidèles et à demeurer dans leurs patries.

أشكرُ وسائلَ الإعلامِ المرئي والمكتوبِ والمسموعِ والأخواتِ والأخوةَ الإعلاميِّين لمساهمتهم القيَّمة في نقلِ كلِّ الاحتفالاتِ وتغطيتها.

أشكرُ كلَّ الذين رفعوا لافتات التكريم والترحيب وكلَّ من ساهمَ بتحضيرِ هذا الاحتفالِ الروحي المهيبِ وكلَّ الحاضرين والمتابعين عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وأشكر بنوعٍ خاصٍّ والدتي التي باركتني بحضورها. كما أشكرُ شقيقتي وأشقَّائي وعائلاتهم الذين رافقوني طوالَ حياتي الكهنوتيَّةِ والأُسقفيَّة بالدعمِ والصلاة. باركهم الربُّ، وبارككم جميعًا بالصحَّة والفرح والقداسةِ. نِعَمُ الربِّ تشملُكُم بحنانه ومحبَّته للبشر ِكلَّ حينٍ، الآنَ وكلَّ أوانٍ وإلى دهرِ الداهرين. آمين."

وبعد انتهاء صلاة الغروب، تقبّل المطران ابراهيم والمطران درويش والبطريرك العبسيّ التّهاني من الحضور في قاعة يوحنّا الحبيب.

وكان سبق رتبة التّولية استقبال للمطران ابراهيم في ساحة المطرانيّة حيث قدّم له رئيس بلديّة زحلة- المعلّقة وتعنايل المهندس أسعد زغيب مفتاح المدينة، ودخل المطران ابراهيم وسط عزف الفرق الموسيقيّة الكشفيّة، وعناصر فوج زحلة الرّابع في جمعيّة الكشّاف اللّبنانيّ الّذين أدوا التّحيّة، وعناصر الشّبيبة وميداد الّذين أتوا من مختلف الرّعايا.